تظاهرة دمشق:من القطاع إلى بغداد... المقاومة في ازدياد «يلي بتدور عن الحل، لقمة شعبي هي الحل، والحرية هي الحل»

«لا رهان إلا على الشعب، وأمريكا رأس الإرهاب» التوقيع للحزب الشيوعي السوري ـ تيار قاسيون ـ واللافتة ترفعها شابة ترتدي حول عنقها فولار أحمر عليها مطرقة ومنجل باللون الأصفر، والرفاق الآتين من أنحاء دمشق وبعض المحافظات يحتشدون في ساحة عرنوس ويحتلون هذه المرة مؤخرة المظاهرة، ملقمين بطبل ومكبر للصوت في محاولة لاستعادة تراث الحزب وأزمنته.

الموسيقى تملأ المكان «النشيد الوطني» و«نشيد القسم» و«أناديكم» و«إني اخترتك يا وطني»، الشباب يرتدون قمصان كتب عليها من الأمام «وطن حر بشعب مقاوم» ومن الخلف «كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار»، تتوقف الموسيقى الحمراء قليلاً ويبدأ الحشد بتنظيم نفسه استعداداً للانطلاق، في المقدمة يقف رفيقان أحدهما يحمل صورة كبيرة لتشي غيفارا والآخر يحمل صورة يوسف العظمة وقد كتب على الصورة «على درب يوسف العظمة سائرون»،

 في الزاوية الأمامية من الساحة، أعلام فلسطينية وعراقية يرافقها هتافات تعد باسترداد القدس «العاصمة» وفي الوسط شخصيات أكاديمية تحضر لأول مرة، بينهم الدكتور أحمد برقاوي الذي «تمنى أن تكون هذه التظاهرة باكورة تظاهرات كبيرة تعم أرجاء الدول العربية» فيما قالت الدكتورة ناديا خوست: «إن العدد قليل لأن الكثيرين من أبناء الشعب لا يعرفون بموضوع المظاهرة، ولكن الموجودين هنا يعبرون عن ضمير الشعب السوري في التضامن مع الشعب العراقي والفلسطيني واللبناني».

هاجس العدد سيطر على المظاهرة والصحفيين، البعض قدرها بنحو 2000 شخص والبعض الآخر قالوا أنها أكثر قليلاً، ولكنها في كل الأحوال تعد من أكبر المظاهرات غير الرسمية التي جرت مؤخراً.

حمزة منذر عضو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين قال: «في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب العراقي ضد الاحتلال الأمريكي يحز في النفس أن يكون حجم المشاركة في العواصم العربية أقل بكثير من عدد المتظاهرين في العواصم العالمية» وأكد منذر «على أهمية هذه المظاهرة التي تسير الآن في شوارع دمشق، السباقة دائماً وعبر التاريخ في مواجهة الاستعمار قديمه وحديثه وأحلافه العسكرية» مضيفاً: «بأن حجم المظاهرة لا يعكس ذلك التاريخ المليء بالمآثر والتضحيات في الدفاع عن الوطن... وأنه آن لنا في سورية أن نخرج من دوامة التردد، وعدم الوضوح إزاء ما يحدث وما نواجه من مخاطر جدية تتهدد الوطن كسيادة ومجتمع وبنية وتاريخ وموروث، فالعدوان يطرق الأبواب والوقت المتبقي يشارف على الانتهاء ولكن أين المتاريس؟» مضيفاً: «أن الأولوية الآن هي تعزيز الوحدة الوطنية على أرضية عدم الاستقواء بالخارج على الداخل وبذات الوقت عدم التفريط بالثوابت الوطنية والتأكيد على رأسها اجتثاث مراكز الفساد الكبير التي تشكل بوابات العبور للعدوان الأمريكي ـ الصهيوني المرتقب».

المظاهرة تصل إلى ساحة السبع بحرات بعد المرور بشارع باكستان، والمقدمة تبدو هادئة، حيث رجالات المعارضة الوطنية الذين شكلوا نسقاً، تترفع فوقهم لافتة كتب عليها «تحية لأبطال مقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي في العراق وفلسطين» موقعة باسم التجمع الوطني الديمقراطي، أغلبهم رجال كبار في السن،وبعضهم قضى سنوات في السجن, يليهم لافتة لمجموعة نصرة العراق كتب عليها «نموت واقفين ولن نركع... بحجارتنا نصد النار والمدفع».

الروائية حسيبة عبد الرحمن من حزب العمل الشيوعي موجودة كعادتها في هذه المظاهرة تقول: «جئنا إلى هنا لنعلن رفضنا للاحتلال الأمريكي على العراق أو في أي بقعة من العالم تحت أي شعار كان، فالديمقراطية الحقيقية هي التي تنبع من الشعب وليست تلك التي تأتي على ظهر دبابة» مضيفة: «إلى أنه كلما انتعشت الظروف باتجاه الديمقراطية في هذه المنطقة تحت رايات وطنية يأتي الاحتلال ليضرب هذا التوجه» مطالبة النظام: «بإطلاق الحريات العامة كي يتمكن الشعب من صد العدوان».

أما عبد الحميد حافظ فقال: «نحن نعبر عن موقف الشعب السوري ضد العدوان واحتلال العراق وأمكانية انتقال هذا العدوان إلى خارج العراق باتجاه سورية مما يتطلب تحصين الجبهة الداخلية من خلال إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين وإلغاء قانون الطوارىء وإصدار قانون للأحزاب والدعوى إلى المصالحة الوطنية، حتى تصبح سورية جبهة حقيقية، لأن المستهدف ليس النظام فقط بل الشعب والدولة...».

في حين أكد الدكتور منير الحمش من حزب البعث: «على أهمية هذه المظاهرة التي جاءت للتعبير عن غضب الشارع السوري ضد التهديدات التي لا مبرر لها سوى ممانعة سورية للمشروع الأمريكي.. وهذه المظاهرة هي رسالة إلى الخارج والداخل، خاصة أولئك الذين يراهنون على الحلول الأمريكية في المنطقة العربية والذين يحاولون الاستفادة من هذه الضغوطات لتحقيق أهداف لا يرضى عنها الشعب.. والمظاهرة التي تمثل مجموع المواطنين من مختلف الفئات الشعبية سواء كانت مع ا لمعارضة أو الموالاة إنما هي تعبير عن ضمير الشعب».

المظاهرة تبدو أكثر صخباً في المؤخرة حيث الشبان (الحمر) وهتيفة الحزب الشيوعي السوري «قاسيون» الذين يتنابون في إلقاء الهتافات عبر مكبر الصوت .

 الشعارات الشيوعية لم تقتصر على التنديد بالعدوان الخارجي بل تجاوزتها إلى المطالبة بإطلاق الحريات وتحصين الجبهة الداخلية وتقوية الاقتصاد الوطني وإعطاء العامل حقوقه وعدم التفريط بالقطاع العام «والعمال بأرض الشام... رح يحموا القطاع العام... والأحرار بأرض الشام.. رح يحموا القطاع العام.. واليد يلي عليه تنمد.. راح ينقام عليها الحد».

لافتات وتحتها رجال.. أحدهم يرتدي بزة رسمية لكن أثر العمر وعرق التعب لا يوحيان بغير الشيوعية، عاش 20 عاماً في الحزب ولكنه لم يعد منظماً اليوم «مستقل؟» لا «أنا لا أزال إلى جانب الحزب» إلى جانب، على ضفاف، بالمبدأ، باليسار، صفات كثيرة لأهل الحزب، الإجابات حول العضوية ليست بديهية على عكس الانتماء إلى هوية، إنه حزب الناس الحقيقيين، حزب من اجتمعوا لتعرّف بهم مرة جديدة تلك الكلمات «وطن حر وشعب سعيد... وكرامة الوطن والمواطن هي فوق كل اعتبار».

المظاهرة تصل إلى شارع بغداد، كبار السن في المقدمة تعبوا بعض الشيء، لكنهم يواصلون المسير،أحد المسؤلين في حركة القوميين العرب قال «نحن في هذا اليوم نتضامن مع الشعب العراقي وضد تقسيم العراق ورفض كل كيان يستند إلى شيع دينية.. ونحن كقوميين عرب نتمسك بعروبة العراق ووحدته وتاريخ وترابه ونرفض التواجد الأمريكي في العراق كما نرفض كل التهديدات ضد سورية من خلال توفير كل ما يلزم داخلياً لمواجهة هذا الغزو وهذا التهديد».

أما بهاء الدين الركاب أمين سر جمعية حقوق الإنسان قال: «بأن هذه المظاهرة هي تعبير عن رفض المشاريع الأمريكية التي تريد الهيمنة على المنطقة بشكل عام.. وهذه المظاهرات هي أيضاً للتعبير عن الوحدة الوطنية التي يجب تعزيزها من خلال إشاعة الديمقراطية ومشاركة جميع الأطياف السياسية والبدء بمرحلة المصالحة الوطنية في سورية حتى لا نلقى المصير الذي لاقاه العراق».

في المظاهرة ثمة أشخاص غير سوريين كانوا مشاركين بينهم «محمد الشيخ» رئيس اتحاد طلاب موريتانيا الذي قال: «بأن هذه المظاهرة هي ضد الاحتلال الأمريكي البريطاني على العراق والذي يتزامن مع المخطط الصهيوني في المنطقة، وعلى العالم أن يدرك أن هناك سايكس بيكو وسان ريمو جديدتين، وعلينا أن نعد العدة لمواجهة هذا العدوان».

التظاهرة توشك على الوصول إلى محطتها الأخيرة و(هتيفة) الحزب الشيوعي يزدادون حماسة، «أمريكا انحكمت بالحرب ودولارها نازل بالأرض، والإدارة الأمريكية.. إرهابية صهيونية، وعملاء أمريكا.. ما جابوا إلا الدمار، أمريكا بدا بترول.. حتى تحمي هل الدولار، يا أمريكاني ارحل ارحل.. أرضي ما بتحمل أندال، والإدارة الأمريكية بدها حرب أهلية، والأحرار راح بتصدها... بتصدها بالوحدة الوطنية الوطنية»، فيردد الحشد الأحمر: يا شعبي وحدة.. وحدة، سوريين.. سوريين.

عند مقبرة الشهداء بالدحداح كانت المحطة الأخيرة للمظاهرة حيث ألقى ممثلو القوى السياسية بعض الكلمات التي تؤكد على شرعية المقاومة ودعمها فيما انشغل الشباب بإحراق الأعلام الأمريكية وسط تصفيق وتصفير كبيرين.

■ بعثة قاسيون

 

 تصوير: إسماعيل سويلم