الوثيقة الوطنية: «الوطن في خطر..» لا بد من قيام جبهة شعبية وطنية ديمقراطية للمواجهة

 إلى أبناء شعبنا في سورية العظيمة العصية على الاستعمار قديمه وحديثه! أيها الوطنيون السوريون أينما كنتم: في الأحزاب والقوى والمجموعات والشخصيات الوطنية، يا من ترون في الحفاظ على الاستقلال الوطني، والسيادة الوطنية والدفاع عن الكرامة الوطنية في وجه الامبريالية الأمريكية والصهيونية مبرراً لوجودكم.

 تتصاعد الحملة الأمريكية الصهيونية ضد سورية، وهو أمر متوقع لم يكن يستبعده إلا الواهمون بإمكانية تحييد الموقف الأمريكي وعقلنته.

 فمنذ إقرار قانون محاسبة سورية، ثم القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن إلى جريمة اغتيال الرئيس الحريري وتداعياتها إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية، إلى اجتماع بعض أركان الإدارة الأمريكية إلى ما يسمى بالمعارضة السورية المقيمة في حضن البنتاغون، أصبح واضحاً أننا أمام عدوان أمريكي صهيوني يستهدف وطننا سورية وكل قوى المقاومة والممانعة التي ما زالت ترفض مخطط الهيمنة والاستباحة الأمريكية الصهيونية على المنطقة في إطار ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير!

 إن القرار 1595 وتقرير «ميليس» وصولاً إلى القرار العدواني الجديد 1636 ضد سورية، كل ذلك يثبت أن ما يسمى بالشرعية الدولية وهيئاتها المختلفة قد تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختلال ميزان القوى الدولي إلى أداة طيعة بيد الإمبريالية الأمريكية لتنفيذ سياساتها الخارجية المتسمة بالنزعة العدوانية والتوسعية، وهي تستخدمها لإلغاء السيادة الوطنية للدول المستقلة.

 في هذا الظرف العصيب على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية الكبرى، ومن الدور الريادي الذي لعبته سورية تاريخياً في مواجهة الأحلاف العسكرية الاستعمارية والمخططات الإمبريالية الصهيونية، لا بد من تحشيد أكبر ما يمكن من جماهير شعبنا، وتبني وتعميق الخيار الوطني الديمقراطي في مواجهة الأخطار الماثلة أمامنا، عبر قيام جبهة شعبية وطنية عريضة للمجابهة والمقاومة تقوم بدور التعبئة وتنظيم قوى المجتمع على الأرض، لأن مواجهة الغزاة الجدد قادمة، والاستهانة بها يفضي إلى التفريط بالسيادة الوطنية وتفتيت الدولة وبنية المجتمع، وهذا ما فعلته قوات الاحتلال الأمريكي في العراق...

 من الواضح أن قيام جبهة شعبية وطنية عريضة للمقاومة والمواجهة المرتقبة، لابد أن ترتكز على أسس ديمقراطية وطنية، توفر مستلزمات بناء وتعزيز الوحدة الوطنية الشاملة، لتأمين أمن الوطن الذي هو فوق كل اعتبار، وهو أعلى وأقدس من أمن أي نظام أو سلطة.

لذلك لابد من إنجاز مقومات الوحدة الوطنية الشاملة دون إبطاء والتي أهمها:

 أولاً: على المستوى العربي:

  التأييد النضالي الفعال للمقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق الموجهة فعلاً ضد قوى الاحتلال الأمريكي والصهيوني لتحقيق الحرية والاستقلال وبناء نظام ديمقراطي مقاوم، باعتبارها حقاً مشروعاً تضمنته شرعية حقوق الإنسان والقانون الدولي، والتفريق بين المقاومة والإرهاب على اعتبار أن الاحتلال هو أعلى مستويات الإرهاب الدولي، وبالتالي مقاومته مشروعة وواجب وطني.

  العمل على تطوير حركة التحرر الوطني العربية كبديل للنظام الرسمي العربي المنهار والذي أصبح أداة طيعة بيد النظام الدولي الذي تهيمن عليه الإمبريالية والصهيونية.

  عزل وفضح كل من يروج للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكل الذين يزينون ما يسمى بمشروع التغيير الذي تحمله الإدارة الأمريكية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم.

 ثانياً: على المستوى الوطني:

  الرفض المطلق للاستقواء بالخارج وإدانته ومقاومته، وعدم التفريط بالسيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني، والعمل على تهيئة الظروف الاجتماعية لبناء داخل سليم معافى يعزز دور المجتمع لنهوض المقاومة الشعبية الشاملة بكل أشكالها، لأنها الطريق الوحيد نحو الحفاظ على كياننا الوطني، خصوصاً أننا أمام عدوان متسارع في زمن يتناقص.

 إن أي موقف لأية قوة سياسية يخلو من موقف واضح ضد الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني وتحميلها مسؤولة التطورات الخطيرة في المنطقة وحول بلادنا، هو تحت الحد الأدنى المطلوب لإدراجه ضمن خانة الموقف الوطني. كما أن عدم الاستقواء بالخارج ليست كلمة تقال، بل ممارسة تأخذ مصداقيتها من السلوك الملموس على الأرض.

 وفي هذا السياق من المستغرب أن يتجاهل«إعلان دمشق» ما تتعرض له سورية من ضغوطات ولم يشر إلى نقاط التصادم مع الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى الهيمنة على المنطقة.

  إن الإجراءات التي تتخذها الدولة حتى الآن في مواجهة خطر العدوان الخارجي ومجمل الأوضاع الناشئة بعد تقرير «ميليس» وقرار مجلس الأمن الأخير، لا ترتقي الى مستوى المخاطر الجدية التي تتعرض لها البلاد. وإذا كنا نتفهم أحياناً أن لسلوك الدولة ضروراته، فإنه في مثل هذه الظروف يجب عدم إخضاع خيارات الشعوب وثوابتها الوطنية إلى ضرورات الأنظمة.

  الجولان جزء عزيز من تراب سورية، وتحريره كاملاً إلى حدود 4 حزيران 1967 يجب أن يكون على رأس مهام جميع الوطنيين السوريين، ولنا من تجربة المقاومة في جنوب لبنان مثلاً لا يمكن تجاهله.

  التأكيد على دور سورية في الريادة الروحية باعتبارها الأرض التي انطلقت منها النبوات والحضارات، وازدهرت فيها الحضارة العربية الاسلامية، ورفض المحاولات الرامية إلى النيل من الثوابت الدينية وتكييفها مع ما يتناسب مع مطالب العولمة.

 ثالثاً: على المستوى الديمقراطي:

 تمثل الديمقراطية ضرورة داخلية ملحة لإعادة صياغة وتنظيم شؤون المجتمع على أساس مشاركة كافة الأطراف الوطنية، وذلك من خلال العمل على:

  رفع الأحكام العرفية وضبط العمل بقانون الطوارىء فيما يخص القضايا التي تمس الأمن الوطني حصراً، ومنع تدخل الأجهزة الأمنية في شؤون الأحزاب السياسية.

  إطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون إبطاء، وحل مسألة المتواجدين خارج القطر لأسباب سياسية والمجردين من الحقوق المدنية.

  سن قانون للأحزاب يضمن حق الانتماء السياسي لجميع المواطنين على أسس وطنية شاملة، يدفع بالحياة السياسية والأحزاب خطوة إلى الأمام، ويمنع عودتها إلى الوراء إلى ما قبل مفهوم الدولة الوطنية، ويضمن فصل أجهزة الدولة وامتيازاتها عن بنية الأحزاب السياسية.

  إصدار قانون للانتخابات ديمقراطي عصري، يحد من سلطة المال وأجهزة الدولة في العملية الانتخابية، ويسير باتجاه التمثيل النسبي. وسن التشريعات الضرورية التي تضمن مبدأ التداول السلمي للسلطة.

  إعادة النظر بقانون المطبوعات بما يكفل حرية التعبير وعدم احتكار الدولة لأجهزة الإعلام.

  تطويرقانون الأحوال الشخصية بشكل يضمن ويعزز دور المرأة في المجتمع ويلغي جميع أشكال التمييز ضدها.

  حل مسألة المجردين من الجنسية من المواطنين السوريين الأكراد بموجب إحصاء 1962 الاستثنائي في الجزيرة، وإعادة الجنسية لجميع من حرم منها منذ عقود، ومنع أي تمييز بين المواطنين على أساس قومي أو ديني أو طائفي، وضمان الحقوق المدنية والثقافية والاجتماعية لجميع المواطنين التي ترتكز على مبدأ المواطنة ضمن إطار وحدة الوطن.

  ضمان وتعزيز حقوق المواطن السوري بكل جوانبها من حق الحياة إلى حق العمل إلى حق الدراسة والصحة والسكن والاتصال، وصولاً إلى حرية التعبير والتي من أهمها حق الإضراب والتظاهر وحق التعبير عن الرأي عبر النشر والانتماء السياسي.

  العمل على تأمين استقلالية النقابات والحركة النقابية عن أجهزة الدولة وصيانة حقوقها دستورياً.

  تأمين استقلال القضاء ونزاهته في إطار الفصل بين السلطات الثلاث.

 رابعاً: على المستوى الاقتصادي الاجتماعي:

  ضرب مواقع الفساد وخاصة الكبرى منه، وإعلان حملة وطنية في كل البلاد ضد هذه الظاهرة الخطيرة والتي تشكل نقطة الارتكاز الأهم لقوى العدوان الخارجي ضد سورية.

  صياغة دور جديد للدولة بعيداً عن الشكل الوصائي القديم الذي كبّل قوى المجتمع وعطلها، دون الوقوع في مطب الليبرالية الجديدة صاحبة شعار (دعه يعمل، دعه يمر) والذي تستبدله قوى السوق الكبرى والفساد في سورية بشعار يحمل الجوهر ذاته ويلغي دور قطاع الدولة ويمهد الطريق للخصخصة بالقول: «دعه يخسر، دعه يموت».

 ومن هنا فإن القوى الوطنية مدعوة للحوار والبحث عن دور جديد للدولة تنموي، عقلاني، منفتح على المجتمع يعزز الإيجابيات ويحارب السلبيات في التجربة السابقة عبر حلول جديدة تفرضها علينا الخصوصيات الوطنية ومتطلبات المواجهة القادمة.

  إعادة النظر جذرياً بالسياسة الأجرية المتبعة وصولاً إلى سياسة تضمن ردم الهوة بين الأجور والأسعار وتؤمن المستوى المعيشي اللائق لكل ذوي الدخل المحدود بأسرع وقت ممكن على حساب الموارد التي ستوفرها مكافحة الفساد والنهب الكبير.

  دفع القطاع الخاص المنتج كي يساهم في تطور الاقتصاد الوطني بما في ذلك امتصاص جزء من البطالة ودعم الإنتاج الوطني بكل أشكاله عن طريق إلغاء جميع العوائق من أمامه.

  إعادة النظر بالسياسات الضريبية كي تتوافق مع ضرورات النمو والتنمية بشكل يمنع النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي ويحقق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية.

  إن رفع مستوى المعيشة ومكافحة البطالة في سورية تتطلب اقتصاداً لا تقل نسبة النمو فيه عن 10%، وهذا لا يمكن توفيره دون إعادة توزيع عادلة للدخل الوطني والحفاظ على قطاع الدولة وتخليصه من ناهبيه وسلبياته، كي تلعب سورية دورها المنوط بها على المستويين الداخلي والإقليمي.

  تأمين الضمان الصحي المجاني للجميع، وإصلاح العملية التعليمية والتربوية، وتخصيص ما لا يقل عن 20% من موازنة الدولة للتعليم مع تخصيص موازنة كافية للبحث العلمي وحل أزمة السكن في البلاد.

  الاهتمام بالاقتصاد الزراعي ودعم الفلاحين والمزارعين وخاصة الصغار منهم وتعميق مفهوم الأمن الغذائي لما له علاقة بالمواجهة اللاحقة.

  تأهيل اقتصادنا الوطني للتحديات الاقتصادية العالمية المعاصرة وعدم السماح بإلحاق الضرر بالإنتاج الوطني وبالمستهلكين وبمستوى المعيشة في البلاد.

  حماية البيئة وتحميل المؤسسات والجهات التي تضر بالبيئة، الضريبة اللازمة لمعالجة التلوث الناجم عن نشاطها.

 

 إن كل ما تقدم ليس برنامجاً للحكم وليس هذا هو الهدف، بل هو مرتكزات ضرورية للمواجهة والدفاع عن السيادة الوطنية والتي هي مهمة الجميع دون استثناء أحد. كما أن التوافق على هذه المرتكزات يتطلب حواراً شاملاً بين جميع القوى الوطنية من أحزاب وتجمعات وشخصيات وصولاً إلى مؤتمر وطني يؤسس لجبهة شعبية وطنية واسعة قادرة على تنظيم قوى المجتمع على الأرض.