الافتتاحية الوهم المتبدد.. ومستلزمات المواجهة

كنا قد نبهنا مراراً من خطورة وجدية التصعيد الامبريالي -  الصهيوني على منطقتنا وبلدنا سورية، وأكدنا أن القائمين على المخطط الامبريالي الأمريكي – الصهيوني ينظرون إلى المنطقة – وخصوصاً سورية ولبنان وفلسطين والعراق وإيران – على أنها ساحة صراع واحدة والغاية قبل كل شيء الإجهاز على منطق المقاومة، ثم تفتيت بنية المنطقة جغرافياً وديمغرافيا،ً وتحطيم الكيانات الوطنية فيها عبر إشعال الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية، والعودة بجميع دول المنطقة إلى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية لشق الطريق أمام تحقيق المشروع الإمبراطوري الأمريكي على المستوى الكوني. وهنا يجب ألا يغيب عن الذهن حجم الدور الوظيفي للكيان الصهيوني وآلته العسكرية في مساندة وتنفيذ المخططات العدوانية الأمريكية إزاء المنطقة، حسب ما تقتضيه كل مرحلة من مراحل تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير من موريتانيا غرباً إلى اندونيسيا شرقاً. ففي الوقت الذي يعلن فيه النظام الرسمي العربي استمرار تمسكه بخيار المفاوضات والهروب من خيار المقاومة، يأتي الرد الإسرائيلي – الأمريكي بالعدوان المباشر وابتزاز الحكام العرب المتهالكين واللاهثين وراء كسب الرضى فمنذ المبادرة العربية في قمة بيروت التي كان الرد عليها باجتياح الضفة والقطاع، وصولاً إلى خريطة الطريق ثم بناء جدار الفصل العنصري، إلى ما يسمى بالحل الأحادي في غزة وتحويل القطاع إلى سجن كبير، وبالتوازي كان احتلال العراق وإصدار قانون محاسبة سورية وافتعال جريمة اغتيال الحريري وما تلاها من قرارات في مجلس الأمن، هدفها ضرب المقاومة اللبنانية وتصفيتها، وضرب سورية والإجهاز على المقاومة الفلسطينية وتحطيم الإرادة السياسية لدى الجماهير، وفرض الاستسلام على المنطقة والخضوع للمشيئة الأمريكية – الصهيونية.

وإذا كان النظام الرسمي العربي ينتقل من هزيمة إلى أخرى رغم امتلاك بعض دوله لأعظم ثروات الأرض، فإن منطق المقاومة لم يهزم، وهاهم أبطال فلسطين ينقذون عملية (الوهم المتبدد) الأسطورية والتي لم يقتصر مفعولها على الثأر من عمليات القتل الصهيوني اليومي للفلسطينين المتشبثين بأرضهم، بل ساهمت في تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية بين الوطنيين المقاومين على الأرض، وها هي المقاومة اللبنانية تحافظ على وجودها وجهوزيتها، وها هي سورية ترفض أن تكون وسيطاً بين الجلاد الصهيوني والضحية الفلسطيني، كما فعل بعض (قادة) أكبر الدول العربية الذين استقالوا من عروبتهم ودينهم جهاراً من خلال إصرارهم على إطلاق الجندي الصهيوني الأسير دون مقابل، حيث لا يعنيهم وجود عشرة آلاف أسير فلسطيني وثلث الحكومة وربع المجلس التشريعي الفلسطيني في السجون الإسرائيلية.

كل ما سبق يؤكد أن العدو الصهيوني- الإمبريالي الأمريكي لم يترك أمامنا إلا خيار المقاومة الشاملة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية تشكيل (الهيئة الشعبية لمقاومة الاحتلال في الجولان) وصدور بيانها الأول يوم 26 حزيران الماضي من مدينة القنيطرة والذي جاء فيه: (إن المفاوضات مع العدو لم تثمر، ولم تؤد إلى عودة الجولان، وتحقيق السلام، لأن إسرائيل تصر على العدوان وترفض السلام... بل أن شهية العدوان لدى الكيان الصهيوني زادت في فلسطين والجولان. لذلك كله نرى أن الوسيلة الوحيدة التي يفهمها العدو هي المقاومة التي تتصدى للاحتلال..).

وطالما نحن  أمام مواجهة مرتقبة ومؤكدة خصوصاً  بعد التصريحات والتهديدات الأمريكية – الصهيونية واختراق الطائرات الإسرائيلية لمجالنا الجوي، فلا بد من تطوير صيغة (الهيئة الشعبية لمقاومة الاحتلال في الجولان) إلى صيغة (الجبهة الشعبية لتحرير الجولان)، لأن الجولان ينتظر التحرير بالمقاومة الشعبية كما حدث في جنوب لبنان. وهذا ما يتطلب تأمين  مستلزمات المقاومة الشاملة الكفيلة بالرد على أعداء الخارج والداخل. ويأتي في مقدمة تلك المستلزمات:

1ـ موقف واضح ومعاد لا لبس ولا أوهام فيه ضد الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، اللذين لا تجدي معهما لغة المساومة أو التكيف، بل يجب فضح جوهر السياسة والمخططات الامبريالية الصهيونية وعزل المتأثرين بها أو المنفذين لها في الداخل ومن شاكلهم في الخارج (مؤتمر لندن نموذجاً)، ليس بالإجراءات الأمنية و لا بالتسريح من العمل حسب المادة 137، بل لا بد من فضح المتأثرين أو المنفذين سياسياً واجتماعياً من خلال تعبئة قوى المجتمع على الأرض وتحصين الداخل بالحوار الوطني الديمقراطي الجاد، وصولاً إلى قيام جبهة وطنية شعبية عريضة تلتزم خيار المقاومة الشاملة على المستويات كافة.

2ـ اجتثاث قوى ومراكز الفساد الكبرى في جهاز الدولة وخارجه، لأن تلك القوى هي المكان الرخو كونها بوابات عبور للعدو الخارجي.

3ـ إذا كان الضغط خارجي، فلا حل إلا الاستقواء بالداخل والاعتماد على الشعب وملاقاة مطالبه السياسية والاجتماعية والديمقراطية في مواجهة المخططات العدوانية، وبذلك فقط نؤمن مستلزمات الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن.