محمد الخضر محمد الخضر

من أجل مشروع نهضوي عربي جديد

يمكن لأي قارىء لتاريخ الحزب الشيوعي السوري أن يقسمه إلى قسمين من التاسيس 1924 حتى 1966 ومن 1966 حتى الآن.

نعم يحق للحزب وللشيوعيين السوريين مديح النضال الكبير الذي خاضه الحزب بكل أشكاله وبالتعبئة الجماهيرية للنضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي والمشاركة الفعالة في النضالات الديمقراطية من تظاهر وإضرابات مستمرة حتى تحقق الجلاء الكامل.

ولا ننسى الدور الكبير الذي لعبه كوادر الحزب في تأسيس النقابات العمالية والكثير من الجمعيات الثقافية ودوره في مقارعة الديكتاتوريات العسكرية التي توالت على سورية 1949 - 1954 والمعارك الجماهيرية الكبيرة ضد المشاريع الاستعمارية التي استهدفت سورية ومن المهم أن نذكر النضال الديمقراطي الذي دفع ثمنه الحزب غالياً من دماء كوادره وقادته في فترة ديكتاتورية الوحدة، وحرب الأجهزة الأمنية لتصفية الحزب وكوادره.

رغم غياب المؤتمرات الحزبية وغياب الديمقراطية الحزبية لم ينقسم الحزب وبقي جسداً مترابطاً صامداً لماذا؟!
إن وضوح الرؤية السياسية وانسجامها مع صعود حركة التحرر العالمي والتطورات الجبارة التي أنجزها الاتحاد السوفييتي، من انتصاره على النازية في الحرب الثانية وقيام المعسكر الاشتراكي إلى انجازاته الاقتصادية والعسكرية وخاصة في غزو الفضاء.
هذا ما وضع أمام الشيوعيين مهام عمل ديمقراطي نضالي كبير لذلك استمر الحزب متماسكاً وقوياً... ولكن؟!
بعد سياسة التأمميات والإصلاح الزراعي وبعد بداية التراجع في الاتحاد السوفييتي وهيمنة بيروقراطية برجينف الفاسدة المستبدة، ضاعت الرؤية الصحيحة، وأصبح الفصل بين الشعارات الديمقراطية والاشتراكية قائم فعلاً عبر مقولة المنظرين السوفيت بالتطور اللارأسمالي في دول التحرر الوطني.
هذا الخلل الكبير في المهام المطروحة أمام الشيوعيين وبغياب المؤتمرات لفترة طويلة (منذ 1944) جعل من اختلاف الآراء حول عدد من القضايا المطروحة ميداناً لبداية انقسام كبير في الحزب كان له أثر مدمر على الحزب ومستقبله.
في هذه الأجواء التي يتعرض فيها الحزب للتفكك والانقسام جاءت مفاوضات قيام الجبهة الوطنية التقدمية والتي سارعت قيادة الحزب ممثله بالأمين العام لتغتنم الفرصة وتحصل على شرعية السلطة السياسية بعد توقيع ميثاق الجبهة بكل شروطه المحجفة.
كما أدى بالشق الآخر (المكتب السياسي) من الحزب وبعد تدخل الرفاق السوفيت وسحب الأطراف الوسيطة عبر الاتفاق الثلاثي (اتفاق موسكو) إلى طرف الشرعية المعترف بها مما أبقى ما سمي (جماعة رياض) متمترسين خلف مقولاتهم الأساسية وعاملين بمبدأ رد الفعل مما أوقعهم بالعماء السياسي في الكثير من المفاصل الهامة التي تعرض لها الوطن.
إن وجود قيادة بيرقراطية وديكتاتورية فاسدة في الاتحاد السوفييتي ساعد قيادة الحزب المتماهية مع برجينيف على اعتبار الحزب ملكاً شخصياً لها، توزع غنائم السلطة والرفاق السوفييت على من يقبل الاستزلام لها، وتحرم المتمردين من بركاتها الكثيرة. إن الخلاف حول تقاسم الغنائم وعدم رؤية سياسية واضحة وغياب المهام الديمقراطية كل ذلك أدى لظهور التكتلات الكثيرة في القاعدة والقمة مما مهد للعديد من الانقسامات وظهور الكثير من التمردات وترك الحزب أو الانضمام لأطراف يسارية أخرى. أن غياب الاستراتيجية السياسية أوقع الحزب وكوادره في اللعب بالوقت الضائع وبين السطور وممارسة البهلوانية والرقص على الحبال وكانت القيادة تمارس لعبتها الدائمة في فبركة المندوبين الجاهزين لقول نعم للقيادة وللأمين العام «وبالإجماع» هذه الكلمة البعيدة عن أي فعل سياسي، الكلمة المعبرة عن الكذب الكبير الذي مورس في الكثير من الأحزاب ذات النمط (الإجماعي) في العالم.

إن غياب المهام الديمقراطية جعل من العمل الحزبي عملاً روتينياً غير نضالي وبدأت القضايا الصغيرة والشخصية الثانوية تصبح هي القضايا الرئيسية وعليها يجري العمل والتآمر مما يؤدي إلى ظهور نويات للإنقسامات القادمة.
حسناً يدعو الميثاق (ميثاق شرف) إلى وحدة هذه النويات من جديد ضمن حزب موحد وخاضع لسلطة المؤتمرات وللعملية الديمقراطية. كلها شعارات جميلة ومحملة بالنوايا الطيبة ولكن «درب جهنم معبد بالنوايا الحسنة».
لم يقل لنا الميثاق ما هي المهام الديمقراطية المطروحة أمام هذا الحزب هل هو استمرار لبرامج العمل السابقة السياسية والاقتصادية والتي أقرتها المؤتمرات «الديمقراطية» السابقة.

ألم يثبت فشل هذه السياسات والبرامج ولا واقعيتها وابتعادها عن أن تكون فاعلة في ساحة الوطن.
نحن نعرف أن نواب الحزب في مجلس الشعب قد عارضوا قانون الاستثمار والعديد من القوانين الاقتصادية الجديدة ولكن؟! ما الذي فعله الحزب لحشد التأييد لهذا الموقف؟ هل وقع العرائض الرافضة؟! هل نزل إلى الجماهير وسير مظاهرة احتجاج أمام مجلس الشعب؟ أم أن الاعتراض في المجلس هو براءة ذمة وراحة للضمير المثقل؟! إن الحزب الذي يتخلى عن برنامج عمله الديمقراطي، هو حزب غير ثوري. إن حزب يطرح شعار «الدفاع عن الوطن الدفاع والدفاع عن لقمة الشعب»، أي يطرح شعاراً أخلاقياً نبيل جداً ولكنه غير سياسي وغير محدد المعالم وعندما تطرح إنك تريد كل شيء فإنك عملياً لا تريد شيئاً.

ما العمل؟: إن تضمين الميثاق (ميثاق شرف) لخط سياسي واضح وبرنامج عمل ديمقراطي واضح هو الذي يعيد بناء وحدة الحزب ويعيد للحزب وجهه الثوري المستقل.
إن إعادة صياغة شروط التحالف وضمن المعطيات الوطنية والعالمية الجديدة شرط المصلحة الوطنية والعداء للإمبريالية والنضال المشترك من أجل مشروع نهضوي عربي جديد ضمن سياق النضال الوحدوي الديمقراطي على امتداد الساحة العربية، هو الشرط الضروري لنهضة الحزب وكي يعود حزباً ماركسياً لينينياً حقاً وفعلاً لا قولاً وشعارات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
178