إصلاحات الحركة الشعبية و«إصلاحات» الآخرين..
تتردد كل يوم على مسامع السوريين كلمة «الإصلاح» والمرددون كثر.. وهم إما من جوقة «لقد بدأنا بالإصلاحات منذ عدة سنوات وليس الآن فقط»، أو من جوقة «لا لكل إصلاح يأتي من قبل النظام». فهل تختلف وجهتا النظر السابقتين في واقع الأمر؟ ومتى يكون الإصلاح فعلياً نقطة علاّم وبداية في طريق التغيير البنيوي الشامل؟
دأب النظام على إقناعنا بأنه قدم خلال السنوات الماضية الكثير من الإصلاحات وما يزال يقدم، فما هي تلك الإصلاحات التي يزعمها..؟ الاصلاحات باختصار هي لبرلة الاقتصاد والامتثال لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، وتقييد الصناعة الوطنية عبر زجها في وضع تنافسي غير متكافئ مع البضائع التركية وغيرها، أضف إلى ذلك تدمير الزراعة «قدس الأقداس» في سورية من خلال رفع أشكال الدعم المختلفة عنها، وتحطيم مستوى المعيشة المتدني أصلاً لدى الجماهير الشعبية الواسعة من خلال تغيير نظام الأسعار بشكل غير مسؤول وغير مدروس مقابل مستوى أجور لا يحقق الحد الأدنى للحياة الطبيعية، وفوق ذلك «إصلاحات» تصل حد إطلاق سعر الصرف، لتعويم العملة الوطنية، وخصخصة قطاع الدولة بأشكال مختلفة واتهام هذا القطاع بأنه خاسر، وهو حيث يكون خاسراً فالحقيقة أن خيراته قد سحبت من قبل قوى الفساد الكبير داخل جهاز الدولة، علماً أن محاسبة هذا الفساد وضربه تأتي كأولوية على سلم عمليات الإصلاح ولكننا لم نر شيئاً من هذا حتى اليوم.. فأي إصلاحات هذه؟! إنها «إصلاحات الدمار الشامل»..
«الإصلاحات» أوصلت البلاد إلى الحالة التي تعيشها اليوم، ومع عودة الجماهير إلى الشارع واندلاع حركة الاحتجاجات استطاعت الحركة الشعبية في سورية تحقيق عدة مكتسبات بفضل تضحياتها، تكرست تلك المكتسبات في بعض مواد الدستور الجديد، منها: ( إلغاء المادة الثامنة، حق الإضراب، المادة أربعين المتعلقة بالأجور). هذه المكتسبات التي تشكل لبنة أولى في طريق التغيير الجذري، هذا وإن حاولت بعض القوى المتطرفة في النظام غيلة وبهتاناً الادعاء بأنها هي من قدمت هذه الإصلاحات. في المقلب الآخر يتمترس متطرفو المعارضة خلف مقولة «لا لإصلاحات النظام» وكأن النظام هو من قدم هذه الإصلاحات بملء إرادته، ويرفعون شعار «لا» لكل شيء هذه الـ«لا» النافية لكل ما هو جديد، الـ«لا» المعنية بإغلاق الباب نهائياً أمام أي إمكانية للخروج الآمن من الأزمة الراهنة، وجلّ هدفهم هو إدامة الاشتباك والاستعصاء قائماً على الأرض.
إن القاسم المشترك الأكبر بين القوى المتطرفة في المعارضة والنظام هو إنكار حقيقة أن هذه المكتسبات حققتها الحركة الشعبية من خلال نضالها، ذلك الإنكار النابع من تأصل عدم إيمانهما التاريخي بالجماهير وقدرتها على الفعل..
يقول جوزيف ستالين حول موضوعة الإصلاح: « في نظر الإصلاحي، الإصلاح هو كل شيء. أما العمل الثوري فليس هو إلا للمظهر، وليس هو إلا للكلام وذر الرماد في العيون. ولهذا، فمع التكتيك الإصلاحي، في ظروف الحكم البرجوازي، يصبح كل إصلاح، بصورة محتومة، أداة لتقوية هذا الحكم، أداة لتفسيخ الثورة.
والأمر على العكس من ذلك بالنسبة للثوري. فإن الشيء الرئيسي بالنسبة إليه هو العمل الثوري لا الإصلاح. فليس الإصلاح في نظره إلا النتاج الثانوي للثورة. ولهذا، فمع التكتيك الثوري، في ظروف الحكم البرجوازي، يصبح كل إصلاح، بصورة طبيعية، أداة لتفسيخ هذا الحكم، أداة لتقوية الثورة، ونقطة ابتداء لتطور الحركة الثورية تطوراً مستمراً.»
تنتصب اليوم أمام الحركة الشعبية مهام كثيرة يأتي في مقدمتها الحفاظ على سلميتها وعلى كل مكتسب حققته وعدم السماح لأي كان بحرفها عن طريق مصالحها العميقة، وتحويلها إلى حركة منفعلة وهي التي من المفترض أنها الفاعلة وصاحبة القرار