الافتتاحية: احذروا منهم..

لأن النظام الرسمي العربي يفتقد للإرادة السياسية، وغير متصالح مع شعوبه، لا بل هو في حالة عداء معها ومع مصالحها الوطنية والاجتماعية- الاقتصادية، كان يراهن على ما يأتيه من دعم ومدد من الخارج لاستمراره في السلطة. وبالمقابل كانت دول الاعتلال العربي، وهي الغالبية الساحقة في هذا النظام، في حالة جاهزية دائمة للقبول بدور التابع والمساعد في تنفيذ المخططات الإمبريالية- الصهيونية في المنطقة.

وبعد أن عالجنا في مناسبات سابقة خطورة «الرهان» أو التعاطي مع «نظرية القوة الذكية» التي روجت لها إدارة الرئيس أوباما على مدى الأشهر الثمانية الماضية، والتي لا تعدو كونها عبارةً عن «استخدام مزدوج للقوة العسكرية والوسائل غير العسكرية»، لابد من التساؤل: هل ما يسمى بالتهدئة والدبلوماسية الأمريكية هو الخيار الوحيد الذي تعمل على أساسه في منطقتنا، أم هناك ما يستدعي الحذر من مخاطر عدوان جديد أكبر وأوسع نطاقاً من ذي قبل؟!
يحاول البعض تضليل الرأي العام العربي بأن ما يجري في المنطقة الآن هو «حراك سياسي إيجابي» بسبب كثافة توافد المبعوثين الأمريكيين إلى دول المنطقة، ولكن عند البحث في الأجندة المعلنة (ناهيك عن السرية) التي حملها هؤلاء وناقشوا مضمونها مع قيادات دول المنطقة، يتضح لكل ذي بصيرة أنها تمركزت على هدفين استراتيجيين أساسيين:
• الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني والحفاظ على تفوقه العسكري على كل ما عداه في المنطقة.
• تأمين السيطرة المطلقة والمباشرة على مصادر الطاقة من شرق المتوسط حتى قزوين.

وبالتحليل، ليس من الصعب الاستنتاج أن تحقيق الهدف الاستراتيجي الأول يتطلب من الإدارة الأمريكية أن تسفر عن وجهها الحقيقي بما يتجاوز استخدام «القوة الذكية» نحو استخدام «القوة الغبية» في محاولة لضرب المقاومة والممانعة لدى شعوب المنطقة والتي استعصت على جميع محاولات الترغيب والاحتواء بعد حربي تموز وغزة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار استمرار وجود عقوبات أمريكية ضد سورية بأشكال وحجج مختلفة، واختزال الصراع العربي- الصهيوني على ألسنة المبعوثين الأمريكيين إلى نزاع «عقاري» حول المستوطنات، وطلبات الرئيس أوباما من دول الخليج وخاصةً السعودية، القيام بخطوات تطبيعية مع الكيان مقابل التجميد المؤقت للاستيطان، يصبح واضحاً أن التحالف الإمبريالي- الصهيوني ليس في وارد قبول السلام العادل والشامل والانسحاب من الأراضي المحتلة والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل بصدد التحضير لعدوان ضد لبنان وسورية والمقاومة الفلسطينية بهدف إعادة الاعتبار لنظرية الردع الإسرائيلية وللجيش الإسرائيلي المهزوم أمام صمود المقاومة في لبنان وفلسطين، وما تصريحات إيهود باراك وتهديداته الأخيرة ضد حزب الله إلاّ مؤشر جديد على ما يجري تحضيره للعدوان، وهذا ما يقتضي منا ضرورة التأهب ورفع الجاهزية للمواجهة القادمة دون أي تعويل على ما يجري من إعادة خلط الأوراق على الساحة اللبنانية، أو على رسائل التهدئة الأمريكية الخادعة.
ومن هنا نحذر مجدداً أن المقاومة في خطر، خصوصاً على الساحة الفلسطينية بعد أن استقوت السلطة في رام الله عليها على أكثر من صعيد، وما انعقاد «مؤتمر فتح» تحت حراسة الاحتلال وفي ظل الانقسام الداخلي وبوجود أكثر من أحد عشر ألف مناضل فلسطيني في سجون الاحتلال، إلاّ حالة ارتداد على تاريخ حركة فتح نفسها، وتنكّر صريح لتاريخها التحرري ولشهدائها منذ 1/1/1965، وبالتالي قبول القيادة الفلسطينية الرسمية بما تقبل به دول الاعتلال العربي بوقف المقاومة والرضوخ لما يفرضه الاحتلال، وما يجود به مبعوث الإدارة الأمريكية جورج ميتشل.
أما فيما يتعلق بالهدف الاستراتيجي الثاني للتحالف الإمبريالي- الصهيوني، وهو السيطرة المباشرة على مصادر الطاقة، فيجري العمل على تحقيقه عبر تكوين تحالف ثلاثي أمريكي- صهيوني- رجعي عربي ضد إيران، خصوصاً بعد فشل سيناريو التفجير الداخلي غداة الانتخابات الإيرانية.
وسنكتفي بإيراد المؤشرات التالية على صحة ما ذهبنا إليه:

• بعد لقائه الرئيس حسني مبارك، كشف الجنرال ديفد بترايوس قائد قوات المنطقة الوسطى أن واشنطن استضافت اجتماعاً لرؤساء الأركان في بعض دول المنطقة وبمشاركة رئيس الأركان المصري، نوقشت فيه قضايا الأمن الإقليمي، وعلى وجه الخصوص الملف النووي الإيراني!.
• تصريحات هيلاري كلينتون حول «نشر خطة دفاعية نووية تشمل منطقة الخليج ومصر لطمأنة إسرائيل ولتهدئة مخاوف الدول العربية من النشاط النووي الإيراني»، وهنا من الواضح أن واشنطن لا تريد طمأنة لا مصر ولا حتى دول الخليج بقدر ما تريد زجهم في عمل عسكري مباشر إلى جانبها وإسرائيل ضد إيران، وما سماح النظام المصري للغواصات والمدمرات الإسرائيلية بالعبور من قناة السويس إلاّ بداية للعمل العسكري المباشر.
أمام ما تقدم، من غير المقبول الانخداع بخطاب التهدئة الأمريكي أو بنظرية «القوة الذكية»، ومن سيقبلها سيستفيق على عدوان جديد «للقوة الغبية».. ووحده خيار المقاومة الشاملة سيفشل المخططات الأمريكية- الصهيونية..

معلومات إضافية

العدد رقم:
415