الافتتاحية من الذي يعيق عملية الإصلاح؟

الخطاب السياسي السوري المتمثل بإرادة مواجهة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، يحظى بتأييد الجماهير الشعبية، ليس في سورية فقط، بل في كل أنحاء العالم العربي.

ولكن المفارقة أن الممارسة الاقتصادية التي تنعكس اجتماعياً بشكل مؤلم على الجماهير الشعبية نفسها تسير في الاتجاه المعاكس تماماً للخطاب السياسي.

- فالنمو الاقتصادي متوقف عملياً، وحصة الفرد من الدخل الوطني تتراجع رغم تأكيدات الحكومة بأن الأمور بألف خير، فالتقارير الجدية تقول بنسبة نمو لا تزيد عن 1.2% في عام 2005 عما سبقه.

- ومستوى معيشة الجماهير ينخفض، مع أن الحكومة تؤكد ازدياد دخل المواطنين خلال السنوات الأخيرة، متناسية أن الدخل الحقيقي يقاس حسب مستوى الأسعار، وأن الدخل الاسمي يقاس بالدخل السابق، وهو مقياس تضليلي لا يحل المشكلة بل يعقدها لأنه يموهها.

- والليرة السورية ليست في أحسن أحوالها رغم تأكيدات الحكومة على استقرارها فالهزات التي أصابتها هي مؤشر خطير له دلالات يجب الانتباه لها، فهزات كهذه تسبق عادة الزلازل الكبيرة. إن التأكيد على عافية الليرة السورية من خلال المؤشرات المالية البحتة هو تحليل سطحي، لا ينفذ إلى باطن الأمور حيث الاختلالات البنيوية الخطيرة التي هي ستحدد بنهاية المطاف وضع الليرة السورية والذي يشكل استقرارها أحد عوامل الأمن الوطني الهامة.

بالنتيجة، فإن الحديث الكثير عن الإصلاح يرافقه في الواقع تراجع في أهم مؤشرات صحة الاقتصاد السوري الذي يجب أن يكون عاملاً هاماً في الصمود، لا أن يتحول إلى أداة في إضعاف إرادة المواجهة. لذلك فإن قلق الناس حول الوضع في البلاد هو قلق مشروع، هل يحكمها هذا الخطاب السياسي الذي يحظى بأوسع دعم شعبي؟. أم تحكمها ممارسات اقتصادية ليبرالية تزيد غنى الأغنياء وفقر الفقراء، وتنسف بالتالي الأساس الداعم للخطاب السياسي؟؟

وواضح لنا من خلال رفع الأسعار والطريقة التي رفعت بها الأجور أن هناك في جهاز الدولة وما حوله، من ينفذ بإصرار سياسة اقتصادية ليبرالية هدفها زيادة الاحتقان والاستياء في الشارع وتوفير الأسباب المادية والاجتماعية كي تؤخذ سورية من الداخل.

لذلك يجب البحث وتحديد من هو المسؤول عن اعتماد قرارات وسياسات تستفز الشارع وتهز الاستقرار الاجتماعي، وتضعف مصداقية الخطاب السياسي.

وإذا انطلقنا من حسن النية لقلنا أن هنالك من يدير العملية الاقتصادية – الاجتماعية بلا كفاءة منقطعة النظير.

وإذا أسأنا الظن لقلنا أن في بنية النظام ألغاماً موقوتة تعمل بالتزامن والتواتر مع الضغوطات الخارجية، لخلق الأرضية وتوسيعها لبعض المعارضات المرتبطة بالخارج، وخاصة تلك التي كانت جزءاً من النظام حتى الأمس القريب.

 

إن استهداف الأمن الاجتماعي والاقتصادي في ظروفنا اليوم هو جريمة كبرى، تسمح للعدو بالتقدم بأقل وقت وبأقل الخسائر، وصمود سورية اليوم هو مطلب شعبي داخلي وعربي وعالمي، ولتأمين هذا الصمود لم يعد هنالك مجال للتأجيل أو «التطنيش» أو المسايرة. لأن لسان حال الناس في الشارع يقول: صديقك من صدَقك وليس من صدّقك لأن في ذلك الضمانة للحفاظ على كرامة الوطن وتحقيق كرامة المواطن.