الأفق الدولي للحل الآمن في سورية..

يحدد الوضع الدولي السمت العام لما يحدث وسيحدث من متغيرات جديدة في كل ساحات الصراع المحلية والإقليمية، وخلافاً لنظرية المؤامرة التي تنطلق من أن الظواهر المحلية تخلقها توافقات دولية، نستطيع أن نؤكد أن كثيراً من الظواهر المحلية تحكمها شروط دولية معينة.

لم تكن الدقة بقراءة الوضع الدولي ضرورة كما هي في هذه اللحظات، فالسمة الواضحة حتى اللحظة أن الوضع الدولي في تغير حقيقي. إن القراءة الموضوعية العلمية وحدها هي التي تحدد  طبيعة هذا التغير واتجاهه العام، وبالتالي تحديد مآلات الصراع و طبيعة الحلول ومدى انسجامها مع المتغيرات الدولية.

الحلول الافتراضية:
يفترض النظام وفقاً لخطابه العام أن تراجع الغرب ناتج عن الصعود الاقتصادي والسياسي للقوى الدولية الصاعدة وخاصة دول البريكس بما فيها حلفاؤه كإيران، ( نلحظ في الآونة الاخيرة مدى اهتمام الإعلام الرسمي بدول البريكس و وضعها الاقتصادي) وصولاً إلى توصيفات بعض المحللين القائلة: إن حوالي نصف سكان العالم يساندون النظام وفقا لعدد سكان كل من الهند والصين. يتضح في هذه القراءة أن النظام لحظ أخيراً تراجع الغرب كنموذج سياسي يعاني من أزمة رأسمالية محلية تخص الغرب وحده، دون أن يلحظ أن الأزمة تمس كل المنظومة الرأسمالية.
تفترض قراءة النظام هذه أن النهاية المثلى للأحداث على الأرض، تتمثل فيما تقدمه تلك الدول من دعم سياسي يوقف تدخلات الغرب المباشرة، مما يتيح للنظام القضاء على فلول المؤامرة ( المسلحون على الأرض) والاستمرار بسياساته الإصلاحية المفترضة. لاتستشف هذه القراءة على سبيل المثال أن هذا الحل تجاوزه الواقع ليس بفعل كم الدماء النازفة، بل لأنه لايعكس مستوى التناقض داخل النظام كما لايعكس طبيعة الصراع الدولي، وهو أصلاً خارج نطاق التحليل الموضوعي لظاهرة الاحتجاجات، أي أن النظام لايرى المنشأ الاقتصادي-  الاجتماعي لهذه الاحتجاجات سواء السلمية منها أو ما تمت عسكرته بفعل التدخلات الخارجية أو كردات أفعال للعنف.
تقف قراءة بعض أطراف المعارضة في الاتجاه المعاكس مباشرة لهذه القراءة ( راح البعض إلى حد اعتبار أن المؤامرة الكونية هي مؤامرة على الثورة السورية التي يمثلها مجلس اسطنبول بطروحاته ورؤاه الاستراتيجية)، ويرى مجلس اسطنبول وفقا لهذا المبدأ أن الحل الأنسب للوضع السوري هو عبر التدخل الذي يكافئ دور الغرب الداعم لمجلس اسطنبول، مما يقتضي تدخلاً عسكرياً مباشراً أو غير مباشر، تسبقه عملية لجم من قبل أسياد العالم (الغرب) لمحدثي النعمة من حلفاء النظام (الروس-الصينين).
 تنتمي القراءتين السابقتين إلى حقبة الحرب الباردة ومابعدها وصولاً إلى ماجرى في حرب العراق أي أنها لاتلحظ عملياً انفجار الأزمة الرأسمالية في عام ال2008. يبقى الحل الممكن حتى اللحظة هو مايراه أصحاب القراءة الأكثر حركية، تلك التي تلحظ أن التناسب في الميزان الدولي لن يتيح انتصار طرف على طرف، تشتق هذه الأطراف احتمال حدوث تسويات ضمنية والتي تعكس مباشرة مصالح القوى الدولية الآنية، أي ضمان مصالح الغرب رغم تراجعه مقابل تأمين مصالح حلفاء النظام التاريخيين، لذلك كانت بعض هذه القراءات تجنح إلى أن التسوية مسألة وقت لا أكثر وما يجري انتظاره هو تحضير بديل توافقي بين الغرب والروس مجازاً. إن هذه القراءة ممكنة ضمن الشروط الآنية الدولية لكنها ذات نتائج باهظة على الشعب السوري والدولة السورية، فهي ستنجم عن تنازلات وطنية وداخلية لمصلحة الخارج ولايراعي مطلقاً ضرورات الحل الآمن والوحيد. إن فكرة الحل الآمن والوحيد لا يجب أن تتناغم مع تجليات الصراع الدولي الحالي فقط ، بل يجب أن تتوافق مع مستقرها اللاحق بتناسباته الجديدة، والتي تمثل الشرط الخارجي الذي سيمهد لحل داخلي جذري.                                                                                                                  إن معظم القراءات السابقة انطلقت من أن القوى الدولية هي قوى مطلقة وصماء، أي أنها لاتعاني من تغيرات بنيوية في داخلها وبالتالي كانت قراءات الحلول وفقاً لهذه الرؤية لا أكثر من ارتهانات لإرادات الخارج المفترضة.
إن الانتقال إلى هذا الحل عبر الحوار الوطني الذي باتت تجمع عليه معظم القوى السياسية وأوساط واسعة من الحركة الشعبية، لايمكن أن يمثل مصلحة الشعب السوري دون حسم الصراع الدولي لمصلحة قوى تمثل مصلحة الشعوب حقيقة. وهنا تتوضح تعقيدات الحل السوري الذي ينتظر تبلور معبرات حقيقية عن الصراع الدولي ليس بصفته التاريخية كصراع مصالح رأسمالية تكون متناقضة أحيانا ومتوافقة على الغالب، بل من خلال تعبير سياسي جديد ينطلق من أن الراسمالية اليوم تعاني وباختلاف قواها من خطر الزوال أمام تقدم خطا الشعوب ومسعاها في بناء قطب سياسي يمثلها.
إن معظم التصورات عن مآلات أزمة النظام العالمي تشتق من إمكانية بقاء الرأسمالية لمصلحة توزع مراكزالقوى ضمنها، وعلى الرغم من وجود إمكانية ما لهذه الفكرة، لكن الواقع من الناحية العملية تجاوز هذا التصور .إن تقدم الصين وروسيا والهند مقابل تراجع أوروبا وأميركا و اليابان لايمكن أن يمر دون أثار اجتماعية - سياسية كبرى، تتجلى أبسط اشكالها اليوم في احتجاجات وول ستريت ولندن مثلما تتجلى بتصاعد الحراكات في روسيا، ومن الممكن في الصين قريباً .
إن فكرة توزيع القطب الواحد لعدة أقطاب هي فكرة إصلاحية للنظام الرأسمالي، إلا أن الترجمة العملية لهذه الفكرة تعني احتمال حصول انقلابات جدية في بنية أنظمة الدول العظمى وقد تتحول إلى أنظمة شعبية، أي تحولها إلى أحادية قطبية لمصلحة الشعوب بدلاً من تعددية قطبية لمصلحة الرأسمالية. إن تحديد أفق الصراع في سورية وفقاً لهذه القراءة يحرك الأنظار تجاه التغيرات الواقعية غير الملحوظة  في بنية الأنظمة الدولية ،والتي تكسر العقيدة الليبرالية القائلة إن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، لترخي بظلالها على عمق الحل الذي سيؤمن انحيازاً تاريخياً لمصالح أغلبية الشعب السوري المنهوبة والمقموعة.