الافتتاحية نحو الحل الآمن!

من إحدى أهم الحقائق التي كشفتها الأزمة الوطنية الشاملة، هي بؤس الحياة السياسية والحزبية في البلاد سواء تلك التي كانت في طرف النظام أو المعارضة، الأمر الذي تجلى صارخاً بعجز أغلب هذه القوى عن صياغة برنامج واقعي يؤمن الخروج الآمن من الأزمة، كتعبير عن حالة القصور الفكرية والسياسية التي تعيشه.
إن أزمة بهذا العمق تتطلب وجود برنامج متكامل واضح يأخذ كل إحداثيات الواقع بعين الاعتبار، بدأً من حاجات الشعب السوري وسعيه المشروع في النضال من أجل تغيير حقيقي يعبر عن مصالحه، ومروراً بدور سورية في منظومة العلاقات الاقليمية والدولية، ووصولاً إلى فهم توازن القوى الداخلية والخارجية في حركتها، غير أن الذي جرى ويجري من هذا الطرف أوذاك هو التهافت على «الحلول» الآنية السريعة، ومحاولة تسجيل انتصار على الطرف الآخر في سياق الصراع على السلطة ..هذه الحلول السريعة التي سقطت أكثر من مرة دون أن يتعظ من يعمل بها حتى الآن.

إن البرنامج المنشود كما نعتقد يجب أن يستند الى فكرتين أساسيتين:

- الإقرار بضرورة التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.
- رفض التدخل الخارجي بكل مسمياته وأشكاله ومظاهره، والحفاظ على وحدة البلاد.
مع ضرورة النظر اليهما على أنهما قضيتان إحداهما تكمل الأخرى، فلا يمكن في ظروف اليوم إحداث أي تغيير حقيقي تربح فيه كل القوى الحريصة على سورية كوطن وشعب دون توفير الأجواء المناسبة، الأمر الذي يتطلب الإقرار بأن الرهان على قوة القبضة الامنية «بضبط» الاوضاع وإسكات الحركة الاحتجاجية السلمية هو وهم وقبض للريح، وأن الرهان على الخارج وخصوصاً الغربي والرجعي العربي منه يكشف عن خيانة سافرة للوطن والشعب والحركة الاحتجاجية نفسها.
ومن أهم مفارقات المشهد السوري الراهن هو أن القوى المتشددة من الطرفين لها البرنامج الاقتصادي - الاجتماعي نفسه، وتنحصر مهمة الصراع بالنسبة لها فقط باستبدال النخبة الحاكمة أو بقائها، واستمرار الوضع كما هو وخصوصاً طريقة توزيع الثروة.
إن ما تريده بعض قوى المعارضة هنا هو نسف دور سورية الاقليمي، وتحويلها إلى جزء تابع في منظومة الرأسمال العالمي و في منطقة لها أهمية استراتيجية تلعب دوراً في التحكم بمصير التطور العالمي اللاحق برمته، خصوصاً بعد بروز ملامح تشكل قطب دولي جديد، من الممكن أن يلعب دوره في لجم بربرية رأس المال ومحاولة حل أزمته على حساب دول وشعوب العالم.
بعبارة أخرى ليس لدى كلا الطرفين المتشددين مخرج آمن، بل هو موجود عند من يتبنى البرنامج الاقتصادي الاجتماعي التقدمي، مع التذكير بأنه لايكفي صياغة البرنامج فقط بل بضرورة توفير الأدوات اللازمة لتطبيقه وتفعيله على الأرض، واجراءات ملموسة تتلمس الجماهير الشعبية من خلالها أوضاع جديدة على الأرض، أي إيجاد تناغم وتوافق بين الأهداف والأدوات
إن العمل بروح الدستور، واعتماد النموذج الاقتصادي الذي نص عليه، وتفعيل المادة الثامنة الجديدة، وانعكاس ذلك على انتخابات مجلس الشعب اللاحقة من شأنها أن تكون الخطوة الاولى نحو المخرج الآمن من الازمة، وفتح الطريق للسير لاحقاً نحو تحقيق برنامج التغيير الجذري الشامل الذي يجب أن يشمل القضايا السياسية والاقتصادية الاجتماعية، لأن الأزمة لاتقتصر على التوتر الأمني والأزمة الاقتصادية فقط، بل هي نتائج لأزمة أعمق وأشمل وعلى حلها يتوقف مصير الحل الحقيقي المتكامل.
لقد آن الأوان لأن يحل صوت العقل والمصالح الوطنية محل العنف والمصالح الضيقة لهذا وذاك، ومن حق الشعب السوري أن تبادر قواه الوطنيه، وتقوم بالدور المطلوب منها في هذه المرحلة التاريخية التي ستترك تأثيرها على مصير الوطن ومصالح ابنائه.