«الريع الرياضي» سياسياً..!
ليس من المبالغ فيه القول إن كبار المحللين السياسيين والمعلقين الرياضيين وحتى المنجمين الفلكيين لم يكونوا ليتصورا ما آلت إليه الأمور بين مصر والجزائر، بسبب «كرة»..!
ويبدو أن مرتكبي الشغب، من دون مهندسيه ومنظميه من كل الأطراف، لا يدركون أنهم ابتكروا درجات نوعية جديدة من «العصبيات الكروية» لنشرها في فضاء المنطقة إلى جانب سابقاتها العرقية والدينية والطائفية وكل ما ليس له بالأطر الجامعة عموماً.
وما كان ينقص الشوفينية المصرية مثلاً إلا الانتقال من مقولة «مصر أم الدنيا» إلى نسختها المعدلة والمنقحة بعد تلك الأحداث المؤسفة «مصر فوق الجميع».
والأنكى من ذلك هو أن سلوك «العائلات السياسية» في مصر والجزائر على حد سواء عمدت إلى تحصيل «الريع الرياضي» سياسياً لتجييش «الدهماء» ودغدغة المشاعر الشوفينية، الفرعونية المصرية أو الصحراوية الجزائرية، بهدف تلبية طموح وأجندة كل فرد من أفراد تلك العائلات ممن تورط في التعليق أو التعقيب، ودائماً باعتماد «الجكر» و «المزاودة» خلافاً لكل السلوك المتوقع من القادة «الحكماء» في التعامل مع «طيش الرعاع».
• حسني مبارك يشترط اعتذار بوتفليقة لتهدئة الأجواء ويقول في موقع آخر : «أكرر بكلمات واضحة أن كرامة المصريين في الخارج من كرامة مصر، ولن نتهاون مع من يسيء لكرامتنا».
• جمال مبارك: «حقنا فى هذا الأمر لن يذهب سدى».
• علاء مبارك: «لو السفير الجزائري عنده كرامة يطلع من مصر..!» معبراً في تصريح ناري آخر عن رفضه لأي نشاط رياضي أو فني مشترك بين المصريين والجزائريين: «لا نريد أن يدخل أي جزائري إلى مصر ولا أن يذهب أي مصري إلى الجزائر» وهو من سيمنع ذلك، من دون أن يوضح آلياته وصلاحياته إن كان حسب قوله لا يتحدث كابن للرئيس وهو لا يريد أن يكون وزيراً ولا نائباً ولا رئيساً!؟
• محافظ الجيزة: «إن حق المصريين من الجزائريين سيأخذ بالقوة سواء بالأسلوب الدبلوماسى أو الحكمة السياسية لأن مصر هي أم الدول العربية» مضيفاً أن حديث مبارك حول أن كرامة المصريين من كرامة مصر «ستتحقق قريباً»!! ولم يوضح كيف هو الآخر.
في المقلب الآخر:
• عبد العزيز بوتفليقة حسب التسريبات الصحفية يدعو نظيره السوداني عمر حسن البشير ليقوما بجولة بسيارة مكشوفة لتحية جماهير المنتخب الجزائري..!
• شقيقه سعيد بوتفليقة الطامح في الخلافة يستغل ما حدث لاكتساب أرضية داخل الجزائر، وهو يحظى بدعم أجنحة من الحكم الجزائري، و لاسيما أن التيار المهيمن حالياً على الأوضاع هناك لا يؤيد أي تقارب مع مصر، ولم يبد أي تجاوب على السعي لتخفيف حدة الأزمة أو حتى التعهد بدفع تعويضات للمستثمرين المصريين والهيئات المصرية التي تم الاعتداء عليها في السودان.
- مبارك يعرف مقولة «البادئ أظلم» ويعرف ما جرى للفريق الجزائري في مصر (وكيف كان هناك تورط إسرائيلي فيها مثلاً)، من دون أن يقلل ذلك من خطورة ما تعرض له المصريون في السودان ولكنه عمد إلى توظيف خطابه السياسي ضد كل «الخصوم» من دمشق إلى طهران وإنما في وقت تتعرض فيه كل من غزة ولبنان وسورية وحتى إيران إلى تهديدات مباشرة بالعدوان الإسرائيلي عليها منفردة أو تباعاً..!
- بوتفليقة «نسي» الصراع مع السلفيين والتكفيريين وكل مشاكله الداخلية وأرسل المشجعين بطائرات عسكرية.
- كتائب كاملة من الجيش السوداني والقوات الخاصة تركت ثكناتها وجبهاتها في الشمال والجنوب كرمى للمباراة وبات مطعوناً في مصداقيتها وحيادها شأنها شأن «اتحاد الفيفا»..!
فماذا عن الناس الذين رضوا أن يجري حصر أدمغتهم وكرامتهم المطعون فيها بـ«كرة».. كرة «قدم»؟
يمكن القول بالعموم إن غالبية الناس بالفعل كانت متعاطفة مع الفريق الجزائري ربما ليس حباً بالجزائر والجزائريين، وليس ارتباطاً بالمستوى الفني والرياضي لأي من الفريقين، وإنما بآلية «الجكر والنكاية» ذاتها، لأن النظام المصري بمواقفه المنقولة عير أدواته وأبواقه وكل ما تحول إلى مطيات له لم يترك لمصر صاحباً. فإذا كان عدوان غزة في أوائل العام الجاري كشف على شكل مفاجئ عن تبعية وتخاذل وانحطاط مواقف بعض كبار نجوم السينما والدراما المصرية، فهاهي نقابة الفنانين والممثلين المصريين تمنع دخول الفنانين الجزائريين، وتحظى بمباركة «علاء مبارك».. «برافو» على الفن ورسالته الحضارية التي لا تعرف إلا أن تستثني تل أبيب من مقاطعتها.
طغمة مبارك «تزاود» وتتحدث عن تحصيل حقوق المصريين من الشغب الجزائري، حسناً! ولكن أين كانت هذه «الحمية» من مجــازر إسرائيل بحق المصريين في سيناء وطابا وبحر البقر والسويس أم أن هذه الطغمة تفضل (الحمار والبردعة) لغاية في نفس يعقوب..
الحمد لله، حررنا القدس، وما تبقى من الجنوب اللبناني، والجولان، والعراق، ورفعنا الحصار عن غزة, أقمنا الدولة الفلسطينية على كامل التراب المغتصب، وأنهينا نزاع دارفور والصحراء الغربية، وصعدة واليمن، بل وحررنا شعوبنا وأغدقنا عليها باليسر والأمن الوطني والاجتماعي والاقتصادي وحتى الديمقراطي ولم يبق لنا سوى أن ندخل «حرباً شعواء» وبلا هوادة، بسبب كرة.. ولكن وقودها وضحاياها هم الفقراء وعامة الناس، كما في كل مرة
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 430