علي الحسين علي الحسين

تعدد المبادرات.. وبيت القصيد!

من جملة النتائج الأولية للحركة الشعبية أنها حركت المياه الراكدة في الوسط السياسي السوري، وفرضت على أغلب القوى والنخب السياسية الانخراط في النشاط، كل من موقعه وكل حسب مصالحه ودوره، وعلى أثر ذلك كثرت وتكثر المبادرات كحلول افتراضية للأزمة الوطنية الراهنة، وبغض النظر عن النيات الطيبة نعتقد أن معظم المبادرات والمواقف لم ترتق إلى مستوى الحدث وأبعاده ومآلاته المحتملة، وتعاني في الحد الأدنى من القصور المعرفي في فهم الواقع السوري.

وجوهر المشكلة هنا تكمن في القراءة الأحادية الجانب للواقع السوري، ونقصد بذلك التركيز على مهمة واحدة من جملة المهام التي يفرضها الواقع الموضوعي على كل من يهتم بالشأن السياسي السوري.. فالمعارضة التقليدية تضع القضية «الديمقراطية» كهدف أول تخضع له الأهداف الأخرى، والنظام يضع «القضية الوطنية» في المقام الأول، وكل ما عدا ذلك يجب أن يتأجل، أما القضية الاقتصادية الاجتماعية وتحديداً قضية الفساد مؤجلة عند هذا وذاك، إلى أن يشاء رب العباد، بينما هي برأينا بيت القصيد وجوهر الأزمة الوطنية الراهنة... لماذا؟

أولاً: نعتقد أن الفساد هو الأب الروحي للقمع، فمن يقمع لا يمارس هواية، بل يفعل ذلك لتحقيق هدف محدد، والهدف هنا هو الحفاظ على ما تم نهبه عن طريق الفساد، ومن هنا فإن المواجهة الحقيقية للقمع تبدأ بنسف أسبابه ومبرراته، ولذلك لا معنى لأي نضال ديمقراطي في الظرف السوري الراهن إلا إذا اقترن بالنضال ضد الفساد. 

ثانياً: إن إعلان الحرب على الفساد هو المدخل إلى بناء اصطفاف حقيقي في المجتمع السوري على أساس ثنائية الناهب والمنهوب، وليس على أساس ثنائيات وهمية طائفية أو قومية أو ما شابه، وذلك باعتبار أن أغلب السوريين، وبغض النظر عن انتماءاتهم، كانوا ضحيته بهذا الشكل أو ذاك، ومن مصلحة الجميع النضال ضده.

ثالثاً: في ظل مستوى الفساد الحالي في نهب الثروة الوطنية، والذي دمر البنية المجتمعية باتجاه مكونات ما قبل الدولة الوطنية، وطعن الوحدة الوطنية في الصميم، وكوّن أغلبية شعبية منهكة توصل الليل بالنهار لتأمين لقمة الخبز، لا يمكن عملياً مواجهة أي خطر خارجي مهما كانت النوايا طيبة.

وبناء عليه، فإن النضال ضد الفساد الكبير كمهمة أساسية، والعمل على استئصاله، هو الخطوة الأولى نحو الحل الإنقاذي الحقيقي، وهو الذي سيعطي الحركة الشعبية زخماً، وسيعزز المناعة الوطنية، وبالتالي هو نضال وطني لمن يهمه الوطن، وهو نضال ديمقراطي لمن تهمّه قضية الديمقراطية.