جماعة (خلصت ) ماذا يريدون ؟!!
دأب النظام والكثير من أصدقائه ومواليه على ترداد مقولة ( خلصت ) و ( سورية بخير )، ودون أن يوضحوا مالذي انتهى عمليا ، وهل حقا أننا اصبحنا أو امسينا على خير!!
قرأ النظام الميزان الدولي بشكل صحيح، فالأميركان في تراجع مقابل تقدم حلفائه الروس والصينين، لكن هذه القراءة وإن كانت صحيحة فهي سطحية بقراءة الصراع الدولي وقد تؤدي إلى تهورالمتشددين خاصة الذين يعيشون بعقلية الماضي. إن عقلية الماضي ترى أن مشروعية الأنظمة واستمرارها هي انعكاس لتوافقات النظام الدولي. اشتق النظام من هذه الرؤيا جملة خطاباته واجراءاته الاصلاحية، فالدستور الجديد هو سقف الإصلاح والعملية الإنتخابية القادمة هي الترجمة العملية للتعددية المفترضة، وإنهاء الوضع الأمني للوجود المسلح هو النصر الاستراتيجي لبقايا المؤامرة على الأرض.
تكمن الإشكالية في اطلاق هذا الخطاب أنها لا تنطلق من موقع الواثق بمقدار انطلاقها من موقع الانكار، فالثقة بالنفس تأتي من التقدير الدقيق والموضوعي لما للنظام وماعليه. إن ما انجزه النظام حتى اللحظة هو تقدم تكتيكي على الأرض تمثل بالحد من انتشار المظاهرات في كثير من المناطق، عداك عن العمليات الأمنية في مناطق انتشار العمل المسلح، فحقق نصرا ميدانيا ليسير إلى معارك أخرى في مكان آخر. جاء ذلك في اللحظة التي استقرعندها الميزان الدولي عند اللاحسم فلا غالب ولامغلوب.
يشكل الميزان الدولي منطلق العملية ومفصلها الرئيسي عند البعض، لكن استقرار الأنظمة لايتحدد بعلاقة الأنظمة الدولية ببعضها دائما، إن هذه العلاقة تحدد غالبا شكل النظام أي محصلته السياسية، لكن العلاقات الداخلية في المجتمع هي التي تحسم وتبني جوهر الأنظمة . إن أفضل ما يمكن أن نستنتجه من هذه الفكرة أن التعبير السياسي عن الميزان الدولي الحالي هو تعبير آني عن فكرة تراجع كل الأنظمة مقابل تقدم كل الشعوب. لكن التعببر لازال ضمن الاليات والبنى السابقة أي ضمن ماهو متشكل، أما مايتشكل في هذه اللحظة خارج هذه البنى القديمة فهو الذي تغفل عنه كل الأنظمة بمافيها الأنظمة الحليفة والمعادية. لا يجب أن ننسى احتمالات التأخير في الحسم أو الأجهاض فيما لوغابت الإرادة الحقيقية لحسم هذا التقدم لصالح الشعوب.
أن نلمس تراجع الامبريالية فهو لكونها على رأس الهرم، ولكن لنتذكر أنها تعتاش على بقاء الأنظمة - المتوافقة والمرتبطة معها عضويا - كمنفذ لتدوير الأزمة وبالتالي إعادة إنتاج النظام. إن بعد النظام السوري أو قربه من الأزمة وحسمها في العمق يتحدد وفقاً لدرجة الحسم مع النظام الرأسمالي الدولي، فهو يتناقض معه سياسياً نتيجة لاصطفاف تاريخي محدد أفرز ثقلاً وطنياً جدي في جهاز الدولة مستقل إلى حد ما عن مفرزات رأسمالية الأطراف التابعة ( اللاوطنية ). لكن المجتمع السوري يخضع لآليات وقوانين المجتمع الرأسمالي نتيجة السياسات الليبرالية السابقة التي تعصف بغالبية الشعب. لم يعالج النظام النتائج السابقة حتى اللحظة، فالمهمشون مثلا هم نتيجة لانسحاب دور الدولة، وهم الآن في موقع الفاعل ( جزء هام من الظواهر المسلحة هي فئات عملت بالتهريب في المناطق الحدودية بعد أن تحولوا إلى عاطلين عن العمل، حتى ظاهرة الشبيحة نتجت عن واقع الفساد وغياب لرقابة المجتمع أمام فئات تسعى إلى كسب قوت يومها بأي وسيلة).
تتوضح هناعقلية ( خلصت ) بالمعنى العملي كأزمة حقيقية، هؤلاء لم يروا أن الغرب بفرض سياساته الاقتصادية علينا استحكمنا في الداخل قبل أن نواجهه كعدو خارجي ومنذ زمن بعيد!!.
إن التجلي الداخلي للعدو الخارجي كما يقرأه النظام هم هؤلاء الذين حملوا السلاح معارضين له، ولم يلحظ النظام بسلوكه أو خطابه حتى اللحظة أن التجلي الحقيقي لجوهر الأزمة هو سياسات الإقصاء الإجتماعي التي أفرزتها الليبرالية، فاكتفى بعضه بانتقاد هذه السياسات وغاب عنه التجسيد الميداني لهذه السياسيات، فالفاسدين والناهبين يرتعون بملاهيهم بعد أن خلقوا التشنج الرهيب بين المهمشين وجهاز الدولة.
بالعودة إلى الميزان الدولي نجد أن البرجوازيات هي التي بنت الأنظمة القائمة حالياً، وباستثناء الصين ورسيا في تلك الفترة التي مثلت قطب الشعوب إلى تسعينيات القرن الماضي، نجد أن الجميع استقر على الأنظمة البرجوازية. إن هذا الواقع يتغير الآن، وإن الميزان المستقر حتى اللحظة ممكن استغلاله لصالح الأغلبية إذا رأينا أن الشعوب هي التي ستبني الأنظمة القادمة .
إن تعويل النظام السوري على بقاء الميزان مستقراً، لايعني استقراره بقدر مايعني أن للقوى النظيفة فيه حظاً تاريخياً لتبني نظاماً جديداً مع شعبها . إن الواقع يشي بعدم الاستقرار مهما أنكره البعض، فماذا يعني غياب محاسبة الفاسدين الكبار حتى اللحظة الذين ينتظرون لحظة انشقاقهم باسم الديمقراطية وهم بوابات عبور المؤامرة !! وماذا يعني تمكن الناهبين من تهريب مئات المليارات من دون رقيب أو سؤال (تقول آخر التقديرات أن نصف الودائع المالية في بنوكنا التجارية تم تحويلها إلى الخارج، وهي المقدرة قبل الأزمة بحوالي 1800 مليار ليرة سورية ) وماذا يعني بدء اعتصامات مطلبية في داخل جهاز الدولة ( اعتصام المعلمات في طرطوس والذي اعتقل فيه ثلاثة من كادر جريدة قاسيون). ألا تذكّر طوابير المازوت بطوابير الخبز في مصر سنة 2008 ؟! إن العمق الأجتماعي لهذه الأزمة هو كميات العمل المنهوبة من المجتمع السوري، وكمقاربة كمية نجد أن الناهبين خلال العشر سنوات الماضية فقط نجحوا في تهريب 120 مليار دولار من ثروات المجتمع السوري، زد على ذلك كم النهب التاريخي للرأسمالية المتهاوية، فعن أي نهاية نتحدث ومعالجة الاسباب المولدة للاحتقان (متلازمة الفساد والقمع) لم تمس بعد ؟!!