عدوى الفكر الاشتراكي تنتشر من جديد
مع الانهيار المؤقت للدول الاشتراكية والاتحاد السوفياتي، ظن البعض ممن أصبحوا الآن قلة أن الاشتراكية انتهت، والماركسية اللينينية أفلست، والرأسمالية أصبحت أبدية، وهي بحسب زعمهم باتت قلعة «للديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«العدالة» والكثير من الشعارات البراقة.
وكما قال د. أحمد البرقاوي في مقالته - القومي واليساري والتوبة على الطريقة الدينية: (يبدأ التائب بالندم على التاريخ الطويل الذي قطعه، ويعتبر تاريخه الكفاحي نوعاً من الرذيلة، هكذا يرى، وأن الصراع الطبقي كان مؤامرة، وأن الفقراء سيدمرون الحضارة، ولا يكتفي بذلك، بل يكيل الشتائم علنا لماضيه وماضي رفاقه).. ولا يكتفي بعض التائبين ممن يعتبرون أنفسهم من صفوة المثقفين بنشر هذه المفاهيم، بل البعض منهم بات يخجل في أدبياته من ذكر الماركسية اللينينية لأنها أصبحت كما يزعمون موضة قديمة ونوعاً من التخلف الفكري الذي ينأون بأنفسهم عنه. علما بأنهم في أيام الانتصارات كانوا من أشد المزاودين في الدفاع عن الاشتراكية والماركسية، وباتوا الآن يبحثون عن كيفية التخلص من «التهمة» الملتصقة بهم، وهي تهمة الاشتراكية والماركسية، وكل ذلك من اجل إرضاء القوى الرجعية والظلامية وبعض القوى القومية الشوفينية والمتعصبة. ولكن كل التطورات في المنطقة والعالم تؤكد على بطلان تلك المزاعم، وتلك التوبة الجبانة والانتهازية. وكما قال الفيلسوف جون بريمون: «الشيخوخة هي أن يحل الأسف على ما فات، محل الأمل بما هو آت». وهذه المقولة تنطبق تماما على هؤلاء التائبين الذين أصابتهم الشيخوخة الفكرية باكرا.
نعم كانت هناك أخطاء، وكانت هناك ممارسات خاطئة أساءت إلى الاشتراكية والى سمعة الشيوعيين وأكثر الإساءات أتت من تصرفات بعض القيادات التي لم تفكر إلا بمصالحها وامتيازاتها، وكذلك من بعض الذين كانوا لا يفقهون من الماركسية شيئا سوى بعض العبارات التي كانت تخدمهم وتخدم ممارساتهم البعيدة كل البعد عن الأخلاق الشيوعية وعن الفكر الماركسي اللينيني. وكان لممارساتهم الدور الأساسي في إبعاد الألوف من الشيوعيين. وما زالوا إلى الآن يعرقلون وعن قصد أي تقارب أو تنسيق بين الشيوعيين خوفا على مصالحهم الشخصية.
إن الماركسيين الصادقين والذين آمنوا بالماركسية عن وعي وإخلاص وصدق، مبتعدين عن الغايات الشخصية لم يتزعزعوا أبدا بالرغم من كل الزلازل والانهيارات، واستمروا بالدفاع عن النظرية كفكر متطور ومتجدد ومرشد للعمل.
وأتذكر جيدا ما قاله الرفيق خالد بكداش في أول اجتماع للجنة المركزية للحزب بعد الانهيار، حيث ردد ما قاله أبو بكر الصديق عند وفاة الرسول (ص): من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله (جل جلاله) لايموت.
متابعا، وهكذا لقد انهار الاتحاد السوفيتي، ولكنه انهيار مؤقت، والماركسية موجودة قبل ظهور الاتحاد السوفيتي، ولن تموت مادام هناك استغلال وهناك طبقات. فقد كتب ماركس وأنجلز البيان الشيوعي ولم يكن هناك إلا 400 شيوعي في العالم، وأكدوا على حتمية انهيار الرأسمالية وحتمية انتصار الاشتراكية ، وبدأ حزبنا بأربعة رفاق ، وتعلمون الآن قوة الشيوعيين السوريين، وختم كلامه مؤكدا بان ماجرى مؤقت، وسياسة القطب الواحد لايمكن أن تستمر وعلينا أن نتابع نضالنا بالرغم من كل الصعوبات..).
ولقد كتب الكاتب السوري عبد الكريم الناعم في جريدة تشرين مايلي: أنا أعلم أن ثمة من يضحك ساخرا من ذكر الاشتراكية في زمن انهارت فيه المنظومة الاشتراكية، وفي زمن يفوز بالسيطرة على المال العام، من لا رب لهم ولا انتماء إلا ثرواتهم ويستندون علنا أو خفية إلى سيطرة النظام الرأسمالي الشيطاني ممثلا بالبغي الأميركي، حتى لكأن الحق هو في جانب القوة. وهذا انحراف خطير، أتمنى على الذين يعترضون أويسخرون من مفردة الاشتراكية أن يقدموا حلا عادلا آخر، هذا إذا كانوا يؤمنون بشيء من العدالة الاجتماعية، التعبير المخفف للاشتراكية).
والأحداث والتطورات اللاحقة تؤكد على صحة ماقاله هؤلاء المناضلون المتفائلون ثوريا وعلميا وبطلان توبة التائبين المتخاذلين. فهاهي كوبـــا الصامدة تحتفل بعيد ثورتها ال45، وشافيز - غيفارا الجديد- يحتفل بمناسبة نجاحه للمرة الثانية لرئاسة البلاد لـ6 سنوات أخرى وهو يخطو بخطوات حازمة نحو الاشتراكية، وكذلك نجاح موراليس في بوليفيا، ولولا في البرازيل، وأورتيغا في نيكاراغوا، وانتصار المقاومة الوطنية في لبنان ضد الجيش الإسرائيلي الذي كان يوصف بالجيش الذي لا يقهر، وكذلك استمرار المقاومة الوطنية في العراق ضد الاحتلال الأميركي الذي يحاول جاهدا تشويه سمعة المقاومة العراقية بنسبه إليها عمليات القتل والتصفية التي تجري بحق المدنيين والأبرياء، وصمود إيران وسورية وكوريا ضد العربدة الأميركية، والتحرك الصيني للعب دور اكبر في السياسة العالمية واجتماع الأحزاب الشيوعية في البرتغال وكذلك المؤتمر العالمي التضامني مع المقاومة الوطنية في لبنان الذي حضره أكثر من -400-شخصية عالمية يمثلون قرابة /260/ هيئة ومن بينهم وفد كبير من قيادة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين كان له دور هام ومتميز.
إن الامبريالية الأميركية ماتزال تعربد وتقتل الآلاف في شتى أنحاء العالم من أجل الهيمنة على الشعوب ونهب خيراتها، ولكنها مع ذلك تعيش في أزمة خانقة، وتلقى هزائم متلاحقة في أكثر من مكان، لأنها مازالت تملك الكثير من الإمكانيات المادية والعسكرية مما يستدعي ويتطلب المزيد من التضامن الأممي والمزيد من النضال ضد العولمة الأميركية الساعية لتمزيق الشعوب والحركات الوطنية في المنطقة وفي العالم.
■ عبد العزيز حسين