المطلوب توحيد الشيوعيين السوريين وليس القيادات فقط
قدّم الرفيق د. قدري جميل تقريراً حول وحدة الشيوعيين السوريين، هذا نصه:
لقد نظرنا دائماً إلى مهمة تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين كضرورة، واعين تماماً الصعوبات التي ستعترض طريقها، وقلنا إن ذلك الحزب الذي تهمش وتهشم خلال عقود لايمكن إعادة استنهاضه خلال أشهر.
إن الصعوبات لم تسبب لنا الإحباط، كما أن الطموح لتحقيق هذه المهمة النبيلة لم يخرجنا عن رباطة جأشنا.
لقد اجتزنا طريقاً هامة وغير مسبوقة منذ 15/3/2002، ويمكن تلخيص نتائجها بالتالي:
1. تكوّن فعلياً على الأرض تيار وحدة الشيوعيين السوريين ولم يكتب لهذه المحاولة التي لم تكن الأولى في تاريخ أزمة الشيوعيين السوريين الفشل كما كان يتوقع البعض، لأن الرغبة والطموح هذه المرة عكست وتفاعلت مع الضرورة الموضوعية والإمكانية الواقعية.
2. أصبح لهذا التيار قوام في المركز والمحافظات متمثلاً في اللجنة الوطنية نفسها وفي لجان المحافظات وفي لجان وحدة الشيوعيين التي قررنا العمل على زيادتها وهي هكذا تنمو وتزداد كل يوم.
3. في إطار عملية إعادة تكوين الحركة، استطعنا في المجال النظري والسياسي أن نصيغ وثائق هامة عكست القناعات المشتركة حول القضايا المطروحة على أرضية النقاش العام الذي جرى حول مختلف القضايا من أزمة الحركة إلى أزمة الحزب إلى أزمة المرجعية الفكرية إلى المهام السياسية وانتهاءً برؤانا التنظيمية، وكان كل ذلك خطوات هامة على طريق استعادة دورنا الوظيفي في كل الاتجاهات، ومن وجهة النظر العملية قمنا بخطوة غير مسبوقة يجب تعزيزها ألا وهي انتخابات المندوبين للاجتماع الوطني التي أثبتت أنها عملية تفيد التجميع وتعبئة وتحريك الشيوعيين في الاتجاه المطلوب.
على اساس كل ذلك تم صياغة وتدقيق مفهومنا حول وحدة الشيوعيين السوريين التي يمكن القول أن مكوناته هي التالية:
1. أن تحقيق هذه المهمة له طابع برنامجي، ولكن لابد من خطوات تراكمية لتحقيق الانعطاف الكبير في الاتجاه المطلوب، أي أن انتظار الظرف المناسب موضوعياً لتحقيق هذه الخطوة دون العمل ذاتياً بشكل جدي ومستمر وحثيث، بحجة صعوبة أو عدم قرب تحقيقها هو أمر يدفع بالقضية إلى الوراء، لابل يمنعها من التحقيق.
2. إن الحوار هو طريق ضروري للوصول إلى الوحدة، ولكن الحوار ليس مطلوباً بحد ذاته، بل مطلوب للوصول إلى قناعات مشتركة، وإذا كان الحوار ضرورياً على كل المستويات وبكل الأشكال، إلا أن الوحدة بشكلها الملموس لايمكن أن تتحقق إلا عبر طريق واحد وهو من تحت «لفوق».
3. لذلك يرتدي هذا المفهوم أهمية كبرى، لأنه يعني ممارسة الديمقراطية الحزبية الكاملة، كما يعني تثبيت سلطة القواعد خلال هذه العملية دون أي شروط مسبقة أو وصاية من أحد.
4. لقد توضح لنا خلال العمل أن مفاهيم وحدة الشيوعيين والعودة إلى الجماهير واستعادة دورنا الوظيفي هي مفاهيم مرتبطة ببعضها بعضاً وكل منها هو مدخل إلى الباقي وكل ابتعاد عن جانب منها هو استحالة في تحقيق المهام الأخرى، أي أننا توصلنا إلى قناعة أن الحوار بشكله المجرد لايوصل إلى وحدة، بل يوصل إليها إذا ترافق مع عمل ملموس في الشارع بين الجماهير، مما يحقق مجموعة تلك الخطوات الضرورية لاستعادة دورها الوظيفي.
5. كما تبين أخيراً أنه بقدر انفتاح الأفق تاريخياً أمامنا، بقدر ماتتوفر إمكانية استعادة الدور الوظيفي، بقدر مانتقدم على طريق وحدة الشيوعيين السوريين.
ونحن حتى الآن إذا نأينا بأنفسنا عن إعلان حزب أو تسمية فصيل، ليس لأننا متعففون عن ذلك، بل لأننا نريد أن تسمى الأمور بمسمياتها، فهاهي أحزاب بكاملها تسمي نفسها أحزاباً وهي لاتبتعد عن كونها مجرد تنظيمات دون أي دور وظيفي بل في أحسن الأحوال فصائل لاترتقي بمفردها أو بمجموعها إلى الدور الوظيفي التاريخي الاجتماعي المطلوب من حزب حقيقي.
إننا بالحقيقة تيار جدي له طموح أن يعيد استنهاض الحركة الشيوعية باتجاه إعادة تكوين حزبها الشيوعي الذي يلعب دورها المطلوب منه على مختلف الأصعدة، أي أننا مشروع حزب وهذا الحزب يجري العمل عليه وبناؤه لبنة لبنة، وهذا ماأعلناه منذ البداية بصراحة ووضوح بأن طموحنا ليس أن نكون فصيلاً إلى جانب الفصائل الأخرى، بل طموحنا هو تكوين ذلك الحزب الذي يحل محل جميع الفصائل الموجودة. وهذا الأمر بقناعتنا اليوم لايتحقق إلا مع استعادة دورنا الوظيفي، الأمر الذي تفرضه الظروف المعقدة واشتداد الصراع بشكل عام في المنطقة والعالم، إلى جانب النشاط الذاتي الواعي لهذه العملية التي ستترافق مع ضغط شديد على قيادات الفصائل القائمة إما للالتحاق بعملية الوحدة من تحت لفوق أو للإنعزال عنها والخروج فعلياً من الحياة السياسية نهائياً.
لأول مرة مع الأسف الشديد تعلن قيادات الفصائل موقفها السلبي المخالف لوثائقها ومشاعر أعضائها تجاه وحدة الشيوعيين السوريين وتتملص من كل الدعوات إلى الحوار والأعمال المشتركة وصولاً للوحدة، وهذا الأمر لم يكن مفاجئاً لنا بل توقعناه منذ البداية، ولكن ذلك لايمنع استمرار الطلب لفتح الحوار على كل المستويات مع القيادات المركزية والمنطقية، إن تطور هذه العملية يضع هذه القيادات على المحك، ويخرج موقفها الحقيقي من وحدة الشيوعيين السوريين من السر إلى العلن، وهو أمر مفيد.
في إطار الموقف السلبي للقيادات الشيوعية الرسمية، من المشروع أن يطرح سؤال مع من نتوحد؟، إن المطلوب هو توحيد الشيوعيين وليس القيادات، بل أحياناً رغما ًعن القيادات، لذلك فإن الهدف الرئيسي لوحدة الشيوعيين السوريين هو القوى الفاعلة الحقيقية لديهم، أي الشيوعيون في القواعد وعلى مستوى الكوادر الموجودون في التنظيمات وخارجها.
ورب سائل: وما العمل مع الفصائل الماركسية الأخرى التي تطلق على نفسها تسمية الشيوعية، هل نتجاهلها أم ندمجها في هذه العملية؟
طبعاً لايجوز إنكار وجود وفعالية بعض التنظيمات الماركسية على صغر حجمها، ولكننا نعتقد أن الحوار الهادئ معها ضروري للوصول إلى القواسم المشتركة وسيساعدنا تطور الوضع العام في ذلك، ولامانع بانتظار نضوج ظروف التوحيد معهم وفتح حوارات موازية لحوارات اللجنة الوطنية نفسها، بل تشكيل بنى ثابتة نسبياً لإدارة هذه العملية معهم دون الاستعجال بإدخالهم اللجنة دون التزامات سياسية وتنظيمية، لأن الطريق التي قطعناها منذ أكثر من ثلاث سنوات هي طريق هامة وغنية ولايجوز التفريط بنتائجها لاستعجال تحقيق بعض الانتصارات الصغيرة هنا أو هناك.
سنبقى مرحبين بأي حوار مع أي مناضل ثوري ماركسي دون أن نفرط بما أنجزه آلاف الشيوعيين خلال السنوات القليلة الماضية.
على هذا الأساس نقترح أن يبحث اجتماعنا الوطني السادس وثيقة أساسية حول وحدة الشيوعيين السوريين تقف عند ماوصلوا إليه وآفاق هذه العملية والطرق التي يجب أن تستخدم للوصول إلى الهدف، إن وثيقة من هذا النوع ستنشط عملية التوحيد على كل المستويات وستقرب تلك اللحظة التي ننشدها جميعاً.