مشروع الوثيقة البرنامجية قراءة استثنائية لواقع استثنائي ؟
ربما يبدو إن مشروع الوثيقة البرنامجية التي أصدرها الشيوعيون السوريون خطاب غير مألوف، بالنسبة لما هو سائد في الخطاب السياسي والفكري الراهن... وهو كذلك فعلا ولا سر في ذلك إلا لان كاتبي الوثيقة لهم رؤيتهم الخاصة في قراءة الراهن السياسي العالمي والمحلي والإقليمي وتطوره اللاحق....
فالمنهج الذي تعتمده الوثيقة ينطلق من المستوى الذي وصل إليه الخصم الطبقي العالمي (الرأسمال) وفصيله الصدامي الإمبريالية الأمريكية وانعكاسات ذلك على الظرف الملموس.... أليست الماركسية هي النقيض الموضوعي للإيديولوجيا البرجوازية؟ ولكي نحدد مهامنا بدقة أليس من المفروض معرفة الخصم بكل مكوناته وتجلياته؟ ومن هنا لأجل فهم ما هو خاص يجب فهم العام أولاً، وأعتقد إن هذا أحد مكامن قوة الوثيقة، ومن هنا كان الاستنتاج حسبما أعتقد بان المعركة الراهنة هي معركة متعددة الإحداثيات (وطنية وطبقية) وهي في الجوهر معركة واحدة حسب الوثيقة (التناقض الأساسي بين الرأسمالية من جهة والتي تعبر عنها قوى العولمة المتوحشة في المراكز الإمبريالية والتي يعتبر الرأسمال المالي العالمي طليعتها اليوم وحلفائها المحليين وفي مقدمتهم البرجوازية الطفيلية وقوى الفساد الكبرى في الدولة والمجتمع، وبين القوى المتضررة منها ومن مخططاتها وطنيا واقتصاديا واجتماعيا وديمقراطيا).
- المسألة الأخرى التي من الضروري التذكير بها هي أن الوثيقة تقر بضرورة تجاوز العديد من الأفكار والتوجهات التي تمت صياغة الرؤى السابقة على أساسها فالدولة الوطنية بالنموذج السابق تجاوزها الزمن ولابد من البحث عن دور جديد للدولة وهذا الدور الذي تطالب به الوثيقة رفض لما اصطلح على تسميته بالدولة الأمنية ورفض للنقيض الوهمي الليبرالي (اللا دولة).
ويأتي في هذا السياق أيضا فهم الوثيقة لموضوعة وحدة الشيوعيين السوريين من حيث هي ضرورة وهي ممكنة إذ لا ترى الوثيقة في عملية الوحدة دمجا للفصائل بل تراها عملية متعلقة بالظرف السياسي وبمدى قدرة الشيوعيين على استعادة الدور الوظيفي الأمر الذي سينهي الحالة الفصائلية ليحل محلها ذلك الحزب الفاعل والمؤثر في حياة البلاد.
إنني أعتقد أن الوثيقة على قاعدة معرفية للواقع موضوع البحث وفق منهج علمي قائم على التعامل مع الفكر السياسي كعلم وليس كأحجيات أو قراءة الكف والفنجان، فهي ليست قطيعة مع تراث الشيوعيين السوريين وليست تكرارا ممجوجا له بل تطوير خلاق ومبدع في الظرف الناشئ.. ويبقى الراهن على ضرورة استنباط المهام الأساسية والمباشرة من الوثيقة وممارستها من خلال آليات عمل ملموسة جديدة بدورها تأخذ بعين الاعتبار ليس ما هو كائن فقط بل ما يجب أن يكون وإيجاد تلك الأداة القادرة على تطبيق تلك المهام على ارض الواقع.
■ عصام حوج