ياسر النجار ياسر النجار

من أجل عودة الحزب إلى جماهيره

إن مبدأ الديمقراطية الداخلية في  الحزب الشيوعي السوري واحترامه من الشروط الضرورية للعمل الجماعي في جميع هيئاته، لأن هذا المبدأ يضمن مشاركة جميع أعضاء الحزب في بحث مهمات الحزب وقراراته وتنفيذهما بقناعة والتزام واع، ويساعد هذا في المحصلة على تطوير الكادر الحزبي وتشجيعه، وهذا بدوره يؤدي إلى أن كل رفيق يشعر بأن الهدف والنتيجة من طرحه ملاحظاته وانتقاداته هو مصلحة الحزب وتطوير عمله وتحسينه، إلى جانب تشجيع ممارسة النقد والنقد الذاتي ورفع مستواه، ليكون سلاحاً فعالاً في كشف النواقص والأخطاء دون اعتبار لحساسية البعض، إضافة للبحث الجدي باستمرار عن السبل لتلافي الأخطاء… وهذا ما يقوي الحزب الشيوعي، وليس العكس كما يعتقد البعض، ومن المعروف أن وجود حزب شيوعي قوي جماهيري مشبع بالروح الكفاحية ومتين البناء وعالي المستوى نظرياً وسياسياً (وخاصة قيادته) هو وحده القادر على التصدي لأية أخطار وأي انعطاف مفاجئ مهما كان.

أما إذا كانت القيادات (على أي مستوى) ستسلك من خلال قيادتها بدل ذلك سلوك وأساليب محاكم التفتيش، أو ستقوم بالكذب والمخاتلة في محاولة  للتماسك تجاه إرادة الأغلبية الحزبية الرافضة لهذا السلوك الخاطئ والمضر فلابد من عزل وحصار بل وفضح مثل هذه السلوكيات وممارسيها ولا مفر من ذلك أمام كل شيوعي يغار على حزبه وتراثه ومخلصاً حقيقياً لمبادئه… وإذا كان يعتقد بعضهم أن الوفاء للرفيق النموذج خالد بكداش ومقياس السير على هدى مواقفه النضالية وسلوكياته المبدئية يقاس مثلاً بترديد اسمه بمناسبة وبغير مناسبة، أو بتسمية منظمة الشباب الديمقراطي باسم شبيبة خالد بكداش (وبالمناسبة، فقد أكد وكرر الرفيق خالد مراراً على خطأ وضرر إعطاء منظمة الشباب الصفة الحزبية بأي شكل) أو بوضع صورته في رأس الصفحة لجريدة الحزب ككليشة دائمة، كل هذه الأمور لا تعبر إطلاقاً عن وفائهم وإخلاصهم للحزب ولا للرفيق خالد أيضاً!! وهم أياً كانوا لا علاقة لهم لا بمواقفه ولا بسلوكياته.

عندما دعيت للاجتماع الأول الذي عقد لمناقشة وتوقيع ميثاق شرف الشيوعيين كنت أعرف شخصياً بعض نشطاء هذه المبادرة للتوقيع على الميثاق المذكور. وعندما حضرت ورأيت هذا الاجتماع الكبير من الشيوعيين انتابني شعوران متناقضان ـ حزن وسعادة ـ حزن لأنني رأيت شيوعيين كثر أعرفهم ومن مختلف المحافظات لا يستفيد الوطن والشعب من جهودهم المنظمة في حزب واحد، فهم إما تاركون لأسباب مبدئية، أو مفصولون أو مطرودون بقرار من (محاكم التفتيش) أو (واضعون أنفسهم بأنفسهم خارج الحزب!!) والقاسم المشترك الذي يجمع أغلبيتهم الساحقة هو أنهم شيوعيون مجربون وحقيقيون ويجسدون الأخلاق الشيوعية بكل ما للكلمة من معنى، ومعروفون بين الناس بسمعتهم الطيبة وبالنزاهة واليد النظيفة..

أما السعادة التي انتابتني فهي أنهم اجتمعوا حول الميثاق….
ثم تساءلت في نفسي وقبل أن يبدأ الاجتماع: ماذا جرى؟ هل تم انتقاء الأفضل والأخلص والأصلب في مجموع الحزب من الشيوعيين لإبعادهم أو تطفيشهم؟ وهل يتم هذا صدفة أم مقصوداً ومخططاً له؟ ومن وراءه؟!! وفي هذه المرحلة بالذات التي تزداد فيها وقاحة حكام الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة الهيمنة على العالم وإملاء رغباتها وأوامرها عليه؟. ومن أكثر من الشيوعيين صلابة في مواجهة ذلك موحدين؟ وفي هذه المرحلة التي تزداد فيها الصهيونية شراسة في جرائمها وفي استهتارها بالمجتمع الدولي والشعب الفلسطيني الصامد والشعب العربي عموماً؟! وفي هذا الوقت الذي تزداد فيه معاناة جماهير أوسع فأوسع من الشعب من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.. ولمصلحة من كل ذلك؟! ولمصلحة من بقاء الوضع كما هو عليه الآن؟!

ومن المعروف أن وحدة الشيوعيين في حزب واحد مع وحدة الإرادة والعمل هي إحدى الشروط الأساسية لكي تحقق الطبقة العاملة وحلفاؤها أهدافهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولكن وعلى الرغم من تصريحات هذا الفصيل أو ذاك من الشيوعيين حول الوحدة واهميتها، فهل الجميع فعلاً وخاصة القيادات القائمة على رأس الفصيلين لهم مصلحة في مثل هذه الوحدة، وما هي درجة وجدية المصداقية في ذلك؟ وما الذي يمنع الحوار أو يعرقله؟! وهل وضع الديمقراطية الحزبية عند الفصيلين الشيوعيين (القيادات) يسمح بتوجه كهذا نحو وحدة الشيوعيين ويسمح بالتنفس؟!
إن تجربة الحركة الشيوعية في عدد من البلدان دلت دلالة واضحة وصريحة على أن الحزب ينمو ويتطور في تفاعل القيادات مع القواعد في ظل حياة حزبية ديمقراطية، في ظل ممارسة حقيقية للنقد والنقد الذاتي وفي ظل المحاسبة الجدية وفي حينها، بذلك يكون النشاط الحزبي مكشوفاً للجميع في ظل الديمقراطية الحزبية، فيعرف الجميع أن هذا القيادي الشيوعي أثبت جدارة من خلال عمله الحزبي والجماهيري وأثمرت جهوده نجاحات ملموسة، بينما الآخرلم يكن في مستوى  الكادر القيادي وليس بالمستوى المطلوب، وفي ظل ما ذكرناه يجري إعفاؤها ويقدم الأفضل، فهل هذا ما يجري؟!
إن الديمقراطية الحزبية تخلق إمكانيات لتعليم الجميع وتطوير إمكانياتهم أيضاً وتعلمهم بعضهم من بعض واكتشاف العلل والأخطاء في الوقت المناسب واتخاذ الإجراء للتصحيح…
في عام /1987/ التقت اللجنة المنطقية بدمشق بالرفيق خالد (وحده) بناء على طلبها وكنت في حينه من عدادها، قد جرى نقاش جدي ومسؤول وكان الرفيق الأمين العام مسروراً بمستوى هذا النقاش، وأذكر من الأمور الهامة التي طرحت معه هو انتقاد مستوى أداء القيادة في ذلك الوقت وبعد مرور عام على المؤتمر السادس للحزب، وضرورة تطوير هذا الأداء، وتطوير هذه القيادة بالذات لنفسها، حتى أنني أبديت تخوفاً في حينه من أن هناك خطراً وتساؤلاً لدى العديد من الرفاق: ما هو الوضع بعد الرفيق خالد؟! وخاصة إذا بقيت القيادة في مستوى هذا الأداء وهذه العقلية؟ ومن سيكون على مستوى السلف؟ وقد رد الرفيق خالد حول ذلك بتفهم كبير وملموس لمجمل ما طرح، وأكد على صحة ذلك وضرورة مساعدة هؤلاء الرفاق القياديين أيضاً.. وأذكر جيداً أن الرفاق في اللجنة المنطقية لم يقصروا في ذلك، وبذلت الجهود بهذا الاتجاه، وفي المؤتمر السابع أصبح عدد من أعضائها في قيادة الحزب، إلا أن تعب القيادة عموماً على نفسها لم يكن على المستوى المطلوب، وازداد  الأمر سوءاً بعد فقدان الحزب للرفيق خالد.
وساهم في هذا الوضع ضعف الشعور بالمسؤولية وضعف ممارسة النقد المبدئي والنقد الذاتي، ولم تتصدّ المؤتمرات الحزبية اللاحقة لهذا الواقع كما هو مطلوب مع الأسف. فمثلاً عند الترشيحات وتقييم المرشحين لم يكن التقييم شيوعياً فالعارف يسكت أو يتحدث بخجل، والمزاودون يبرعون بخلق هالات لبعض المرشحين ليست فيهم أومبالغ فيها كثيراً… والعاملون بصمت من المرشحين يعاملون بصمت عند التقييم!! فيبرز ويتقدم من لا يستحق… وشيئاً فشيئاً تتضح الصورة حتى لمن كان مخدوعاً عندما يرى الانتهازية السافرة ضمن القيادة من مرتشٍ إلى مقامر إلى من لا يتمتع بالحد الأدنى ليس بالأخلاق الشيوعية فقط، بل بالأخلاق عموماً… ولا أود هنا حصر المسألة في فصيل فلا يخلو الآخرون مما يشبه.
منذ سنوات كنت أسمع تقييماً من البعض يقول إن (فصيل بكداش) أكثر نضالية بينما (فصيل فيصل) أكثر ديمقراطية!!
أما اليوم فلعمري لا يستطيع أي من الفصيلين أن يقول إنه أكثر نضالية أو ديمقراطية من الآخر ولا أن يخلق مثل هذا الانطباع لدى أي كان، وهذا طبعاً لا يعني أن الفصيلين باتا يتمتعان بنضالية وديمقراطية حزبية عالية!!

والسؤال هنا: ماالعمل؟!
كيف سنعيد بناء حزب واحد موحد في الإرادة والعمل لا يخشى أعضاؤه من إبداء أي رأي أو تقديم اقتراح أو انتقاد أي رفيق، حزب يعتمد المحاسبة الجدية كمبدأ لا غنى عنه تجاه أي مقصر أو مسيء أو لا يسلك السلوك الشيوعي المبدئي، حزب يقدم الكوادر المحترمة والمحبوبة والمجربة من الرفاق والأصدقاء والجماهير، حزب يرفض الاستسزلام البغيض والتكتل القاتل، حزب لا يهدد فيه أي رفيق بقطع أصابع من لم ينتخبه من الرفاق، حزب لا يهدد فيه قيادي بشق الحزب إذا لم ينتخب لمنصب معين، حزب لا يتستر قيادي فيه على أي مرتشٍ أو ساكت على الرشوة أو الفساد تلقاء بقائه من أزلامه وبحمايته ولتقديمه لاحقاً لمناصب ومسؤوليات سواء حزبية أو حكومية، حزب إذا احتاج الجماهير وجدها سياجاً كبيراً وضخماً حوله داعمة وحامية له لأنها قانعة به وملتفة حوله تدافع وتذود عنه وتمشي خلفه لأنها تشعر حقيقة أن لها مصلحة به ومعه، حزب يقرن القول بالفعل في كل زمان ومكان وكل مناسبة وقيادته متواجدة على رأس أعضائه في كل عمل جماهيري وسياسي ونضالي، دون أن تكتفي قيادته بتوجيه الأوامر من برجها العاجي…
إن في رأس مهام الشيوعيين اليوم هو بناء بيتهم الداخلي من جديد، ليعود الحزب مفخرة لأوسع الجماهير وطليعة حقيقية لها… والخطوة الأولى هي السعي الجدي لفتح حوار الوحدة دون لف أو دوران أو تبريرات أو أحكام مسبقة على جدية هذا أو ذاك،أو تعبئة معادية لأية مبادرة، أو ترسيخ لعداوات مختلقة من البعض دون مبرر بين القواعد والكوادر…
إن ما ذكر أعلاه كان أغلبه ما تحدث به المداخلون في حفل التوقيع على الميثاق، وقد أعجبت بمداخلة الرفيق د. غسان السباعي وهو من فصيل الرفيق يوسف الفيصل، حين قال: «أعتقد أنني سأسأل عن حضور هذا الاجتماع، وعن توقيع هذا الميثاق الهام، لماذا جئت إلى هذا المكان لتوقيع هذا الميثاق؟ وسأرد ببساطة:  لماذا أنتم لم تأتوا إلى هنا لتوقيع هذا الميثاق؟».
كما أنه هناك نموذجاً غير حزبي (في الاجتماع) وهو المصور السيد هيثم كواكبي ( وهذا نموذج من جماهير الحزب) والذي عبر عن موقفه وإرادته كيف يريد أن يصبح الحزب حين قال: «أولاً لست شيوعياً، شيوعيوكم يكافحون الاستبداد، وهذا العمل الجبار، الخطوة الجبارة في سبيل تحقيق الاتحاد الوطني لنهضة الوطن، هو وقوف ضد كل تزمت وكل ما يقاوم الاتحاد، إنني أحيي هذه الخطوة الجبارة وأهنئكم من قلبي».

وأخيراً وليس آخراً، أود أن أتحدث في بضع كلمات  حول  الرفيق/ قدري / والحملة عليه من قبل فصيل الرفيقة وصال خصوصاً ولكن الحقيقة يجب أن تقال فقد عملت معه، واختلفت أحياناً معه، ولكنه ببساطة واختصار رفيق شيوعي ملتزم متابع وكادر قيادي جدي وذو مواهب، وحتى كل القيادة دون استثناء من فصيل الرفيقة وصال وهي شخصياً كانوا يفتخرون به وبمواهبه ومتابعته ويهتمون بكل ما يبديه، وهو يتمتع بسمات قل مثيلها ضمن القياديين، واليوم وبعد خلافهم معه يتم تجنيد أقلام في صحيفة الحزب لم يكتبوا في حياتهم مقالة واحدة لصحيفة الحزب، ليتحفونا بمقالات متتالية عنه بالذات، وأحياناً يخصصون صفحة كاملة من صحيفة علنية الهدف منها الشتم السوقي عليه ويخترعون قصصاً وتعابير عنه، وهذا مؤسف جداً، وخاصة أنني أعرف تماماً كاتبي هذه المقالات يوم كانوا برفقته!!

أخيراً، لقد دعيت لحفل التوقيع على ميثاق الشرف واستمعت للبيان وللنقاشات والمداخلات، وفعلاً كان مؤلماً وجود مثل هؤلاء الشيوعيين خارج الحزب والتنظيم وقد وقعت الآخرين على هذا الميثاق ويشرفني ذلك، وإنني اعتبر هذا الاجتماع وهذا الميثاق نقطة البداية لهدف سام وعلى جميع الشيوعيين المخلصين مهما كان موقعهم أن يدعموا ويوقعوا هذا الميثاق الهام ويسعون لتحقيق بنوده السبعة، وأعتقد جازماً أنه لا يوجد شيوعي مبدئي واحد يستطيع أن يرفض مبدأً واحداً من هذه البنود التي وردت في ميثاق الشرف.
لهذا، فإنني أدعو جميع الشيوعيين أياً كان موقعهم، وبغض النظر عن إرادة بعض الرافضين من القيادات التي لا تجرؤ على نقاش أو رفض البنود السبعة أو أياً منها… أدعوهم للتوقيع على الميثاق والدعوة إليه، ومتابعة تنفيذه وحشد الرفاق حوله وصولاً للهدف النبيل، وحدة الشيوعيين السوريين ومن أجل عودة الحزب إلى جماهيره التي تنتظر ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
177