محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

القضاء سيد الوطن!

مرّ يوم جديد في قصر العدل يختلف عن أمثاله – فيما أحسب – في جزئية إحياء الحقيقة الغائبة, والمتمثلة في هيمنة القضاء, وسلطته, واستقلاله, وإنصافه!
فلكم حدثتكم عن كرامات المواقيف المهدورة, ولكم كتبت لكم عن فرط الإساءة التي يتعرض لها مواطنو قصر العدل الكريمون!!

ثم كان صباحٌ معتاد, وكانت حافلات المواقيف تتوافد تترى, قاصدة بوابة القصر المهيب, وكنت هناك – لمرة جديدة وبحظ جديد – فقد رأيتهم ولم يروني, لأنهم كانوا.. عيونهم معصوبة, وأيديهم معكوفة, ورؤوسهم مخصوفة! يساقون كما تساق الإبل الضالة, ويضربون كما تضرب الخيل المتمردة, ويسمعون من الكلمات ما تأبى أن تسمعه العبدة فضلاً عن الحرة!

وما لبث أن أطل رئيس النيابة الموقرة بدمشق بهيبته المعتادة, بعد عدة شكايات, عن هذا المنظر المؤذي الذي بدأ يتكرر يومياً, وكان سوءه قد بدا يتبدى للبعض طبيعياً, فما كان من الرئيس إلا أن استجلب رئيس الدورية معنفاً, فكان جواب الأخير أنه يتبع الأوامر!

عنصر الأمن إنما يتبع أوامر ضباطه, فهو لم يتعلم أن رئيس الضابطة العدلية إنما هو القاضي, ودون أن يعي أن النائب العام إنما تتبع له وتعاونه وتأتمر بأمره.. قادته الأمنيون الذين وجهوا له الأوامر!

مضى العنصر إلى حال سبيله, لكنه ما لبث أن أعاد الكرة في اليوم التالي, محضراً من المواطنين – المجرمين بنظره – مالا تقبل حضارة في العالم أن تفعل بأعدائها لا بمواطنيها شبيه ذلك!
هنا احتدم الموقف واشتدت العزائم بين القاضي وعناصر الأمن, الأخيرون الذين يعتبرون ذواتهم أرباب هذا الوطن, والأول الذي يمثل بعلمه وثقله ومكانته وعمله.. القانون والسيادة والعدالة!
صدقوا أو لا.. كان ذلك هو الانتصار الأول الذي أراه بعيني, في صراع الحق والباطل, والذي تغلب فيه الحق، فقد أمر رئيس النيابة العامة بتوقيف العناصر المخالفة للقانون, والمخالفة للأوامر, والمخالفة للتنبيهات, معرضاً بذلك.. بسيادة رجال الأمن على القانون, وفارضاً الحالة السليمة وهي سيادة القانون, وإدارة القضاء, وسطوة الحق!
قال البعض متفاجئاً: إنها هزيمة لقوى الأمن المتعالية منذ سنين طالت, والتي ما عادت ترى أمامها إلا ذواتها, وما عادت تعبأ بمن قد يوجهها أو يأمرها, فهي - دون ريب - الآمر الناهي, وهي السيد الذي لا يدانى! وأنـّى لمثلي أن يعترض!
لكن فيما يبدو أن مقالاتي التي اعتادت النقد, وإظهار العيوب, وتوجيه الخطأ للصواب, قد تحولت اليوم إلى مقالة تبدي إعجابها, وتتغزل بجمال من تتحدث عنه!
 
كيف لا؟! والمتغزل به هو من يستحق أن يكون محط إعجاب القاصي والداني, فهو الضمانة الحقيقية, وهو الملجأ الذي يلقي في عتباته المثقلون أحمالـَهم!
القضاء هو السيد الذي لا سيد فوقه, وهو الآمر الذي لا صوت فوقه, وهو الحق الماثل الذي لا باطل فوقه, وهو الأمان الذي لا خوف فوقه!
لا رجال أمن, ولا ضباط, ولا قيادات, ولا سواهم, قد يعلون فوق القانون أو يمرقون, فالقضاء صاحب السيادة, هو الكفيل بمحاسبة المخطئ منهم و المسيء.
القضاء.. برجالاته العظماء, وبفقهائه الحكماء, وبعظمائه الرحماء..
لا شك أنه سيسود الوطن عدلاً...
لا أحد فوق القضاء...
احترامنا وتقديرنا واستجابتنا وصلواتنا.. للقضاء وسيادته!
لأن القضاء – دون شك - هو سيد الوطن!