ملاحظات على مشروع وثيقة المهام البرنامجية

طرحت هيئة رئاسة مؤتمر الشيوعيين السوريين «مشروع وثيقة المهام البرنامجية» طرحتها للمناقشة العامة، وقد خطت بذلك خطوة هامة على درب تحديد المهام المباشرة التي سيتمركز عليها النشاط والعمل الحزبي في النطاق الوطني والطبقي.

لقد جاءت الوثيقة نمطاً متميزاً فاعتمدت تحديد المهام المباشرة دون الغرق في التفاصيل أو الشروحات التي ليست من شأن الوثائق البرنامجية، وقد وفر هذا التعاطي مع المهام الأساسية الكثير من الخصائص للوثيقة فهي سهلة التداول والحفظ وتسعف دائماً في تركيز النشاط و المهام النظرية والعملية، وهي تتيح قدراً هاماً من التنوع في صياغة المهام وتحديد السبل النظرية والعملية التي من شأنها تنفيذ المهام البرنامجية.

إن الوثيقة البرنامجية على ذلك النحو توفر قدراً كبيراً من أسس المحاسبة الحزبية باعتبارها مهمة ثابتة ودائمة ومتجددة، وتمنح تلك المحاسبة المرتكزات التي إذا ماجرى التعامل معها بالأسلوب والخصائص المحددة للحزب فإنها تخلق أساساً جديداً وصحيحاً وسليماً لكل العملية الديمقراطية المستندة إلى المركزية الديمقراطية باعتبارها مبدأ التنظيم الأساسي، وعلى أساس الفهم العميق لذلك المبدأ وبعيداً عن كل أساليب إجهاض الديمقراطية تحت أشكال متنوعة من التأمر التنظيمي الذي يحتمي اخيراً بمظهر نتائج الأوراق الانتخابية، ويغفل سلسلة الأنشطة الغريبة عن طبيعة وجوهر العلاقات الحزبية، وهي توفر بصورة مباشرة أو غير مباشرة أساساً هاماً لمسألة كبرى تتلخص في أن الوثيقة البرنامجية بطرحها المهام الوطنية كمسألة جوهرية ورئيسة، توفر القدرة على التمتع ببعد النظر في التناول للمسائل بعيداً عن ضيق الأفق البرجوازي الصغير والنزعات الساذجة التي تتبلور في الفصل بين حزب فاعل حقاً من جهة وبين المتطلبات الموضوعية الشاملة لكل ميادين الحزب والتي من شأنها أن توفر الأساس الفاعل للحزب من جهة أخرى.

جاء في مطلع الوثيقة مسألة هامة من حيث حددت الأفكار إلى موضوعة الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة، ولكن واقع الحال في سورية هو أنها دولة مستقلة وذات سيادة وكان من الهام الاستناد إلى ذلك لوضع موضوعة الدولة الوطنية الديمقراطية وجعلها الأساس في صياغة مختلف المهام التي لابد منها من أجل بناء تلك الدولة، وكان من الهام وضع المهام الوطنية السياسية ثم المهام الاقتصادية، ثم المهام الأخرى.

طبيعي أن المهام التي تضمنها مشروع الوثيقة هي في نطاق المهام الوطنية الديمقراطية، وفي هذا الإطار يمكن تلمس المدى الطبقي والطيف الطبقي الذي يمثله النظام السياسي الاجتماعي من جهة والسلطة السياسية للدولة من جهة أخرى.

لقد حددت الوثيقة الاتجاه الأساس للنضال، ولكنها لم تتضمن شيئاً عن مهمة تحرير الأراضي العربية المحتلة، ودعم نضال الشعب الفلسطيني وكان من الأفضل استخدام صيغة إحباط المخطط الإمبريالي الأمريكي الصهيوني بدلاً من الصيغة الواردة والقائلة: «إحباط المخطط الإمبريالي الأمريكي المتوافق مع مصالح الصهيونية العالمية» فهذه الصيغة لاتمس جوهر المشكلة، وربما اعتمدت الثانوي في العلاقة بين الإمبريالية الأمريكية والصهيونية ولم تلحظ عمق التحالف الإمبريالي الأمريكي الصهيوني.

وأرى أن تتضمن الوثيقة البرنامجية مطالب محددة بما فيها قانون الأحزاب وتطوير وتعديل قانون المطبوعات ووضع قانون انتخابي تشكل النسبية أبرز أسسه كما ينبغي وضع مطلب إلغاء قانون الطوارئ ووضع قوانين من شأنها تناول حالات محددة  تخص أمن الوطن وهذا مايشكل اتجاهاً واضحاً على الصعيد الحقوقي، ومن الهام الإشارة إلى تدقيق الدستور بما يتناسب مع التوجهات الراهنة خاصة وأن المؤتمر الأخير لحزب البعث اتخذ قرارات سياسية هامة قد لاتتوافق مع بعض ماورد في الدستور.

وأعتقد أن من الهام الإشارة إلى محاربة الطائفية ومختلف أشكال العلاقات المتخلفة، وطبيعي أن ذلك لاينبغي أن يشكل أوهاماً ولكنه يحرض في ظروف عالمنا نحو علاقات وطنية.

لقد وردت فقرات عن الطبقة العاملة وأعتقد أن الأفضل صياغة مهام محددة في هذا النطاق كما ينبغي وضع صيغ محددة فيما يتعلق بالحركة النقابية.

أغفلت الوثيقة موقفاً من قطاع الدولة وورد تعبير الليبرالية بصورة عابرة ومن الضروري أن تتضمن الوثيقة صيغة عن الموقف من قطاع الدولة وصيغة عن الموقف من الليبرالية، خاصة وأن الشيوعيين السوريين «قاسيون» معروفة بموقفها ورأيها في هذه المجالات وتتمركز على فضح «الليبرالية الجديدة» والدفاع عن قطاع الدولة، وترى في ذلك أبعاده الوطنية والاجتماعية.

وطبيعي أن تضع الوثيقة مسألة وحدة الشيوعيين السوريين ضمن أولويات اهتماماتها وقد اعتبرتها آنية ودائمة وأرى من الهام وصفها باعتبارها مهمة «وطنية وطبقية» وضرورة للوحدة الوطنية، وتلعب دوراً هاماً في المزاج والوعي الاجتماعي، وأعتقد أنه يمكن الاستغناء عن الفقرة التي تقول «والقوة الفاعلة الوحيدة........» ذلك أن المسألة تتعلق أيضاً بالعوامل الحاسمة، وأن مسألة الوحدة هي وضعية نوعية لاتتحدد بالعدد ولكنها قبل كل شيء في التكوين السياسي ومدى جعله حالة نوعية يتطلبها النضال الوطني الديمقراطي المعادي للإمبريالية والصهيونية، كما أنها عامل أساس في تحديد المصداقية إزاء ذلك النضال ناهيك عن الوحدة الوطنية وطبيعي أن لاننسى أن كل المجموعات الشيوعية ترى أن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ولكن الواقع يؤكد كم أن مفارقة عميقة بين الممارسة في هذا الصدد وبين الجمل المكتوبة.

جرى استخدام كلمة الوظيفي في عدة أماكن وأرى ضرورة الإقلاع عن ذلك للأسباب التالية:

1. إن كلمات وظيفي، وظيفة، تثير في الذهن الدواوينية والدوائرية، كما أن هذا المصطلح لايعتبر المصطلح المحدد للمعنى المراد من خلف الكلمة، وهو ليس من مفردات الفكر السياسي قديماً أو حديثاً، وتختزن الأجندة الشيوعية العديد من المصطلحات التي تعبر بشكل أفضل عن الهدف والمراد من ذلك المصطلح.

2. إن مصطلح وظيفي، وظيفة، سائد في ميدان البيولوجيا وليس له نصيب في الفكر السياسي وتجدر الإشارة أن خصوصية كل شكل من أشكال حركة المادة لاتجد حلها باستخدام مصطلحات من خارج ظواهر الشكل المراد تحديد خاصية  من خصائصه، وأنوه أنه من الناحية التاريخية وعندما كانت علوم الميكانيك تتطور برزت حالة تستخدم مصطلحات وقوانين علم الميكانيك وإسقاطها على هذا المظهر أو ذاك من أشكال تجلي الحركة الاجتماعية.

3. وفي القواميس تناول واضح يجعل المرء حذراً من استخدام تلك المصطلحات ومشتقاتها وعلى سبيل المثال فالوظيفة في أحد أهم معانيها هي المنصب، والخدمة المعينة ووظفه ألحقه بإحدى الوظائف.

إنني أختم هذه الملاحظات بالتقدير لكل جهد بذل في صياغة مشروع الوثيقة البرنامجية للشيوعيين السوريين.

 

■ جبران الجابر