الشعب السوري محروم من معارضته
أن تكون ثورياً فهذا لا يعني بالضرورة أن تؤيد «الثورة السورية ضد بشار الأسد» ووصفاتها الأسبوعية، وأن تكون مع حق الإنسان في الحرية والتعبير فهذا لا يحتم عليك تأييد كل منظمات حقوق الإنسان واعتبارها جميعاً من جنس الملائكة، كما أن عداءك وتخوفاتك من أي قرار قد يصدر بحق سورية من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يعني أنك تنكر على الشعوب نضالاتها ضد الظلم ومحاولاتها المستمرة لخلق الأطر التي تتضامن من خلالها مع نضالات الشعوب الأخرى..
يحلو للبعض أن يسقط عنك هذي الصفات، وحجته- التي قد تبدو مقنعة للكثيرين بكل أسف- أن أوقات الأزمات تتطلب أوسع التحالفات، فلابد من التغاضي عن الأمور الخلافية، سعياً لتشكيل قوة موجهة ضد العدو الرئيسي، ولاحقا لك أن تحل مشكلاتك مع خصومك الثانويين..
في سياق الكلام عن الحليف والعدو تبدو القصة الطريفة التي تناقلتها الألسن عن تظاهرات كثيرة جديرة بالتأمل، ففي بعض التظاهرات كان عنصر الأمن المتخفي بلباس مدني يدخل بين المتظاهرين ويختار أشدهم حماسة، فيشجعه على اعتلاء ظهره ليهتف بالجموع، ثم يقوده إلى سيارة الاعتقال محمولا على الأكتاف!!! أفلا يمكن لبعض قوى المعارضة المشبوهة أن تحمل الحراك اليوم على أكتافها، لتجره إلى جحيم لا يلتقي وغاياته، ولا يحل التناقضات والأزمات التي أوصلت الحال إلى ما وصل إليه؟؟ نعم، لقد ارتاب الشعب السوري من كثير من قوى المعارضة، لكنه مع ذلك يبحث عن ممثليه وعن القوى المعارضة التي يريدها أن تنطق باسمه.
لم يجد البحث في المعارضة التقليدية، فأحزاب الجبهة قد هجرت الجماهير منذ عقود، وهامش الحريات السياسية المتاح وغياب قانون أحزاب وقانون إعلام، وعدم استقلالية النقابات... كل ذلك جعل الشعب السوري يتيماً بلا قوى معارضة يضمها سقف الوطن.
عملت صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد» على الفيس بوك على تنصيب نفسها قائداً للحراك االشعبي، وهي ذاتها الصفحة التي دعت إلى يوم الغضب في شباط دون أن تلقى صدى يذكر لدى السوريين، إلا أنها عملت بعد انطلاق الحراك الشعبي على أسس موضوعية على قيادتهم من خلال العزف على وتر آلامهم ودمائهم التي أريقت، وعملت على التعويض عن التعتيم الإعلامي، وخاصة المحلي (الوطني) الذي عانى منه الحراك، ودعت السوريين لإيصال صوتهم للعالم، عل هذا العالم يتخذ قرارا بحماية مدنيي سورية!
لم يخرج مؤتمر أنطاليا عن هذا السياق، وكان جل ما وصل السوريين منه، صور كثيرة للإتجار بالدم السوري.. هتافات من داخل القاعة تنادي بإسقاط النظام، شخصيات نصبت نفسها معارضة باسم الشعب السوري، لا يعرفها من شعب سورية حتى المهتمين بالشأن السياسي، وإعلان عن لجنة تمثل العشائر السورية!
غالبية الشعب السوري لا تشعر بالارتياح للمعارضة التي فرضت عليه، والتي تعطي للحراك اسماءً في كل جمعة، كان منها «جمعة العشائر» التي سلبته اسمه كشعب سوري وأرجعته قبائل، وكان الرد المناسب على مؤتمر انطاليا ومؤتمر بروكسل وكل ما يمثل التآمر على سورية، هو بحوار وطني شفاف علني ينقله الإعلام للسوريين جميعاً، ليفرزوا قياداتهم وممثليهم، وليخرج بقرارات حقيقية تمثل برنامجاً لإنقاذ الوطن، فيكون النظام مسؤولاً عن تنفيذه أمام الشعب، ويتاح للشعب أن يختار من طيف المعارضة الوطنية ممثليه.
الحوار الذي وعد به السوريون سار في مسارات أخرى، في غرف ضيقة ولقاءات فردية، لم تقدم للجماهير التي نزلت إلى الشارع شيئا حتى الآن، وأبقته شعباً حرم طويلا وما يزال محروماً من معارضته، الأمر الذي لم يعد مزحة، وقد يعرض الوطن للخطر..