الحركة الشعبية في مواجهة الرأسمالية
بات العالم أمام مرحلة تتسم بانفتاح الأفق أمام الحركة الثورية العالمية بعد تراجع دام أربعين عاما تقريباً. وخاصة بعد أن دخلت الرأسمالية في أزمتها الحالية التي تختلف عن سابقاتها, بعمقها واستعصاءاتها, وبالتالي في محاولاتها الحثيثة للبحث المستمر عن المخارج, من خلال الحروب وما ينتج عنها من الدمار وبالتالي ما يتطلب من إعادة إعمار لما دمر على نفقات الشعوب. ولاسيما أنّ الأزمة الحالية هي أزمة فيض إنتاج المال والسلاح, وما تشهده منطقتنا من حركات شعبية ذات أسس موضوعية خارجة عن إرادة مختلف الأطراف السياسية الداخلية والخارجية وهي غير معزولة عنهما في سياقات تطورها,
وهي موجهة بالعمق إلى الامبريالية العالمية من خلال استهداف نقاط استنادها وبوابات عبورها في الداخل, والمتمثلة بقوى النهب والفساد الكبرى للبرجوازية الكومبرادورية العميلة, ومنظومة الاستبداد الحامية لها, والتي من خلالها وبواسطتها يتم الاستنزاف الكبير, والتي تسعى جاهدة لفتح ميادين واسعة للنهب الإمبريالي في بلدانها, للحصول على نسبة بسيطة جداً لا تتجاوز 10_15% من حجم النهب العام. فمن هذا المنطلق لا يمكن فصل هذه الحركة الشعبية الناهضة عن النضال العام ضد الرأسمالية «المركزية». (ففي سورية فقط يصل وسطي حصة الفساد إلى 30% من الناتج المحلي، والبالغة قيمتها نحو 900 مليار ليرة سورية وهي تضاهي إجمالي ما ترصده الدولة في ميزانيتها السنوية طوال السنوات السابقة).
وبالتالي فإن مواجهة التدخل الخارجي ورفضه هي مواجهة لقوى الفساد الكبرى في جهاز الدولة والمجتمع, التي تستمد قوتها أصلاً من تشابك مصالحها مع المراكز الرأسمالية، والتي لا توفر جهداً لتوتير الأجواء وخلط الأوراق وهي تسعى لرفع منسوب الدم وارتكاب مجازر بحق الجماهير, لحرف الحركة الشعبية عن مسارها ودفعها قسرياً في اتجاه إجباري ووحيد, وهو القبول مكرهة بالتدخل الخارجي كمخرج علقم, وكل ذلك خوفاً من العقاب, وبالتالي واهمٌ من يعتقد بأنّ رفع راية النضال ضد الامبريالية والصهيونية تروق لآلة القمع والنهب وتخدم سياستها.
- هذا وبسبب غياب القوى السياسية الواعية والقادرة على تأطير طاقات الجماهير الناهضة وتوجيهها وحثها نحو أهدافها الحقيقية, بدأت قوى سياسية ذات طبيعة تقليدية, مدعومة من قوى خارجية, تستغل المطاليب المشروعة والمحقة للجماهير وتركب موجتها, انطلاقاً من الواقع الأليم الذي يتطلب إصلاحا فورياً, اقتصاديا –اجتماعيا وسياسيا وديمقراطياً شاملاً وجذرياً, بما يحقق الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية. إنّ هذه القوى, التي تجاوزها عمليا التطور التاريخي, وتجاوز خطابها وتوجهاتها ومشاريعها, هي مكوّن أساسي من الفضاء القديم وتحاول بدورها ونشاطها أن تعيدنا إلى مراحل ما قبل الدولة الوطنية.
- إن فضاء سياسيا جديداً يتشكل, وينبغي فهمه باتجاهاته وعناصره المختلفة, وإنّ حركة التغيير تجتاح العالم كله وستفتح آفاق رحبة أمام نضالات الشعوب, وإنّ سياسة الاستكبار والاستعلاء وكذالك سياسة تقسيم مناطق النفوذ وإعادة توزيعها, ولّى زمانها ونَفَذَت صلاحيتها نتيجة للتطور الهائل للقوى المنتجة ولبنية الوعي الاجتماعي, بما فيه التطلع الكبير نحو الحرية والعدالة الاجتماعية, الأمر الذي يتطلب علاقات إنتاجية تتناسب وهذا التطور من جهة, ويتطلب تغييراً في البنى الفوقية ضمن كل مجتمع, وبين المراكز والأطراف من جهة أخرى, فعلى الجميع أنْ «يُفرْمِت» وعيه ويفعّله بنظام تشغيل جديد يتناسب وهذه المعطيات, ليُقلِع بصورة منتظمة على أساس التطور الواعي الحر وعلى قاعدة التكافؤ والتكامل في إطار المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة.