حقّ العودة.. وعودة الحقوق
ارتبط الحديث عن «حق العودة» كمصطلح عن حقّ عودة الفلسطينيين إلى أرضهم المقدسة.. إلى بيارة البرتقال والليمون ومعصرة الزيتون، هذا الحق الذي بدأت بوادر المطالبة الشعبية العارمة به في ذكرى يومي النكبة والنكسة، وهما اللذان سببهما كفجيعتين متتاليتين التآمر الاستعماري الصهيوني والخونة من الحكام العرب ومن لفّ لفهم.. كما ارتبط هذا المصطلح، بشكل أو بآخر، بحقّ عودة النازحين من الجولان إلى ديارهم فيه.. إلى تلاله الشامخة وجبل الشيخ بوقاره وإلى كروم العنب وبساتين التفاح والدراق.. فكلا الحقين لا يختلف عليهما أحد من الشرفاء، وإنما تناساه البعض ويتجاهله آخرون، والحقيقة أن الفاسدين همُ الذين لا يريدونه حفاظاً على ما نهبوه وقبضوه من ثمن دماء الشهداء مذ ميسلون إلى الآن..
ولكن ما أريد التحدث عنه في هذه المقالة بوصفه حقّاً للعودة، هو عودة الجماهير إلى الشارع.. وعودة الحقوق للمواطنين وهي كما أراها تكمن في ما يلي:
حقّ المواطن أن يعود ليختار ممثليه وقياداته دون أن تُفرض عليه شخصيات محددة، من جهات محددة، ومعظمها لا تُجيد إلاّ النفاق والتزلف وانتهاز الفرص..
حقّ الجماهير أن تعود إلى الشارع لتعبر عن رأيها الذي كممت الأفواه فيه فروع الأمن بالقمع والتعذيب والقتل..
حقّ الطلاب أن يختاروا ما يرغبون أن يدرسوه ليقوموا بواجبهم تجاه الشعب والوطن، ويمارسوا السياسة ويعبروا عن انتمائهم المصادر، ويتظاهروا ويسقطوا المشاريع الامبريالية كما فعلوا في الخمسينيات..
حقّ العمال بأن يضربوا ويعتصموا ضدّ من يغتصب حقوقهم ويسرق جهدهم ، ويبتلع مكاسبهم وينهب ما ينتجوه في معامل الوطن..
حقّ الفلاحين بأن يبقوا في أرضهم وحقولهم، لا أن يقتلعوا من جذورهم، ويربوا ماشيتهم وطيورهم، وأن يقبضوا ثمن قمحهم وقطنهم وشوندرهم وذرتهم ويقدموا لأبناء الوطن أمنهم الغذائي بدل أن يسرقه السماسرة والتجار والمتنفذون..
حقّ الشباب أن يعملوا ويبنوا أسراً ويجدوا مسكناً يؤويهم ويحميهم من جشع تجار البناء ويقيهم حرّ القيظ وبرد الشتاء..
حق الأطفال أن يعودوا ليتعلموا ويلعبوا في باحات مدارسهم ويمارسوا طفولتهم المسروقة و«شقاوتهم» الممتعة.. وليس شقاءهم وتدهور حياتهم ومعيشتهم ومستقبلهم..
حقّ النساء أن يعدن ليتزين بأزيائهن الشعبية وما يرغبن من لباسٍ ويتبرجن ويتمتعن بحقوقهن، بعد أن يعدن من العمل في المعمل والحقل والدائرة التي يعملن بها، وأن تختار الفتاة منهن حبيبها وزوج المستقبل، لا أن تكون سلعةً تباع وتشترى أو أن تكون أداة للمتعة وللإنجاب وتسجن بالعادات البالية وانتقاص الحقوق وتغلق عليها النوافذ والأبواب..
حقّ المريض أن يلجأ إلى المشفى ويجد الدواء لتعود له صحته التي أنهكها التلوث والجوع والفقر والكبت والاحتقان الاجتماعي والعمل في الليل والنهار..
حقّ المؤمن أن يعود ليمارس عبادته وطقوسه وشعائره دون خوفٍ أو وجلٍ ودون أن يستغله أحد من الذين طردوا من النافذة في الظاهر وعادوا من الباب علناً لمآربهم.. أو يكفره البعض من المنافقين وممجدي السلطان.. أو ممن غشيت قلوبهم وعقولهم وأعينهم.. فالدين لله والوطن للجميع وله كرامته..
حقً المواطنين ليعودوا ويتنشقوا الحرية ويتطلعوا إلى الشمس في النهار، وأن ينظروا إلى النجوم في الليل ويجولوا في رحاب الوطن ويمتعوا أبصارهم بأوابده وجباله وأوديته وشواطئه وأنهاره ويحلموا بمستقبل سعيد.. دون أن يرهبهم قمعٌ أو شبيحة أو بلطجية، أو يعيقهم فقر أو قرف أو ضيق وقت..
حقّ العودة هذا ليس منةً من أحد.. ولا يُعطى، وإنما ينتزع انتزاعاً وثمنه تضحيات الشرفاء ودماء الشهداء وتعاون الوطنيين المخلصين..
حقّ العودة هذا باختصار.. هو كرامة الوطن والمواطن التي يجب أن تكون دائماً وأبداً فوق كل اعتبار..