تحية من شيوعي إلى المؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين
الرفاق في هيئة رئاسة مؤتمر الشيوعيين السوريين
بمناسبة انعقاد مؤتمركم أبعث إليكم بأطيب التمنيات بالنجاح في نضالاتكم لتحقيق المهام البرنامجية التي عرضتموها على مختلف شرائح الشيوعيين وأصدقائهم لمناقشتها.
وبالرغم من أن أي قارئ لصحيفتكم وبرامجكم ونشاطكم، وأي متتبع لمسيرة تنظيمكم قد تكون له بعض الآراء والملاحظات؛ إلا أن الخط العام الذي انتهجتموه يثبت حبكم الشديد لوطنكم وحمل آلامه وآماله وطموحاته من منطلق النظرة الثاقبة لشيوعيين يؤمنون بالنظرية الماركسية اللينينية ويطبقونها بإبداع بعيداً عن أية طموحات ذاتية ومكاسب شخصية أو حزبية ضيقة.
لقد طرحتم منذ البداية توجهكم في معالجة قضايا الوطن مؤكدين على جملة من الثوابت الهامة.
فالمعادلة التي تُطرح غالباً (نظام – معارضة) قد أوضحتم بالملموس وفي كل مواقفكم وأدائكم السياسي هي معادلة مغلوطة، فلقد أدت العقود الماضية نتيجة لظروف تاريخية سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة إلى خلط الأوراق بالنسبة لهذه المعادلة، ولعب تغييب الجماهير عن الساحة السياسية وإلهائه في متاهات الخلافات الحزبية الضيقة؛ دوراً كبيراً في ترسيخ هذه المعادلة المغلوطة، والتي لم يستفد منها سوى بعض الفئات التي طفت على سطح القوى السياسية لتحقيق مصالح شخصية وذاتية. الأمر الذي أدى بالطلائع السياسية الحزبية التي يُفترض فيها الوعي إلى الابتعاد عن مهامها الأساسية والدفاع الأعمى عن كيانات حزبية ضيقة.
كما كان للعنف والعنف المضاد الذي فجرته القوى الرجعية واكتوت الجماهير الشعبية في أتونه، وكذلك استخدام قانون الطوارئ والأحكام العرفية لعقود طويلة دوراً كبيراً في ابتعاد الجماهير عن العمل السياسي.
وهنا أتت دعواتكم إلى التوقف عن قمع الحريات الديمقراطية وعدم توقيف أصحاب الرأي ذات أهمية خاصة، وكانت متجاوبة ومتجاوزة إلى حد كبير مواقف القوى الوطنية المختلفة، وقد عبرت دعواتكم هذه عن رأي الأغلبية الساحقة من قوى المجتمع.
كما وأتت دعوتكم إلى تعاون جميع المخلصين للوطن ضد مكائد الإمبريالية، بغض النظر عن مواقفهم من السلطة السياسية، وسواء كانوا في الحكم أو في المعارضة؛ أتت لتلقي الحجر في المياه الراكدة وتحركها وتهزها، وتنير الطريق أمام مختلف شرائح المجتمع.
وقد مضيتم في هذا الطريق بقوة واضعين له أساساً مكيناً هو الحرب ضد الفساد والمفسدين الكبار.
لقد أوضحتم بمواقفكم هذه أن الفساد الصغير هو تابع للفساد الكبير، وناجم عنه، وأن الفتك ببعض بيوض الثعابين لا يحمي الشعب من سمومها وأنيابها. فالفساد الكبير هو الملهم الروحي للفساد الصغير، والقوى الحية في المجتمع لا يجب أن تضل الهدف ويجب أن توجه ضربتها الأساسية إلى رؤوس الثعابين وليس إلى الأذيال.
هذه الثعابين هي التي نهبت القطاع العام خلال عشرات السنوات وهي التي أوصلته إلى هذا الانحدار الشديد والخسارات رغم إخلاص الطبقة العاملة له ودفاعها عنه. والآن، ثعابين الفساد هذه تريد بيعه!! بل إذا شئنا الدقة تريد شراءه بأبخس الأثمان بعد أن نهبته حتى الرمق الأخير. هذا القطاع الذي بني خلال عشرات السنين الماضية بعرق الكادحين ومساهمة كل قوى الجماهير الاقتصادية والسياسية.
ثعابين الفساد الكبير هذه، رتعت حتى غيرت معالم وطننا ومدننا، حتى أصبحت مدن –ونقول مدن وليس مناطق- السكن العشوائي يزيد سكانها عن سكان المدن النظامية، ولم يكن ذلك ليتم لولا أنها نهبت مقومات الحياة الكريمة من المواطنين، وأخذت ما تبقى لديهم عبر الرشاوي المقنونة لتسمح لهم ببناء سقف عشوائي يحميهم ويسترهم.
وأما القضية الحزبية الهامة:
فهي دعوتكم النظيفة لوحدة الشيوعيين السوريين، أضف إلى ذلك تشكيلكم للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين فكانت الوعاء الواسع لكل من طالته قوانين طوارئ القيادات المتنفذة في الفصائل الشيوعية فوجدوا أنفسهم خارج هذه الفصائل واعتبرتهم قياداتهم أنه لا لزوم لهم عندها.
ولا أنسى بالطبع استمراركم في هذا الطريق وثباتكم عليه رغم كل ما تعرضتم له من ضغوط، ورغم كل المحاولات البائسة لتشويه موقفكم في هذا الميدان.
إن الطريق الذي تسيرون عليه يلهم، أو يمكن أن يلهم، جمهور الشيوعيين السوريين بأن طريق الوصول إلى الحقيقة لا يمر عبر تصفيات المعارضين لمواقف هذا القيادي أو ذاك، والفكر الشيوعي لا يمر عبر قائد أو قيادة.
الفكر الشيوعي هو فكر الحياة، والمادية الجدلية التي وضعت أسسها الماركسية-اللينينية في الحياة ليست نظرية جامدة وميتة، فهي تخضر باخضرار الحياة نفسها، وما يعطيها هذا الاخضرار ليست نقاشات الحلقات القيادية الضيقة، وإنما جميع أعضاء الحزب وجماهيره بمختلف تصنيفاتهم وتعدد ثقافاتهم لأنهم مسام الحزب الخارجي الذي يعيش مع الجماهير ويتعلم منها ويعبرون في الحزب عن شعورها ويدافعون عن مصالحها الطبقية الحقيقية. ولا شك أن ذلك يتم عبر طرح المختلفة للوصول إلى الحقائق وليس عبر طرد الآراء المخالفة وتصفيتها.
لقد أدرك ذلك –ولو متأخراً- الكثير من الشيوعيين وأصدقائهم. وهم في تزايد مستمر.
إن الحياة التي أكدت على رأيكم في أن الوطن بحاجة إلى جميع أبنائه، وأن الأساس اليوم ليس ثنائية (معارضة-نظام)، هي تؤكد اليوم أيضاً في هذا الجانب أن الشيوعيين السوريين الحقيقيين بحاجة إلى جميع الرفاق ومن مختلف الفصائل الشيوعية، وأنه لا ثنائية ولا حتى ثلاثية في هذا الموقف، وعلى قواعد الفصائل الشيوعية كافة مهمة كبرى في هذا الميدان وهي مهمة أكبر بكثير من مهمة قياداتهم من أجل العمل الجاد والدؤوب من أجل وحدة جميع الشيوعيين السوريين.
لقد كانت التنطيمات الشيوعية ومازالت حتى الآن وخصوصاً في القيادة تقيس أعضاء تنظيمها بالمسطرة، وكل ما يزيد أو ينقص عن هذه المسطرة لا لزوم له في تنظيمها، وكان وما زال البحث لدى هذه القيادات عما تحتاجه من تنظيم وأنصار، وليس البحث بين الرفاق وبين الجماهير عما يحتاجه النضال أو يحتاجه الحزب من مناضلين، رغم أن هذا هو التقييم الحقيقي لحزب الطبقة العاملة السورية.
إن الخروج من الحزب يجب أن يكون لمن ملّ من أن يكون طليعة للناس، لمن ملّ من التضحية بالنفس والمال والجهد والعرق، وليس لمن يريد إعادة الاعتبار للقب الشيوعي بين الجماهير. الجماهير بحاجة إلى طليعة حقيقية تبحث عن مصالحها العامة، وليس عن مصالح آنية وذاتية ضيقة، هذه المصالح التي شكلت سبباً أساسياً في انحدار العمل السياسي عامة والشيوعي خاصة، وربما ساعدت ظروف العمل الوطني العامة خلال العقود الأخيرة على ذلك وفتحت الطريق أمامه.
وأما القضية الثالثة:
فهي نقطة اللوم عليكم، وربما أكثر من الآخرين، ألا وهي ضرورة الإلتفات إلى الجماهير.. إلى العمل بينها ... وفي عمقها.. والنضال من أجل مصالحها، في كل يوم .. وفي كل ساعة.. ولا يجب الاكتفاء بالموقف النظري الصحيح.. فالرؤيا الصحيحة والخطاب الصحيح يحتاجان إلى ممارسة على الأرض لكي تتلمسها جماهير الكادحين.
إني أعلن بأسف أن الجماهير سمعت الكثير وشاهدت الكثير وعرفت الكثير، وهي إذ كانت تريد معرفة المواقف فمن أجل أن تفرق بين الفصائل، ولكنها في الوقت ذاته لم تعد تثق بالأقوال.
ويشمل ذلك السياسي كما يشمل الاقتصادي والاجتماعي.
إن ما تعرضنا له من انقسامات لا يجب لها أن تلهينا عن هذه المهمة الحساسة، يجب أن نكتسب اللياقة مجدداً لإعادة قدرة الشيوعيين على قيادة الجماهير واكتساب ثقتها التي فقدناها إلى حد بعيد.
فبدون النضال بين الجماهير تصبح وحدة الشيوعيين حلم غير قابل للتحقيق، وبدونه أيضاً لا يمكن قيادة النضال الوطني، وبدونه يصبح الحديث عن الحريات وإلغاء قانون الطوارئ استجداءً بعيداً عن التحقيق، وبدونه أيضاً يبقى الفساد طاغياً، ويصبح حشد القوى لمواجهة الهجمة الأمبريالية الصهيونية ومرتكزاتها الداخلية في أضعف نقاطه.
أتمنى من جديد للمؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين النجاح في عمله، ولتنظيمكم النجاح في تحقيق المهام الأساسية.