وجهات نظر في الحوار العام ومسودة الورقة السياسية

عشية انعقاد الاجتماع الوطني الثالث لوحدة الشيوعيين السوريين، استطلعت «قاسيون» آراء بعض الرفاق حول اجمالي الحوار الذي تحقق حتى الآن بين الشيوعيين السوريين، وحول أهمية مسودة الورقة السياسية والدور الذي يمكن أن تلعبه. وكانت الآراء التالية:

■ نذير جزماتي (دمشق):

إذا كانت السياسة فن الممكن، فإن ما تم في مجال «الحوار» في إطار اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، كان خطوة إلى الأمام، وإن كان كل ما جرى، على أهميته وضرورته، لم يرض تماماً طموح معظم المساهمين، إن لم أقل كلهم. وقد كنت أطمح، ولاأزال، إلى توسيع دائرة المدعوين إلى الحوار من خارج دائرة الحزب الشيوعي السوري تاريخياً. وبالطبع، لازالت الإمكانيات متوفرة لمتابعة «الحوار» الذي لن يصدر قرار في يوم من الأيام بمنعه، أو بقطع الطريق عليه، إن كان في الدائرة الأولى المذكورة، أو في دوائر متسعة بصورة دائمة، ولن تشترط للاشتراك في «الحوار» الموافقة سلفاً على النظام الداخلي للحزب أو ما شابه.

ومع ذلك، فقد تعرفنا أكثر على آراء بعضنا بعضاً محققين الفائدة المرجوة من الأشكال المتاحة إن كان في الاجتماع أم في الكتابة. وقد شكل كل ذلك قاعدة هامة لمواصلة رحلة الحوار الطويلة.

وإذا كان قد جرى شيء من التقصير، فإنما بسبب أولاً، العادات والتقاليد التي من غير الممكن الخروج من أسرها بين ليلة وضحاها. وبسبب ثانياً، تشابك المهام وتعقدها أمام بعض الرفاق. ونأمل أن يفسح في المستقبل القريب مجال رحب أكثر لتعميق الحوارات وتوسيعها.

وثمة إشكالية أحب أن أشير إليها، وتتمثل في أن الانتماء  إلى فكر معين لم يعن الاتفاق على كل المسائل التي طرحت.وبالتالي، فقد اتخذ «الحوار» أحياناً طابع «حوار» داخلي لم يكن يتحقق لا هنا ولا هناك. واحتاج ذلك إلى وقت كنت أتمنى أن يوظف في مناقشة أمور غير تلك التي دار حوار حولها.

وبالرغم من السعي إلى تنظيم الحوار وفق عناوين معينة منها الفكر والسياسة والتنظيم والأزمة و إلخ، فإن ساحة الحوار اتسعت، في معظم الأحوال لكي تشمل أحياناً كل شيء بدءاً من الفكر والسياسة وانتهاءً بالعادات والتقاليد المشتركة منذ عشرات من السنين.

وفوق ذلك كله، لم نستطع ولن نستطيع الخروج من تحت كابوس الأوضاع السياسية الراهنة التي لم تشهد البشرية التقدمية خصوصاً لها مثيلاً.. إلا أن بحصة سقطت في البحيرة واتسعت وسوف تتسع أكثر الدوائر فوق صفحة الماء الراكد.

حملت «الورقة السياسية» إشكالية خاصة، لم تشترك بها باقي الأوراق التي خضعت للنقاش والحوار و إلخ.. وتتمثل هذه الإشكالية، أولاً، في أنها ليست تقريراً سياسياً مطروحاً أمام مؤتمر معين، وهي بذلك غير مقطوعة الرأس عن التقرير السياسي الذي أقره المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي السوري بصورة خاصة، وعن باقي التقارير السياسية التي أقرتها مؤتمرات الحزب منذ المؤتمر الثاني في أواسط أربعينات القرن الفائت. وبالتالي، فإن الحزب الشيوعي السوري لم يعان في تاريخه من ضعف وانحراف تقاريره السياسية بقدر ما عانى من عدم استخدام الممكن بصورة فنية ومبدئية إلخ...

والورقة السياسية ثانياً، ليست بحثاً أو مقالاً أو ما شابه، بل إنها تقع في منزلة بين منزلتين. وبرزت أول الصعوبات أثناء الحوار الدائر في إطار هذه المسألة بسبب تحميل الورقة السياسية مالا طاقة لها به، ومطالبتها بتحقيق ما لاتستطيع، ونقع في الخطأ فيما لو اتخذت الورقة مثل هذا المنحى. 

وأعتقد أن «الحوار» ضاق قبلئذ، أثناء مناقشة ضرورات إقرار الأوراق المذكورة عموماً، وإقرار الورقة السياسية خصوصاً. أما الخطوط العامة للورقة والمتمثلة، أولاً، وقبل كل شيء، بالموقف الحاسم والحازم من مخططات الإمبريالية والصهيونية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجاه العالم برمته..، فقد عمقت «الحوار» ووسعته وأغنته، مما سمح، بالمقابل، بانعكاس ذلك على الورقة ذاتها.

وبالتالي، فإن النقد الموجه إلى السلطة في سورية، وإلى باقي السلطات في البلدان العربية، فقد كان ومازال يهدف إلى إقامة المتاريس التي لابد من إقامتها في مواجهة مخاطر المخططات العدوانية المذكورة. وأعتقد أن «الحوار» بشأن الورقة السياسة قد لعب الدور المطلوب في رص الصفوف في المواجهة المصيرية.

ومن ناحية أخرى، فقد ضاق صدر بعض الرفاق في الفصائل الشيوعية ممن دعوا إلى الحوار مع اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، حين تصوروا أن المقصود من  «الحوار» أو «اللقاء» هو الاتفاق أو الاختلاف على مسائل حزبية ضيقة فات أوان بعضها، ولم يئن أوان فتح ملف أي منها في الوقت الراهن، وليس لدى أي منا أو منهم أي استعداد لمثل هذه المناقشات، وكان الهدف من الدعوة، ولازال، إجراء شكل من أشكال التنسيق للوقوف صفاً واحداً في جبهة العداء للمخططات المذكورة.                    

■■

■ منصور الأتاسي (حمص):

أكدت مقدمة الورقة السياسية التي ستعرض أمام الاجتماع الوطني الثالث أن «القضايا المتفق على نسبة كبيرة منها هي القضايا الآنية أي القضايا السياسية».

وهذا برأينا هام جداً فالاتفاق حول مهام سياسية محددة يؤدي إلى وحدة عمل الشيوعيين وهذا يزيد من تقاربهم أولاً ومن تأثيرهم السياسي في أوساط الجماهير وفي الأوساط السياسية ثانياً، ويضع أمام جماهير الكادحين آفاقاً إيجابية تخرجهم من  وضعهم المزري ثالثاً. ونحن نعتقد أن أسباب الخلافات التي سادت سابقاً وأدت إلى انقسامات في جزء أساسي منها سياسية وهكذا فقد أوصل الحوار الرفاق المختلفين سابقاً إلى تصور واحد أدى إلى تحديد مهام سياسية جدية.

لذلك فإننا نعتقد أن الورقة السياسية في حال اعتمادها في الاجتماع الوطني الثالث ستكون الأساس الذي سيعمل على توحيد الشيوعيين وستشكل العمود الفقري للتقرير السياسي المقبل الذي سيقدم إلى المؤتمر التوحيدي  العتيد.

ويمكن أن نلخص الأفكار التي تم الاتفاق عليها:

1. قراءة انتقادية للماضي وأسباب الفشل والتراجع وطرق الخروج منه.

2. رفع شعار عودة الحزب للجماهير وعودة الجماهير للشارع أي اعتماد الحزب على الجماهير في تنفيذ سياسته.

3. بحث قضية التحالفات بشكل جدي والتأكيد على عقد تحالفات مستقبلية يكون المتحالفون فيها متساوين في الحقوق والواجبات وتؤكد التحالفات على التنوع والخلاف وتكون لفترة محدودة أو تحالفاً لتنفيذ مهمة محددة وتكون القوى المتحالفة قادرة على مراجعة الذات بالفترة اللازمة حتى لانقع ثانية بأمراض التحالف الجبهوي التي حددتها الورقة بنجاح كما نعتقد.

4. التأكيد على ترابط وتشابك وتداخل المهام الاجتماعية والوطنية والديمقراطية والتأكيد أيضاً على أن التساهل في تنفيذ واحدة من هذه المهام أو تقديم مهمة على أخرى يؤثر سلباً على مجمل المهام المطروحة أمام شعبنا وقواه الطليعية وهكذا وعبر الحوار استطاع  الشيوعيون أن يحددوا المهام رغم الأوضاع الشديدة التعقيد التي تمر بها بلادنا في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والوطنية. والنقطة الرئيسية التي وحدتهم وعبر كل المداخلات التي سمعناها، والتي لخصتها الورقة السياسية بنجاح، هي عودة الحزب لممارسة دوره الطليعي الكفاحي وهذا مؤشر على نهوض الحزب. 

5. الاعتراف بوجود أراء متعددة لدى الشيوعيين واحترام هذه الآراء واعتبارها جميعها تهدف إلى تطوير الحزب.

أي بكلمة الانتقال من حالة الصراع القائمة بين الشيوعيين بفصائلهم المختلفة والتي أدت إلى تقسيمهم وبعثرتهم وإضعاف فعاليتهم لأقصى حد، إلى حالة الحوار التي تدفعهم باتجاه مخالف، وهو اتجاه الوحدة وهذا العمل الذي قمنا به يعتبر تنفيذاً عملياً وناجحاً لشعار الوحدة عن طريق الحوار الذي رفعناه منذ أكثر من عامين، والذي كان محاولة لقراءة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انقسام الحزب وتبعثره وتفرقه ثم أسباب تراجعه في المجالات المختلفة وبحث نتائج التحالف ومدى قدرته في تنفيذ الأهداف المعلنة في وثائقه وشكل نشاط الفصائل المشاركة في التحالف وقدرتها أو عدم قدرتها في الحد من انتشار الفساد والرشوة و الحد من تراجع النمو الاقتصادي الوطني إلى حدود مخيفة وبحث القضايا الفكرية وتحديد نقاط الاتفاق والخلاف وشكل بناء التنظيم الحزبي وهل مازال قادراً على تنفيذ السياسات المقررة أم أنه أصبح معيقاً وأحد المشاكل المطروحة أمامنا.

كل هذه الأمور وغيرها كان المطلوب من الحوار أن يعيد قراءتها وبحثها برؤية جديدة ومعاصرة خارجة عن إطار اتهام الآخر. أي اعتماد الموضوعية في قراءة الأسباب الرئيسية التي أوصلت الحزب إلى ما هو عليه عبر معرفة الواقع بهدف تغييره.

6.  استمزاج آراء الرفاق جميعاً من (التيارات) والفصائل بمختلف تلاوينها بالقضايا المثارة ويمر ذلك عبر تحديد القواسم المشتركة لدى جميع الشيوعيين في العمل من أجل تنفيذها وأيضاً تحديد قضايا الخلاف وفتح الحوار مرة أخرى لإعادة بحثها حتى نصل إلى:

■■ تثبيت القضايا غير المتفق عليها أمام الجميع واحترام الآراء المختلفة ونشرها.

■■ تأمين الأشكال القادرة على متابعة النقاش داخل الهيئات وفي الصحافة.

والسؤال المطروح: هل أوصلنا الحوار أو قربنا من الأهداف المذكورة.

والجواب: نعم وهذا كان مفاجأة لنا وللجميع فرغم عدم مشاركة قيادات الفصائل بهذا الحوار إلا أن الأفكار في كل القضايا طرحت بشكل راق ودون اتهامات أو مهاترات. فلقد حول الحوار الجاري حالة الصراع غير المفهومة القائمة في الفصائل إلى حالة نقاش راق ومتطور، يؤكد على رقي شعبنا وحضارته ويؤكد أن الفكرة لا تموت بنفيها بل تتطور عبر الحوار وهذا كان رسالة إلى كل القوى السياسية أن عودوا لوحدتكم وبكم وبوحدتكم يتطور الوطن ويرتقي شعبها.

■■

■ محمد عبد الكريم مصطفى (حماة):

عقود ثلاثة ونحن محكومون بالتشرذم والانقسام، أما اليوم فقد اتفقنا أن نسير باتجاه التوحيد، وباستمرار يتعاظم تيار حقيقي في مختلف مواقع الشيوعيين متجهاً نحو التوحيد.

ودائماً تبدأ المقدمات بحكاية الانقسامات، وتجتهد الآراء في رصدها وتفسيرها لكنني سأبدأ كلامي من الحاضر لأساهم ولو قليلاً مع الذين يؤسسون لثقافة التوحيد بدلاً من ثقافة الانقسام.

حين سمع أحد الرفاق بأن ميثاق الشرف قد أطلق النوايا باتجاه توحيد الشيوعيين قال: إن توحيد الشيوعيين لايبنى بالنوايا ـ وهذا صحيح ـ ولكن أعمالنا لم تقتصر على النوايا، هل تسرع رفيقنا في حكمه؟ أم أنه أطلق نوايا أخرى باتجاه ما؟..

لقد تحولت النوايا إلى أعمال ملموسة على الأرض، حيث حرصت اللجنة الوطنية على أن تبقي الأبواب مفتوحة للجميع وتقود حوارات هامة باتجاه توحيد الشيوعيين.

ورب سائل يسأل: أهو حوار للحوار، وهل عندكم برنامج نتحاور عليه؟... أو على ماذا نتحاور..؟!

أولاً: لا يمكن أن يكون هناك حوار للحوار فقط..!!

ثانياً: وليس لدينا برنامج خاص بنا لأن اللجنة الوطنية تمثل إلى حد كبير الطيف الشيوعي، وبرنامجها القادم هو القواسم المشتركة الناتجة عن حوارات الشيوعيين السائرين باتجاه التوحيد.

ثالثاً: أما على ماذا نتحاور؟ ولاشك أن هذا سؤال جدي وهام، لدينا أوراق عمل وهي موضوعات للحوار على جميع المستويات، أزمة الحزب وكيفية الخروج منها، المرجعية الفكرية، المهام السياسية الأساسية، آليات عمل الحزب... أليست هذه الطريقة صحيحة لتحديد محاور الحوار؟... وأليس هذا جديداً في عملنا من أجل التوحيد، وهل هناك وسائل أخرى أكثر ديمقراطية؟!

اللجنة الوطنية صاغت أوراقها الأربع، وأطلقتها للحوار، وأعلنت أن هذه الأوراق هي لكل الشيوعيين، ودعتهم للمشاركة في الحوار دون تغيير في المواقع التنظيمية. وانطلق الحوار حول الأوراق وبأشكال ومستويات مختلفة ومتنوعة، ندوات فكرية في المحافظات والمناطق، وندوات مركزية، وعلى صفحات «قاسيون». وشارك في الحوار أقسام هامة من الشيوعيين السوريين ومن الوطنيين التقدميين المهتمين بقضايا الشعب والوطن، وتميزت الحوارات بالصدق والصراحة والمسؤولية، وبمعنى آخر كانت شجاعة وتتمتع بشفافية عالية، رغم ظهور بعض الخلافات وتباينات الآراء حول بعض القضايا ـ وهذا أمر طبيعي ـ إن الحوار ساعدنا في إيجاد المشترك الذي يقربنا من التوحيد، كما ساعدنا على الانتقال من حالات التمترس والاتهام، إلا حالات قبول الآخر، فإذا كنا قد توصلنا اليوم إلى فهم واتفاق ملموس حول القضايا السياسية... فغداً سيدور الحوار حول الشكل التنظيمي للحزب الموحد، ولايعرقل توحيدنا أي خلاف يتعلق بالماضي البعيد ولا بالمستقبل البعيد.

وسيبقى الحوار مستمراً مع احترام أكيد للرأي الآخر المختلف.

ونتح عن هذه الحوارات مسودة لورقة سياسية، والتي أصبحت هي بدورها موضوعاً للحوار. وبرأيي أن ماورد في هذه المسودة ـ بصورة عامة ـ  يتضمن الأفكار الأساسية التي توصل إليها تيار توحيد الشيوعيين السوريين مع ملاحظة أن هذه الورقة السياسية لن تكون مغلقة أولاً، وأن هذه الورقة تؤسس لحالة أرقى، وأنها ستصبح بالتالي وثيقة من وثائق الاجتماع  الوطني الثالث، وبالتالي سيجري تطويرها لتصبح مستقبلاً برنامجاً سياسياً يقرّه مؤتمر التوحيد.

وأرى من المفيد إعادة صياغة بعض الأفكار الواردة في المسودة مثل:

1. الموقف من الإمبريالية والصهيونية واضح وثابت ولكنه يحتاج إلى إدراج ماهو جديد على العولمة.

2. إعادة صياغة الموقف العربي الرسمي والجماهيري.

3. هل يمكن تعزيز الوحدة الوطنية قبل تحققها؟

4. التأكيد على أن النضال هو الذي يحقق المهام، أي أنها ليست منّة من أحد.

5. المقاومة هي الخيار / يجب مراجعة عدد «قاسيون» 208.

6. البرنامج الديمقراطي في الورقة يحتاج إلى:

■ ربطه بمصالح الجماهير.

■ سيادة القانون ـ استقلال القضاء، 

سن قانون أحزاب عصري، وقانون انتخابات، وقانون مطبوعات، وإلغاء الأحكام العرفية وقانون الطوارئ.

7. التأكيد أن الحريات لاتمنح ولكن يجب انتزاعها. (التعقيب النهائي في الندوة المركزية في الحسكة)

 

8. إن قراءة الحدث على نحو صحيح وفي التوقيت المناسب ليست مطلوبة بحد ذاتها، والمطلوب أولاً وأخيراً التأثير في الأحداث ورسم سياسة التغيير.