دعم غزة.. بتوسيع رقعة المقاومة

غزة تصمد رغم الحديد والنار والتجويع والحصار والتآمر الرسمي العربي والدولي، وتسطّر نموذجاً جديداً للصمود دخل التاريخ إلى جانب النماذج التي سبقته، وتضيف إليها بعداً جديداً، فهي كالنماذج السابقة تستنهض دعماً شعبياً في كل مكان، ولكن لم يحصل حتى الآن حصار دولي ورسمي عربي مضاف إلى الحصار المباشر، بالشكل الذي يحصل فيه..

كل ذلك يؤدي إلى زيادة الغضب في كل مكان، ويمكن القول- رغم كل ما قد يحصل في حال وقوع أسوأ الاحتمالات- إن غزة انتصرت منذ الآن. لقد انتصر نموذجها الذي لا تستطيع أية قوة أن تكسر إرادته.. وحتى لا يحصل هذا الأسوأ يجب التبصر في الحالة القائمة وفهم ما يريده الإسرائيليون وحلفاؤهم الإمبرياليون الأمريكيون تماماً، وبناء سلوك كل قوى المقاومة والممانعة على هذا الأساس.

ليس من المبالغة القول إن غزة اليوم هي عقدة رئيسية تتكثف فيها.. تتكثف في نقطة واحدة.. تناقضات عالمية وإقليمية، وإنه على مصير المعركة فيها سيتحدد مسار الأحداث اللاحقة في منطقتنا وفي القوس الكبير من باكستان إلى القفقاس، وبالتالي في العالم أجمع..

إن الإمبريالية الأمريكية، بفشل النسخة الأولى من إستراتيجيتها العسكرية في المنطقة، ومع انفجار أزمتها الاقتصادية الداخلية التي تعممت وأصبحت كونية، ومع قدوم أوباما إلى الحكم- الممثل الجديد للأوساط الإمبريالية الأمريكية-، تنتقل إلى مرحلة جديدة تضطر فيها إلى تغيير إداراتها الإستراتيجية لبلوغ الأهداف الإستراتيجية نفسها التي سعت وراءها إدارة بوش الراحلة. فأين يمكن التعديل في المسار الأمريكي؛ في الأهداف أم في الأدوات؟ إنه حتماً في الأدوات وليس في الأهداف. فإذا كان من المطلوب سابقاً إخضاع بلدان «منطقة الشرق الأوسط الكبير»، بلداً بلداً وبالدّور عبر الآلة العسكرية الأمريكية مباشرةً، فإن المطلوب اليوم هو إخضاع كل البلدان التي تدخل في هذا القوس الكبير دفعةً واحدة،ً وبحروب داخلية محلية تعفي الآلة العسكرية الأمريكية من التدخل المباشر المنهك، بحيث تصبح مشرفةً وموجهةً لهذا الصراع، وصولاً إلى تلك الفوضى الخلاقة التي دعت إليها «الآنسة رايس» والتي تستهدف في نهاية المطاف إنقاذ الدولار وتشغيل المجتمع الصناعي العسكري بطاقته القصوى، وإرباك المنافسين الكبار في الصين وروسيا وأوروبا عبر إزعاجهم واستنزافهم من خاصراتهم..

ويتبين من مسار الأحداث خلال الأشهر الماضية أن لإسرائيل والصهيونية دوراً هاماً وأساسياً في هذا المخطط، دوراً تنفيذياً على أرض الواقع، من الهند وباكستان إلى القفقاس. أي أن الآلة الأمريكية الضخمة غير قادرة على إنجاز مهمتها العظمى دون التعاون والتحالف الوثيق على الأرض مع إسرائيل والصهيونية العالمية، والتي تبيّن أنها تقوم بدور هام في نقاط كثيرة من هذه المنطقة.

والحال هذه استراتيجياً، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تلعب الدور المطلوب منها دون «حدود آمنة وبسرعة»، من هنا نفهم التحركات التكتيكية التي قام بها حلفاء الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، فهؤلاء الحلفاء يعملون بطريقة مخاتلة؛ ظاهرها بريء وباطنها خبيث، تارة في العلن وتارة في الخفاء، وأحياناً ما بينهما.. وكان هدف هذه التحركات التكتيكية تقييد سورية وحزب الله سياسياً، كي يصبح تحقيق هدف الحدود الآمنة لإسرائيل ممكناً، واتبعت كما هو معروف في هذا الاتجاه سياسة العصا والجزرة. والحقيقة أنهم واهمون إذ يحسبون أن العقبة الوحيدة الباقية نحو الهدف المنشود هي غزة التي يعتقدون أنهم إن أحرقوها ودمروها، يستطيعون بعد ذلك إدخال قوات دولية إليها- لا مشكلة إن كانت عربية أو شرق أوسطية أو أجنبية- تكون مهمتها الأولى الحفاظ على أمن إسرائيل. ولكن الخديعة تكمن في أن هذه القوات ستدخل تحت شعار «إنقاذ غزة من النار الإسرائيلية وحصارها»..

إن الإمبريالية الأمريكية بمنعها، حتى الآن، عقد قمة عربية، وكذلك منعها مجلس الأمن من اتخاذ قرار بصدد غزة، تريد تهيئة الظروف كي يكون هذا القرار مكملاً للتهدئة التكتيكية التي تقوم بها إسرائيل بالحديد والنار، كي تصبح غداً نافذة بقوة قرار دولي يصب استراتيجياً في مصلحة إسرائيل ومخطط الولايات المتحدة الأمريكية..

نحن على ثقة أن غزة قادرة على الصمود طويلاً في وجه إسرائيل، وهي إن فعلت ستُفشل المخطط الأمريكي، أو على الأقل ستضعفه، وتضعه في موقع غير ملائم للتحقيق اللاحق.. ولكن على قوى المقاومة والممانعة في المنطقة أن تكون جاهزةً لتوسيع رقعة المقاومة المباشرة لمنع سقوط غزة تحت قبضة القوات الدولية مهما كان لونها، إن حصل ذلك، لأن سقوط غزة اليوم سيعني سقوط بيروت غداً وسقوط دمشق بعد غد.

إن غزة هي خط دفاع أساسي ضد المخطط الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة، ويمكن لها بالدعم الشعبي العالمي المتصاعد، أن تتحول إلى بداية خط هجوم واسع يحرق المخطط الأمريكي- الإسرائيلي وأصحابه. وكل ما في الأمر هو التبصر والإرادة والحزم ونقل المبادرة في اللحظة الحاسمة إلى يد القوى التي تمثل المقاومة والممانعة في كل المنطقة، وفي ذلك ضمانة لكرامة جميع بلدان المنطقة وكرامة جميع شعوبها..

معلومات إضافية

العدد رقم:
386
آخر تعديل على الجمعة, 16 كانون1/ديسمبر 2016 16:44