الاستفتاء الرئاسي.. ماذا يريد الشعب؟
مع صدور هذا العدد، يكون قد تبقى ساعات قليلة لتوجه الناخبين السوريين نحو صناديق الاقتراع للإدلاء باصواتهم في الاستفتاء على ترشيح السيد الرئيس بشار الأسد لولاية دستورية جديدة..
والمواطن السوري حينما سيضع ورقته بصندوق الاقتراع، فهو سيبدي رأيه ويحدد موقفه من جملة من القضايا الأساسية التي عبر عنها رئيس الجمهورية في الفترة الماضية، وكانت نقاط علام هامة في خضم الأحداث السياسية الخطيرة والمعقدة التي مرت بها المنطقة والبلاد....
فهو سيتذكر ماقاله رئيس الجمهورية على مدرج جامعة دمشق في تشرين الثاني 2005، حينما أشار إلى أن «المنطقة أمام خيارين لاثالث لهما، إما المقاومة والصمود، أو الفوضى.. لايوجد خيار آخر، والمقاومة هي التي تمنع الفوضى، والمقاومة لها ثمن، والفوضى لها ثمن.. لكن ثمن المقاومة والصمود أقل بكثير من ثمن الفوضى...».
وكذلك سيتوقف عند ما أكد عليه في مؤتمر اتحاد الصحفيين حين قال: «إذا كان المقاومون مغامرين، فهل نستطيع أن نقول إن يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش وحسن الخراط وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي، هؤلاء مغامرون؟ هل سعد زغلول في مصر وسليمان الحلبي الذي قتل كليبر في مصر أيضاً، وهو سوري، وجول جمال الذي فجر نفسه بإحدى السفن الفرنسية، وكان أول استشهادي في المنطقة العربية، وأيضاً هو من سورية.. هل كل هؤلاء أيضاً مغامرون؟؟».
وسيؤيد بلا أي تردد ما قاله حينذاك: «إذا كان الوقوف مع المقاومة تهمة وعاراً، فهو بالنسبة للشعب السوري شرف وافتخار. هذه المقاومة هي وسام يعلق على صدر كل مواطن عربي .. ليس فقط في سورية..»... «والمقاومة بأشكالها المختلفة هي البديل من أجل استعادة الحقوق... والمقاومة ليست بالضرورة أن تكون فقط مقاومة مسلحة، وإنما ثقافية وسياسية وممانعة بالأشكال المختلفة».
وسيأخذ بعين الاعتبار ماقاله السيد الرئيس في افتتاح الدور التشريعي التاسع من أن ماتحقق في المجال الداخلي هو أقل من الطموحات مطالباً بـ«تجاوز المعوقات المتنوعة التي تعترض طريق الإصلاح الاقتصادي والإداري لتحقيق مستوى أعلى من النمو، من شأنه أن ينعكس بصورة متوازنة وعادلة على الحياة المعاشية للإخوة المواطنين... ويمكّننا من تعزيز عوامل قوتنا الذاتية».
وإذا كانت هذه الاستشهادات لاتعكس كل الخطاب السياسي للرئاسة، إلا أنها تعكس جوانب أساسية من تاريخ وحاضر وإرادة الشعب السوري، وتشكل جزءاً هاماً من جوهر الخطاب السياسي السوري في الفترة الماضية التي استشرست فيها قوى الامبريالية والصهيونية على منطقتنا وبلادنا من أجل تنفيذ مخططاتها الإجرامية، وعلى رأسها ما سمي بمشروع «الشرق الأوسط الكبير».
وبلا شك فإن نبض وروح الشارع الشعبي السوري، هو مع جوهر الخطاب السياسي المعبّر عنه في الاستشهادات أعلاه، وهو مستعد أن يقدم كل ما هو مطلوب منه للدفاع عنه وتحقيقه.
ولكن هذا الشارع الشعبي نفسه، يستغرب الأداء الحكومي الذي يمكن القول عنه: إنه ليس فقط لايرتفع إلى مستوى هذا الخطاب السياسي، ولايقدم المستلزمات المطلوبة لتخديمه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل إنه يسير أحياناً في عكسه ويعيقه..
وإلا كيف يمكن تفسير قيام الحكومة برفع أسعار الأسمنت، وإطلاق أول موجة ارتفاع أسعار كبيرة غداة خطاب مدرج الجامعة حينما أكد السيد الرئيس «أن ثمن المقاومة هو أقل من ثمن الفوضى»؟
وكيف يمكن تفسير الموجة الثانية من فلتان الأسعار غداة خطاب مؤتمر المحامين، دون أن تتخذ الاجراءات الضرورية لإعادة الاعتبار للأجور التي تآكلت بسبب هذا الفلتان؟ هل هي تساعد بذلك على تأمين المتطلبات الداخلية للصمود والمقاومة بالمعنى الواسع للكلمة؟!!
وما الذي يفسّر عدم تطبيق توجيه رئيس الجمهورية بحل مشكلة الإحصاء في الجزيرة منذ 2005 حين أشار إلى أن ما بقي هو إنجاز «رتوشٍ» حكومية على الموضوع، ولم تنجز الحكومة هذه «الرتوش» حتى الآن! وحدّث ولاحرج عن أمثلةٍ على مراسيم بقيت حبيسة أدراج الحكومة دون إجراءات تنفيذية لها..
إن تلاحم الجبهة الداخلية هو الضامن الحقيقي لنجاح الخطاب السياسي، ومفردات هذا التلاحم معروفة، ولكن العدو يريد بفعل جهل البعض وقصور البعض الآخر وتعمد البعض الأخير، نقل «الفوضى الخلاقة» إلى داخلنا.. إلى جبهتنا الداخلية.. إلى اقتصادنا.
إن الشعب السوري بتراثه وتاريخه وقواه الحية والنظيفة داخل جهاز الدولة والمجتمع، يريد وسيدعم هذا الخطاب السياسي، ولن يكون النصر إلا له وحليفه... ولن تنفع القوى التي لا تريد الخير لشعبنا مبالغاتها الفجة في المظاهر الاحتفالية للتغطية والتمويه على الخلل والقصور وعدم تخديمها الخطاب السياسي الذي اشتهر به التاريخ الوطني لسورية، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.