خلي التغيير.. حقيقي
جرى التركيز على النموذجين المصري والتونسي وتقديمهما على أنهما نصران مؤزران لديمقراطية الألفية الثالثة، وتم اتخاذ شعار إسقاط النظام كشعار مركزي للانتفاضتين وما يفترض أن يليهما، في محاكاة لشعار «دعه يعمل دعه يمر» ولكن هذه المرة كمهزلة.. فالتاريخ إذ يكرر نفسه فإنه في المرة الأولى يصنع ملحمة وفي الثانية يصوغ مهزلة، وما يريده من يروج لهذا الشعار هو المهزلة فقط لا غير في حين أن أمام شعوب المنطقة فرصة تاريخية لصنع ملحمتها الخاصة عبرتغييرحقيقي ينقلها نحو واقع جديد كلياً، جديد نوعياً، وليس جديداً من حيث مظهره الخارجي فقط.
تقديم «إسقاط النظام» إعلامياً كشعار مركزي ووحيد للتغيير الجاري، ومن ثم تحويل هذا الشعار في أذهان الناس إلى «اسقاط الرئيس» أي شخصنة أزمة ومصائب الناس في صنم يطلب الإطاحة به، إنما كان الغرض منه وأد إمكانية التغيير الحقيقي والاكتفاء بمكياج «ثوري» يغير بعض الملامح القبيحة للأنظمة العربية الهرمة ويبقي عقلها الداخلي على خرفه وقلة حيلته وجشعه واستمراره في نهب الثروات التي صنعتها الشعوب..
تنحى بن علي بعد أن «فهم» ما يريده الشعب التونسي، ووافق إعلام البترودولار والعالمي على ذلك، واعتبرت توبته نصوحاً، ولكن هل لنا أن نسأل عن مدى صدقية هذه التوبة؟؟ هل سيتوب أمثال بن علي مجاناً؟ وهل تحول الديكتاتور إلى نعجة بفعل سحر ما؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها..
لعل أجمل تفسير لتنحيه جاء على لسان معلميه الأمريكان حين طلبوا منه علناً وبالحرف: (تنحى من أجل الحفاظ على النظام) وهو ما جرى، أي أن الأمريكان على استعداد لتبديل أحذيتهم القديمة متى اضطروا إلى ذلك، شرط أن تناسب الأحذية الجديدة فخامة العفن الأمريكي المتجدد دائماً، أي أن تناسب النموذج الاقتصادي والسياسي المطلوب أمريكياً. فعندما بارك الأمريكيون شعار إسقاط النظام فإنهم كانوا على علم تام بما يريدون، يريدون الحفاظ على النظام..
التغيير الحقيقي يعني إسقاط النظام القديم بالتزامن مع بناء النظام الجديد، بما يعنيه ذلك من استفادة من كل الطاقات البشرية للمجتمع المقبل على التغيير، وتحقيق اصطفاف بنّاء وظيفته نقل المجتمع إلى حالة نوعية جديدة ترسي الحد الأدنى الذي يفتح الباب أمام تطور المجتمع نحو العدالة الاجتماعية والحريات السياسية، عندها يغدو التغيير حقيقياً..