الديمقراطية لسد الطريق أمام قوى السوق والسوء
أكدنا دائماً ونؤكد على أن قوى السوق المحلية المرتبطة بقوى العولمة المتوحشة وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية تضغط محققة تقدماً تلو الآخر، مستفيدة من تداعيات احتلال العراق وما خلقه من تغيرات في الوضع الإقليمي في ظل اختلال ميزان القوى العالمي.
ولكن في الوقت نفسه تعوّل هذه القوى على نقاط ضعف معينة في الوضع الداخلي كي تفعّل ضغطها وصولاً لتحقيق برنامجها الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ السياسي بكامله.
وأهم نقاط الضعف هذه هي:
-1 وجود تفسيرات وتطبيقات مختلفة بل ومتناقضة في جهاز الدولة لمفهوم برنامج الإصلاح مما يعيق تنفيذه ويوقف تقدمه ويخلق حالة من الاستعصاء والجمود في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويزداد خطر هذه الحالة على الوضع العام في ظل الاستحقاقات التي تفرضها طبيعة المرحلة الدقيقة في المنطقة.
وواضح أن التفسيرات والتطبيقات المختلفة لاتعكس ارتباكاً في مفهوم وبنية الإصلاح الشامل بقدر ما تعكس مصالح اجتماعية مختلفة تعبر عن الطيف الاجتماعي الموجود في البلاد. والأرجح أن قوى السوق تلقى أذناً صاغية عند البعض في جهاز الدولة وهؤلاء إن لم يستطيعوا التعبير عن موقفهم الحقيقي منها فإنهم، بأسوأ الأحوال، يعيقون تطبيق برنامج الإصلاح الحقيقي والمطلوب، انتظاراً لتوفر الأرضية الضرورية والظرف الكافي لتطبيق برنامج قوى السوق كاملاً بغير نقصان.
2- في ظل هذا الوضع يتضح أن إمكانية فك هذا الاستعصاء بالاعتماد على القوى السليمة في جهاز الدولة أصبح مهمة شبه مستحيلة، وفي ظل ركود وضعف فعالية قوى المجتمع السياسية «النظيفة» تصبح هذه المهمة مستحيلة، وهذه هي نقطة الضعف الثانية التي تعوّل قوى السوق عليها كثيراً لحل هذا الموضوع لصالحها نهائياً في المستقبل. والجدير بالذكر أن الدولة القوية ليست قوية بأجهزتها ومؤسساتها ومدى قدرتها على ضبطها، وإنما هي قوية بقدر استنادها إلى قوى المجتمع وتعبيرها الصحيح عن مصالح أكثريته الساحقة، لذلك يبقى الحل الوحيد والمستعجل في هذه الظروف هو الاعتماد على قوى المجتمع عبر تنشيطها وتحريكها، مما يتطلب حركة سياسية جماهيرية نشيطة تستند إلى بنى حقيقية غير شكلية، وهذه العملية لايمكن إطلاقها إلا عبر ديمقراطية واسعة للمجتمع كي يدافع عن مصالحه ومستقبله لسد الطريق أمام قوى السوق والسوء.