المطلوب: تطوير السياسات بعد تحديث الوجوه

استلمت الحكومة الجديدة مهامها، ويتطلع الناس إلى ما ستحققه من نتائج وخاصة أن التركيب الجديد جاء أحسن مما توقع الكثيرون، ولكن بما أن الأعمال تقاس بالنتائج وليس بالنوايا، فإن مسؤوليتها ستكون مضاعفة بالمقارنة مع من سبقها.

 لقد تم تحديث الوجوه فهل ستتطور السياسات؟ كيف ومتى وبأية وتيرة؟ هذا هو السؤال. فتحديث الوجوه على أساس الكفاءة والإخلاص شرط ضروري ولكن غير كاف لإنجاز التطوير المطلوب.
وهذا التطوير مطلوب منه الاستمرار في بعض السياسات وتعديل بعضها وتغيير واستبدال بعضها الآخر.
المطلوب الاستمرار في السياسة الوطنية السورية مع ما يتطلبه ذلك من توفير مستلزمات استمرار مواجهة السياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، ومع ما يفرضه هذا الخط من ضرورة مواجهة العولمة في المجال الاقتصادي التي تحاول أن تشق الطريق لنفسها لنسف الأسس الموضوعية لسياستنا الوطنية التي صمدت حتى الآن في وجه الضغوطات والمؤامرات الناتجة عن عواصف الأزمة الشاملة التي تعيشها الرأسمالية العالمية.

من هنا فإن المطلوب هو تعديل السياسات المتعلقة بدور الدولة الاقتصادي كي يصبح أكثر كفاءة وفعالية، هذا الدور الذي تعرض للحت بسبب النهب والحصار الذي تعرض له قطاع الدولة من قبل البرجوازية الطفيلية وحلفائها من البرجوازية البيروقراطية، لذلك تنتصب مهمة مكافحة النهب الذي ينتج الفساد على كل المستويات في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة كإحدى الأولويات الكبرى التي لا يمكن التهاون فيها والتي على أساسها سيتقرر مصير قطاع الدولة اللاحق ومصير ضرورة تحسين المستوى المعاشي للجماهير الشعبية.
ومن نافل القول أن تعديل السياسات إذا جرى باتجاه إنشاء البنوك الخاصة والأسواق المالية لن يصب إلا في الاتجاه المعاكس ولن يفعل شيئاً إلا قوننة النهب الجاري وتثبيت الفساد المستشري لأنه سيتحول إلى أهم الآليات المستحدثة لتطوير النهب والفساد، وتجربة الآخرين عبرة في ذلك.
وإذا كان المطلوب تعديل السياسات أعلاه فهو ليس هدفاً بحد ذاته، ولن يعطي النتائج المطلوبة إلا إذا ارتبط بتغيير السياسات المتعلقة بطريقة التعامل مع القضية الكبرى ألا وهي المستوى المعاشي للجماهير الشعبية، وعلى رأس قائمة هذه التغييرات هو تغيير السياسة الأجرية جذرياً والتي أثبتت ضررها خلال الفترة الماضية وعنوان هذا التغيير هو إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور باتجاه رفعه كي يتناسب مع الحد الأدنى الضروري لمستوى المعيشة، وربط الأجور بالأسعار مما سيسمح بعد ذلك فقط بربطه بالإنتاج، والكف عن تمويل الزيادات على الأجور من أي رفع للأسعار وإيجاد مصادر لهذه الزيادات من الفاقد الضريبي والجمركي الذي أصبح مرتعاً هاماً للنهب.
لقد أثبتت التجربة أن إجراءات عميقة من هذا النوع تتطلب دعماً شعبياً لكسر مقاومة جهاز الدولة البيروقراطي لها، وهذا لن يتوفر إلا بتوسيع أجواء العلانية والمكاشفة التي سيوفرها إشراك أعداد أكبر وأكبر من الناس في النقاش حول المشاكل الموجودة وطرق حلها.
لذلك ترتبط في ظروفنا ارتباطاً عضوياً لافكاك فيه القضايا الوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية. والسير إلى الأمام في أي منها سيوفر الأجواء للحلول الإيجابية للقضايا الأخرى، والتباطؤ والفرملة في أي منهما سيؤدي إلى كبح شامل في كل هذه المنظومة من القضايا المتشابكة كما أن التراجع في أي منها سيضعف وينسف إمكانيات تنفيذ الحلول في المجالات الأخرى.
إن المهام الوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية هي ثلاثة وجوه لقضية واحدة هي قضية الوطن والشعب، واليوم أصبح مستحيلاً السير في مهمة دون السير بنفس الوتيرة ونفس الاتجاه في المهام الأخرى، فهل ستكون القوى الوطنية الديمقراطية في المجتمع والدولة على مستوى هذا التحدي؟! الزمن والنتائج ستجيبان على هذا السؤال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
165