كلمة الرفيق د. قدري جميل عن «لجنة متابعة تنفيذ ميثاق شرف الشيوعيين السوريين»

وفي بداية الاجتماع، ألقى الرفيق  قدري جميل كلمة «لجنة متابعة تنفيذ ميثاق شرف الشيوعيين السوريين»، هذا نصها:

■ هدفنا كان منذ البداية إعادة تكوين ذلك الحزب الشيوعي الذي يحل مكان جميع الفصائل الموجودة

■ لقد تعلمنا خلال سنوات الانقسامات الطويلة فن الانقسام وعلينا اليوم تعلم فن التوحيد

■ إن عودة الحزب إلى الجماهير ستفرز تلك الكوادر المعترف بها في المجتمع والتي ستحتل بشكل طبيعي موقعها من خلال دورها الذي تمارسه بشكل طبيعي، وسيصبح الركض وراء موقع من أجل الحصول على دور ما لشخصيات لا دور لها أمر من ذكريات الماضي ومنسياته..

■ باب الحوار مفتوح على الجميع ولن نستثني منه أحداً

■ العودة إلى الجماهير، هي الطريقة المجدية في تجاوز الأزمةالدفاع عن مصالح الجماهير بالفعل لا بالقول فقط، على أساس الحفاظ على الدور الطليعي المستقل لحزبنا لما فيه خير الوطن والشعب والطبقة العاملة

■ استنباط آليات جديدة في العمل التنظيمي تحمي الحزب من سلطة الأفراد والقيادات إذا ما خرجت عن القواعد والضوابط الحزبية المتفق عليها

■ مهمتنا اليوم إعادة القدسية إلى لقب شيوعي!!

لقد مضت سبعة أشهر تماماً على إعلان ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، ونجتمع اليوم كشيوعيين من كل أنحاء سورية، ومن كل الطيف الشيوعي المبعثر على تنظيمات مختلفة وخارجها، كي نقرر خطوتنا اللاحقة.

لقد عبر الميثاق عن حالة تستجيب لحاجة موضوعية ملحة ألا وهي توحيد الشيوعيين السوريين في تنظيم طليعي يلعب دوره الاجتماعي والسياسي المطلوب منه. وقد كان هذا الميثاق مجرد إعلان نية لفتح الحوار في هذا الاتجاه من خلال تأكيده على جملة من القواسم المشتركة الدنيا التي لابد منها لتحديد نقاط الانطلاق الضرورية لهذه العملية.

الميثاق أنجز الدور المطلوب

وترى لجنة متابعة تنفيذ ميثاق شرف الشيوعيين السوريين أن الميثاق قد أنجز الدور المطلوب منه بنجاح والمطلوب اليوم هو البحث بشكل مشترك عن الخطوة اللاحقة التي تعزز السير في هذا الاتجاه، أي الحوار من أجل الوحدة.

لقد قلنا منذ البداية ونؤكد اليوم أن هدفنا لم يكن بحال من الأحوال تكوين فصيل شيوعي جديد إلى جانب الفصائل الموجودة وهو هدف لو أردناه قريب المنال، ولكن هدفنا كان منذ البداية إعادة تكوين ذلك الحزب الشيوعي الذي يحل مكان جميع الفصائل الموجودة.

وحين قلنا ذلك ظن البعض أننا نناور تكتيكياً ضمن عقلية الأزمة نفسها وظن البعض الآخر أن ما نسعى إليه وهم مستحيل وقبض للريح، ولكن تطور الأحداث أثبت أننا على الطريق الصحيح.

وبالفعل فإن التحليل الهادئ للوضع القائم يثبت أنه ليس هنالك في سورية اليوم حزب شيوعي يلعب دوره الوظيفي المطلوب منه اجتماعياً وسياسياً، وشتان طبعاً ما بين تنظيم يحمل هذه اللافتة وبين تنظيم يلعب هذا الدور، لذلك كان رأينا منذ البداية أن تكوين أي تنظيم شيوعي دون تجاوز الأزمة التي عاشتها الحركة خلال العقود الثلاثة المنصرمة، تجاوزها بالدرجة الأولى فكرياً وسياسياً وعملياً إنما يعني إعادة إنتاج الأزمة نفسها مما نحن بغنى عنه.

إن الساحة السياسية السورية تشهد اليوم وجود فصائل وتنظيمات شيوعية عديدة، لا ترقى كل بمفردها أو بمجموعها إلى الدور المطلوب من حزب.

لقد وصلنا إلى هذا الوضع بعد أزمة مستمرة في الحركة على مدى العشرات من السنين. فهل نستطيع اليوم تجاوزها وإحداث الانعطاف المطلوب في حياة الحركة الشيوعية في سورية، ذلك الانعطاف الذي يفضي إلى نهوضها واستعادتها لمواقعها وعودتها للعب دورها المنوط بها؟

لقد كانت الرغبة في الوحدة موجودة دائماً عند الشيوعيين السوريين، ولكن هذه الرغبة خلال حقبة زمنية طويلة لم تمنع الانقسامات وتكرارها بين الحين والآخر وبشكل دوري.

إن كل طرف في خوضه للصراع الحزبي خلال المراحل المختلفة للأزمة كان يظن أنه بحسم الخلافات تنظيمياً فإنه سوف يخرج أقوى مما دخل الأزمة، لأنه بذلك يكون قد طهّر نفسه من العناصر الانتهازية أو التحريفية أو الدوغماتية أو المتعصبة قومياً أو الكوسموبوليتية أو الاشتراكية ـ الديمقراطية إلخ…. من القاموس المعروف.

ولكن الواقع أثبت أن ما من طرف خرج من الصراع إلا أضعف من قبل، ولم يستطع أحد إن كان قاسماً أو مقسوماً، أو غالباً أو مغلوباً أن يستعيد قواه الأساسية، بل إنه لايزال ينزف حتى هذه اللحظة.

والأنكى من ذلك أنه ما من طرف خرج من انقسام إلا وأعاد إنتاج الانقسام بهذا الشكل أو ذاك، حتى الوحدات التي تحققت خلال هذه الفترة التي استندت إلى مبدأ التجميع وليس التوحيد ما كانت إلا تكريساً بشكل جديد أقل وضوحاً للانقسامات السابقة، وبالتالي لم تستطع أن تؤدي الدور المطلوب منهاوهو تقوية الحركة وزيادة نفوذها، بل يمكن القول أنها زادت انكفاء الحركة انكفاءً.

ما الذي تغير اليوم؟

 ولكن ما الذي تغير اليوم؟ ما الذي يجعلنا نتفاءل بإمكانية كسر مسلسل الانقسامات والتراجعات والانتقال إلى حالة جديدة؟ وهل تكفي الرغبة وحدها مهما عظمت لتحقيق ذلك؟

 لقد ترافق الوضع في الحركة الشيوعية السورية، بوضع مماثل في كل الحركة الشيوعية العالمية. فالتحليل الموضوعي اليوم يسمح لنا بالاستنتاج أنها قد بدأت بالتراجع عن مواقعها منذ بداية الستينات من القرن الماضي، هذا التراجع الذي تمثل بتغيير تدريجي بطيء في ميزان القوى العالمي لصالح الرأسمالية العالمية، والذي انعكس في نهاية المطاف بانهيار الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين لم تعد مقولة اختلال ميزان القوى العالمي بحاجة إلى إثبات ونقاش، لقد أثبتها الواقع والحياة.

 تغير ميزان القوى

 ولقد انعكس هذا التراجع على كل فصائل الحركة الشيوعية العالمية، فمنها من دفع ضريبة هذا التراجع دماً ومنها من دفعه انقسامات وتشرذماً ولكن في كل الأحوال كانت النتيجة واحدة وهي تغير ميزان القوى لغير صالح حركتنا.

 لسنا اليوم بصدد بحث أسباب التراجع العام  للحركة ولكن على عجالة يمكن أن نستنتج أن هذا التراجع قد سد مؤقتاً الأفق التاريخي أمام حركتنا وأصبحت أهدافها غير قابلة للتنفيذ في المدى التاريخي المنظور في وقت كانت فيه برامجها تؤكد إمكانية الانتصار على العدو الطبقي خلال المستقبل المنظور. لقد أنشأ هذا الوضع تناقضاً بين الهدف المعلن والواقع الملموس، بل إن الهوة أخذت تزداد مع الزمن بين الهدف والواقع، ويجب الاعتراف اليوم بأن حركتنا ونحن بجملتها، لم تستطع أن تشخص في حينه السبب العميق للأزمة أي للتناقض بين هدف الحركة وواقعها، ولايمكن تحميل مسؤولية ذلك لأحد، لا لشخص ولا لمجموعة، والأرجح أن المستوى المعرفي لم يكن يسمح آنذاك بالوصول إلى الاستنتاج الذي توصلنا إليه اليوم، وخاصة أن التراجع كان يجري بشكل مستتر تدريجي وغير معلن بل كان يرافقه إعلانات وتأكيدات بالاتجاه المعاكس.

 إن ترافق التراجع العام مع حالة عدم وعي له أدى إلى جملة من الاستنتاجات السياسية الخاظئة وإلى ممارسات تنظيمية عمقت حالة التراجع.

 من الأزمة لدينا.. الى المأزق لديهم

 فكل المتصارعين كانوا يعتقدون أن الأزمة مؤقتة وعابرة، مما كان يجعلهم يظنون أن المخرج التنظيمي هو المخرج الوحيد الصحيح، لذلك كانوا يتعجلون في الحسم التنظيمي دون إعطاء النقاش الفكري والسياسي حقه ومداه الكافي، ودون إعطاء الحياة حقها في المساعدة على حسم النقاشات الفكرية والسياسية المثارة. وللحق والتاريخ يجب أن نسجل أن القسم الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الذي لعب دوراً سلبياً هاماً خلال فترة البيريسترويكا كما تبين لاحقاً، قد ساعد على تأزيم الأوضاع الحزبية وإيصالها إلى طرق مسدودة بحجة دعم هذا الفريق أو ذاك.

 والخلاصة أن وحدة الشيوعيين التي تعبر دائماً عن ضرورة موضوعية، والتي بقيت دائماً أملاً حقيقياً كانت محكومة بالواقع الذي أملاه التراجع، والذي أدى إلى الانقسامات المتتالية.

 الأزمة الرأسمالية المستعصية

 ومما لاشك فيه أن خسائرنا كانت أقل لو رافق التراجع حالة وعي متقدم له مما كان سيحد من أثاره السلبية ولكن الذي حدث هو العكس. واليوم بعد عشر سنوات من انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية بقيت فيه المبادرة وزمام الأمور بيد الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية يتبين لنا أن الهزائم التي حلت بنا، إن كانت قد أطالت بعمر الرأسمالية إلا أنها لم تخرجها من أزمتها المستعصية بل أن أزمتها ازدادت استعصاء مما يدفعها إلى الخيار العسكري كخيار وحيد لحل التناقضات الناشئة فيها، مما يجعلنا نصل إلى استنتاج هام مفاده:

 إن الأفق التاريخي قد بدأ بالانسداد أمام الرأسمالية العالمية وإذا كان هذا الأفق مسدوداً بالمعنى التاريخي استراتيجياً، إلا أنه الآن قد بدأ بالانسداد بالأفق الآني القريب المدى مما يعني أن توازن القوى الذي تكون خلال العقود الماضية لصالحها غير قادر على الاستمرار، بل العكس هو الصحيح، فالخيار العسكري كخيار وحيد لحل المشاكل العالمية ما هو إلا دليل على إفلاس عميق وأزمة مستعصية لا حل لها، وهذا يعني أن الأفق التاريخي لحركتنا قد انفتح على المدى المنظور مما سيغير ميزان القوى بالتدريج لصالحها.

 إن التقاط هذه اللحظة بالذات هو الذي يدفعنا للاستنتاج بأن الواقع الموضوعي اصبح يملي وحدة الشيوعيين التي كانت ضرورة وأملاً طوال الوقت، فإذا كنا محكومون بالتراجع خلال الحقبة الماضية فإننا اليوم محكومين بالتقدم الذي سيسير بشكل أسرع كلما استوعبنا هذا الأمر بشكل أسرع.

 إن القوى الثورية العالمية بمختلف مكوناتها تواجه اليوم العدوانية المتصاعدة للإمبريالية العالمية التي أصبحت بحد ذاتها عامل توحيد مهم لكل القوى المعادية للإمبريالية.

 استنتاجات.. وأسس الوحدة اللاحقة

 وإذا كان لابد من هذه المقدمة لتوضيح رؤيتنا للأزمة ولآفاق حلها فمن الضروري أن نعرض عليكم بعض الاستنتاجات المستندة إلى هذا التحليل التي هي بحد ذاتها يمكن أن تكّون بعض الأسس لمصلحة الوحدة اللاحقة:

 1. الوحدة الحقيقية للشيوعيين اليوم لا يمكن أن تتم إلا بمبادرات من تحت وهذا لا يعني حتماً استثناء الذين فوق، ولكن هذا يعني أن محاصرة أمراض الماضي والقضاء عليها لا يمكن أن تتم إلا بهذه الطريقة. والجدير بالذكر أن القيادات الحالية للفصائل الشيوعية لا تروق لها الطريقة التي يجري فيها الاتجاه نحو الوحدة اليوم، وتقاوم هذا النزوع بمختلف الأشكال مروّجة فكرة إن هذا الحق هو احتكار للقيادات فقط الذي إن لم تباركه فإنه لن يتم بالضرروة. لقدانتظرنا طويلاً الوحدة الآتية من فوق بلا جدوى،فلنجرب مرة واحدة على الأقل الوحدة التي تصنع من تحت لفوق.

 إن منطق الوحدة من تحت هو منطق الديمقراطية الحزبية، منطق سيادة المؤتمرات، منطق سلطة القواعد الحزبية التي يستند إليها مبدأ المركزية الديمقراطية.

 إن هذا المنطق إذا قيض له التطبيق سيتطلب إيجاد الضمانات الكافية له للاستمرار، بما فيها استنباط آليات جديدة في العمل التنظيمي تحمي الحزب من سلطة الأفراد والقيادات إذا ما خرجت عن القواعد والضوابط الحزبية المتفق عليها.

 تعلم فن التوحيد

 2.  لقد تعلمنا خلال سنوات الانقسامات الطويلة فن الانقسام وعلينا اليوم تعلم فن التوحيد.

 فإذا كانت أهم أدوات الانقسام هي شخصنة الصراعات وتسمية المجموعات المتصاعدة بأسماء زعمائها، فإن عملية التوحيد لا يمكن إلا أن تسير باتجاه معاكس في هذا المجال، فالتوحيد لا يمكن أن يتم على اسم شخص أو أشخاص إنه يتم فقط على أساس فكرة، هدف.

 وإذا كان الحسم التنظيمي هو أداة من أدوات الانقسام، دون إعطاء المجال للحسم الفكري والسياسي من خلال النقاش أن يأخذ مجراه الطبيعي، فإن التوحيد يتطلب النقاش الرفاقي المعمق حول القضايا الفكرية والسياسية وأن يترك للحياة، للتجربة تحسم ما يجب حسمه، بحيث يصبح الحسم التنظيمي لا معنى له في هذا الإطار، إن تسريع الحسم التنظيمي للأمور غير الناضجة فكرياً وسياسياً أدى إلى تعميق الأزمة عوضاً عن حلها.

 ونتيجة لذلك أصبح إقصاء الآخر والقمع والاتهامات الجاهزة أداة هامة في عمليات الصراع الحزبي، وقد كنا مشاركين إلى هذا الحد آو ذاك في هذه العمليات سواء كنا كقامعين أحياناً أو مقموعين أحياناً أخرى، ولاشك أن النوايا الحسنة قد بلطت طريقنا جميعاً خلال هذه الصراعات. لذلك من المطلوب تعلم فن التوحيد في هذا المجال الذي يتطلب قبول الآ خر ومنع قمع الرأي المخالف تحت أي سبب كان والتدقيق والتأني في أية اتهامات ومنع التشهير وإعادة تفسير المركزية الديمقراطية على أساس عصري يسمح بتعددية الآراء على أرضية وحدة الإرادة والعمل.

 منطق الفيتو يتناقض مع التوحيد

 3. إن من يسير على طريق الوحدة يجب أن يجمع كل شيوعي يريد السير في هذا الاتجاه بغض النظر عن التقييمات والاتهامات والقرارات السابقة، التي يتبين أن جزءاً كبيراً منها أملاه مصالح الصراع التكتلية لذلك لا يجوز أن يوضع أي فيتو على أي شيوعي ولعل الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة يجب أن يكون أولئك المدانون بجرائم شائنة بحق المجتمع. إن منطق الفيتو لا يتماشى مع عقلية التوحيد بل يتناقض معها، إنه منطق الوصاية والاستعلاء  والمعلمية على الآخرين. إن الشيوعي يقيّم فقط على أساس إمكانياته وتنفيذه لمهامه.

 الحياة حلت الكثير من الأمور

 4. يؤكد الواقع اليوم أن هامش الخلاف بين الشيوعيين حول مهامهم الآنية هو في حدوده الدنيا بالمقارنة مع العقود السابقة وبالفعل فإن الحياة قد حلت الكثير من الأمور المختلف عليها سابقاً، إلى جانب أن تكوّن الواقع الجديد عالمياً وإقليمياً ومحلياً يوحد ليس فقط الشيوعيين وإنما أيضاً كل الوطنيين ولكن هذا لا يعني أن أموراً معينة تخص الماضي البعيد أوالمستقبل البعيد، يمكن أن تبقى غير محلولة فهل يجب أن نشترط على وحدة الشيوعيين الاتفاق على كل ما يخص تفاصيل الماضي البعيد والمستقبل البعيد طبعاً لن يكون الأمر سيئاً إذا اتفقنا على كل شيء ولكن إذا افترضنا أننا اتفقنا على المهام الآنية ولم نصل إلى نفس الاتفاق حول القضايا الأخرى فهل يجب أن تتوقف عملية الوحدة، طبعاً لا؟ فلنتابع الحوار حول مالايتفق عليه من الأمور غير الآنية ولنترك للنقاش، للحياة، للتجربة كي تحسمها بالتدريج. ولنتمركز ونتوحد حول مهامنا الآنية الملحة ولنمنع خط الفصل من المرور بيننا حول القضايا غير المتفق عليها.

 العودة إلى الجماهير

 5. إن طريقة كهذه في التوحيد ستدفعنا للعودة إلى الجماهير، التي هي بحد ذاتها طريقة مجدية في تجاوز الأزمة، فالتجربة الماضية أثبتت أن عمق الأزمة تتناسب طرداً مع درجة الابتعاد عن الجماهير، وإذا علمنا أن جدية مشاكل اليوم تدفع الجماهير للعودة إلى الشارع أو بكلام آخر بدأت تلوح بالأفق ملامح عودة الجماهير إلى السياسة وانتقال مركز الثقل شيئاً فشيئاً في العمل السياسي إلى الشارع، فإننا نستطيع أن نستنتج أن سرعة عودتنا إلى الجماهير ستحدد أيضاً سرعة عودة الجماهير إلى الشارع. وهذا ما يجعلنا نؤكد مرة أخرى أن العوامل التي تحدد وحدتنا اليوم وإمكانية تحقيقها هي موضوعية بالدرجة الأولى، أما درجة وعينا الذاتي فستحدد فقط سرعة تحقيقها. فهي آتية لا محالة عاجلاً أم أجلاً.

 ليس تجميعاً.. بل توحيد

 6.  لذلك يصبح واضحاً أن العملية المطلوب تحقيقها اليوم هي نوعياً مستوى جديد من الوحدة يتناسب مع الظروف المستجدة بل تتطلبه هذه الظروف، فالمطلوب ليس مجرد تجميع للشيوعيين، والمطلوب ليس مجرد تجاور وتعايش للآراء بل المطلوب هو توحيد حقيقي يجري فيه تفاعل للآراء للوصول إلى حلول حقيقية وعميقة لمختلف القضايا المنتصبة أمامنا لذلك ترتدي أهمية كبرى عملية تحديد الإطار العام والأساس النظري والسياسي والتنظيمي والعملي لهذه الوحدة التي سيجري عليها الحوار وهو ما يجب أن يتناوله النداء الصادر عن اجتماعنا. إننا نرى أن الهدف من الحوار الذي سيجري هو تجاوز الأزمة فكرياً وسياسياً وعملياً، ومن ثم تنظيمياً مما سينعكس بنهاية المطاف في قيام الحزب الشيوعي بدوره المنوط به تاريخياً. ونعتقد أنه إذا تعاملنا مع مقولة الحزب ووحدته كأداة للوصول  إلى أهدافنا وليس هدفاً بحد ذاته فإننالن نضل الطريق.

 7. لقد أثبتت تطورات الأحداث خلال الفترة المنصرمة صحة المقولة التي تفيد بأن خطوة عملية أفضل من دزينة برامج، فالنشاط العملي الذي قامت به لجنة المتابعة بالتعاون مع لجان التنسيق الناشئة في المحافظات، ابتداء من إطلاق الميثاق نفسه ونشره، إلى النقاش الهام الدائر حوله حتى هذه اللحظة، إلى البيانات المختلفة التي وزعت بعشرات الألوف من النسخ في الشوارع السورية إلى عريضة المطالبة بإلغاء ارتفاعات الأسعار، إلى التحرك الميداني من اعتصامات ومظاهرات في الكثير من المدن السورية، كل ذلك وبدون كلام كثير وبدون عقلية استعراضية أثبت للشارع وللقوى السياسية المختلفة أين هي القوى الرئيسية للحركة الشيوعية في سورية، ولكن الأهم أثبتنا مرة أخرى رغم صعوبة وضع الشيوعيين، نتيجة تبعثرهم، أن حركتنا تستطيع أن تأخذ زمام المبادرة في حركة الشارع وأن تطور هذه الحركة الضرورية جداً للتصدي للمخططات المختلفة التي تستهدف شعبنا وبلدنا بالتعاون مع كل القوى الوطنية.

 إعادة القدسية للقب: شيوعي

 8. قضية أخيرة في مجال الاستنتاجات ـ لقد فقد لقب الشيوعي خلال الأزمات الكثير من بريقه السابق ومهمتنا اليوم إعادة القدسية إلى هذا اللقب، وهذا لن يتم إلا بتثبيت نمط من السلوك الشخصي المستند إلى إنكار الذات وروح التضحية والابتعاد عن المكاسب الشخصية وخاصة لدى الرفاق الذين يشغلون مواقع قيادية. وبالمناسبة يجب الانتقال إلى حالة يصبح فيها شاغل الموقع القيادي ليس عبئاً على الحزب وقائداً فيه فقط لا غير لا يعرفه أحد خارج إطاره، بل قوة تضاف إلى قوة الحزب، ووزن معترف به في المجتمع، وبين الجماهير،وفي الشارع مما يضيف وزناً إلى وزن الحزب.

 لقد كان الركض وراء موقع في الحزب بأي ثمن مرضاً أثر بشكل سلبي على تطور الحزب. إن عودة الحزب إلى الجماهير ستفرز تلك الكوادر المعترف بها في المجتمع والتي ستحتل بشكل طبيعي موقعها من خلال دورها الذي تمارسه بشكل طبيعي، وسيصبح الركض وراء موقع من أجل الحصول على دور ما لشخصيات لا دور لها أمراً من ذكريات الماضي ومنسياته.

 في الختام، نتوقع مسبقاً ردود الفعل على خطوتنا اللاحقة التي سنقررها اليوم باتجاه الوحدة. فالقوى الوطنية ستحييها لأنها سترى فيها نموذجاً لتوحيد كل فصيل وطني يعاني الحالة التي نعاني منها، والتي تؤثر سلباً على الوحدة الوطنية وعلى مجمل نشاط الحركة السياسية في البلاد.

 ونتوقع مسبقاً أن بارقة الأمل التي أثارها الميثاق لدى الكثيرين من الشيوعيين ستتعزز مما سيدفعهم باتجاه تيار الوحدة، تيار العمل السياسي الجاد تيار توطيد الوحدة الوطنية.

 سنبقي باب الحوار مفتوحاً

 على الجميع

 وكذلك نتوقع أن لا يروق الأمر كثيراً لقيادات في فصائل شيوعية مختلفة وفي أحزاب وقوى أخرى، وأن تعزز من حملتها التي شنتها على الميثاق، من جهتنا لن نرد بالمثل وسنبقي باب الحوار مفتوحاً على الجميع ولن نستثني منه أحداً، إلا إذا استثنى هو نفسه، وسنعزز من تحركنا العملي باتجاه وضع الأساس الصحيح لإعادة بناء الحركة الشيوعية السورية على أساس الماركسية ـ اللينينية بعيداً عن الجمود والعدمية وعلى أساس التوفيق الخلاق بين المهام الوطنية والاجتماعية ـ الاقتصادية والديمقراطية وعلى أساس التطبيق المتطور لمبادئ الديمقراطية الحزبية المستندة إلى مبادئ المركزية الديمقراطية، على أساس الإخلاص للتحالفات المرسومة دون القبول بوصاية أحد ولا بالتحول إلى عبء على أحد، على أساس الدفاع عن مصالح الجماهير بالفعل لا بالقول فقط، على أساس الحفاظ على الدور الطليعي المستقل لحزبنا لما فيه خير الوطن والشعب والطبقة العاملة.