مغزى الاحتفال

حين يحتفل الشيوعيون بذكرى الماضي، إنما هم ينظرون إلى المستقبل لتوظيف كل إنجازات هذا الماضي باتجاه الغد.. وهم يستلهمون ذكرى شهدائهم وشيوعييهم الأوائل الذين شقوا الطريق الصعبة في الصخر، فلولاهم لما كنا..

واليوم، رغم كل مصاعب الحركة الشيوعية في سورية، لا يمكن لأحد أن يتصور الخارطة السياسية في البلاد دون وجود الشيوعيين. والحقيقة أن الشيوعيين يتطلعون اليوم إلى القيام بالدور المنوط بهم والذي كرسوا أنفسهم له في خدمة الشعب والوطن.. هذا الدور الذي أصابه بعض التراجع والوهن بسبب ظروف مختلفة..
إن الذكرى الـ85 إذا كانت مناسبة لاستحضار الماضي ومراجعته، فهي مناسبة لاستلهام تضحيات ونضالات الشيوعيين الأوائل من أجل استعادة رونق الحركة الشيوعية ومكانتها التي تطمح لها في البلاد. وهذا الأمر ليس من باب التمنيات والأحلام، وإنما تتوفر لتحقيقه اليوم كل الظروف المناسبة والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
• انفتاح الأفق التاريخي مجدداً أمام الحركة الثورية العالمية بكل مكوناتها، بعد انسداد مؤقت في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي كان انهيار الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الاشتراكية إحدى نقاط العلام الكبرى فيه..
إن الأزمة الرأسمالية العظمى المتفاقمة حالياً، تثبت أن المبادرة التاريخية يمكن، ويجب أن تنتقل إلى يد الحركة الثورية العالمية.. وإذا كانت مرحلة التراجع والهزيمة قد رافقها ضعف ووهن وانقسام في صفوف مكونات الحركة الثورية، فإن مرحلة النهوض التي بدأت، سيرافقها حتماً، رص صفوفها واتساع تأثيرها وانتقالها التدريجي إلى مواقع الهجوم.. بعد أن طال انتظارها في مواقع الدفاع..

إن العقد القادم هو عقد انتصار الشعوب وحركاتها الثورية.. لذلك يجب أن يكون الشيوعيون مهيئين لمواجهة هذا الاستحقاق..
• إن المشاركة الرمزية في الاحتفال من قوى وشخصيات عربية مختلفة، إنما يعبر عن الاصطفاف الجديد الذي يتكون في الشارع العربي، هذا الاصطفاف القادر على تغيير ميزان القوى في المنطقة، وإعادة الوهج إلى حركة التحرر الوطني العربية التي لعبت بمقاومتها الباسلة في لبنان وفلسطين والعراق دوراً أساسياً في كسر المشروع الإمبريالي- الأمريكي- الصهيوني، وفي تعجيل اندلاع الأزمة الرأسمالية العظمى.. ليس هذا فقط، وإنما أيضاً في سد الآفاق أمام حلها بالوسائل التي كانت تعتمدها سابقاً بإخضاع الشعوب عبر الحروب التوسعية المختلفة..
إن المقاومة والممانعة في البلدان العربية ساهمت جدياً في سد الأفق أمام الرأسمالية المتأزمة، وسيسجل لها التاريخ ذلك.. ولن يمر التاريخ مرور الكرام أمام الدور الذي لعبه الشيوعيون الحقيقيون في المشاركة بهذه المقاومات منذ إطلاقها إلى انتصارها..
• وأخيراً، يجري هذا الاحتفال في ظرف تاريخي حاسم، يؤكد انهيار الرؤية الليبرالية الاقتصادية في إدارة الدول والمجتمعات، وهي تنهار ليس فقط عملياً، وإنما ينهار أساسها الفكري والمعرفي، الأمر الذي لن يسمح لها بعد ذلك أن تقوم لها قائمة.. وما المقاومة التي واجهتها السياسات الليبرالية الاقتصادية في بلادنا إلاّ تعبير عن ذلك، والتي كان للشيوعيين دور هام في إطلاقها وتطويرها..
إنه ليتبين اليوم صحة وجهة النظر التي تقول: إن الشيوعيين كي يتقدموا، وكي يستعيدوا دورهم الوظيفي، محكومون بالوحدة، وإلغاء الحالة الفصائلية بين صفوفهم؟.. ونعتقد أن هذا الاحتفال سيكون خطوةً على هذا الطريق، وسيؤكد إرادتهم في الوحدة التي يطالب بها كل الوطنيين الشرفاء في البلاد.
إن إحدى ضمانات الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن هي تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين على أسس مبدئية صلبة تسمح لها بالنمو والتطور والاستمرار..

معلومات إضافية

العدد رقم:
431