اغتيال عيدو بين التساؤلات والاستحقاقات
بينما كنا نضع اللمسات الأخيرة على هذا العدد قبل دفعه للطباعة، تفجرت الأنباء القادمة من لبنان مغطية واقعة اغتيال النائب اللبناني وليد عيدو. وبطبيعة الحال لم يفاجئنا قيام جوقة 14 شباط فور شيوع النبأ (الذي حضروا له مسبقاً فيما يبدو) بتكرار معزوفة اتهام سورية بسيمفونية باتت ممجوجة على نحو مقيت.
وبينما لا يمكن القفز إلى اتهامات واستنتاجات مباشرة في عملية استخباراتية معقدة من هذه الشاكلة التي تتكرر في لبنان كما قال أحد المحللين اللبنانيين، إلا أن السيناريو بات أكثر من مفضوح في نزوع هؤلاء ومن يقف خلفهم حتى إلى تصفية بعضهم بعضاً تباعاً، تحقيقاً لمكاسب سياسية وإستراتيجية تخدم بقاءهم في السلطة، وتخدم المشروع الذين ارتضوا أن يكونوا بيادق فيه، والقرائن التالية تشكل مجموعة تساؤلات محقة:
* هل يتوانى الفريق الحاكم في لبنان عن تصفية أحد عناصره وهو الفريق ذاته الذي نصب فخاً لجيش لبنان الوطني وللشعب اللبناني برمته من خلال «فتح الإسلام» واختلاق اشتباكات «البارد»، وصولاً إلى سحب سلاح المقاومة؟
* لماذا تتزامن كل الاغتيالات السياسية في لبنان ما بعد مقتل الحريري الأب مع كل التحركات الدولية وتحديداً في مجلس الأمن (المحكمة الدولية وامتداداتها) بخصوص تدويل الوضع في لبنان وتوسيع ذلك، ودائماً بالارتباط مع هدف تصعيد الضغط على سورية، كلما تراءى لها أنها «مرتاحة» بحكم زيارات المسؤولين الدوليين لها بما يكسر «محاولات عزلها»؟ وجاء الاغتيال الجديد قبل ساعات من تقديم براميرتز تقريراً جديداً له لمجلس الأمن.
* ألم يجر اغتيال بيار الجميل عشية تقديم تقرير براميرتز، ليختفي بعدها أمين الجميل عن الساحة تقريباً بعدما بدا على وجهه معالم عدم التصديق من أن يجري التضحية بابنه وكأنه كان يقول: «يا أولاد... اتفقنا على تحريك الأوضاع، ولكننا لم نتفق أن يكون الضحية ابني!»؟ وخفف الجميل من لغته التصعيدية ضد سورية ليس محبة بها، ولكن لأنه يعرف «الحئيئة». ولم يظهر بعد ذلك إلا بعد أن تم استقباله في واشنطن ووُعد بأن «يصبح رئيساً».
* تزامن الاغتيال مع مطالب «نشر قوات دولية على كل الحدود اللبنانية» أي مع سورية، ما يعني دفعها نحو إغلاق حدودها على اعتبار أنها ترفض مبدأ ذلك النشر، مع ما يترتب على ذلك من تضييق على سورية، بالتزامن مع التحركات والمناورات العسكرية الإسرائيلية والإسرائيلية الأمريكية.
* لماذا تأتي الاغتيالات في كل مرة تكون فيها «الأكثرية» «محشورة بالزاوية» بفقدها الشرعية الدستورية والشعبية والنيابية، ويتعثر فيها، كما في هذه الحالة، عقد الجلسات النظامية برلمانياً وحكومياً؟
وبطبيعة الحال فقد خرج أقطاب فريق 14 شباط ليكيلوا الاتهامات لسورية متباكين على عيدو، ولكن الأخطر أنهم طالبوا على الفور «الجامعة العربية بحماية لبنان أو عزل النظام (السوري) ومقاطعته»، وهي دعوة ستجد آذاناً صاغية بالطبع لدى باريس وواشنطن وأنظمة «الاعتدال العربي»، ما سيشكل مصدر ضغط جديد على سورية، وهو ما يؤكد أنها كلبنان مستهدفة بالاغتيالات التي تجري على أرضه، ولكن لتعلق على شماعتها، الأمر الذي يطرح من جديد ضرورة البحث الجدي في أشكال ومتطلبات مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني بمختلف وسائله والذي يستهدف سورية، أرضاً وشعباً، وليس فقط نظاماً، بالضرب والحصار والتفتيت.