من سيمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية؟
تماماً مثلما توقعنا سابقاً لمسار تصعيد الأمور المفتعل بين سورية ولبنان بهدف إيجاد الذرائع لاستهداف سورية بعد التضييق عليها، فقد أوصى تقرير أصدرته الأمم المتحدة الأربعاء الماضي بنشر خبراء دوليين على الحدود بين سورية ولبنان، «لتحسين الأمن عند الحدود اللبنانية»، ومنع ما أسماه التقرير «تهريب الأسلحة من سورية».
وقام فريق من خبراء دوليين في مجال الأمن، أرسله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإعداد التقرير بعد مهمة استمرت ثلاثة أسابيع في لبنان، للتحقيق في معلومات عن عمليات تهريب واسعة للأسلحة عبر الحدود.
وعلى الرغم من عدم حصول الفريق على أية وثائق تسجل عملية ضبط واحدة لأسلحة مهربة عبر الحدود، جرى الاستنتاج أن «الوضع الحالي للأمن عند الحدود غير كاف لمنع تهريب الأسلحة»!
وأعرب التقرير عن «قلقه من وجود معسكرات فلسطينية مدججة بالسلاح تغطي جانبي الحدود»، مشيراً إلى أنها «تشكل جيوباً يمنع على القوى الأمنية اللبنانية دخولها».
وبينما لم يقم الفريق المذكور بزيارة سورية يمكننا الآن عرض بقية السيناريو المحتمل المرسوم أمريكياً-إسرائيلياً:
في حال تم نشر قوات دولية على الحدود، ستقوم سورية التي ترفض ذلك وتعتبره مساساً بأمنها الوطني، باستكمال ما بدأته استباقاً من إغلاق كامل نقاطها الحدودية مع لبنان، ما سيدفع واشنطن وأعوانها (كإجراء عقابي أولي) إلى إغلاق بقية الحدود أمام سورية من جهة العراق والأردن، مع الضغط على تركيا بهذا المجال واستكمال فرض الحصار البحري عليها، وربما السعي لفرض حصار جوي تحت مسوغات مختلفة. وفي الأثناء تجري محاولات ثانية لاستهداف قوات اليونيفيل المعززة أو القوات الجديدة المستقدمة تحت أي مسمى من جانب مجموعات مأجورة (مثل فتح الإسلام أو غيرها) تعلن مناهضتها للقوات الدولية ليجري تلفيق التهمة لسورية سلفاً (بما يتفق مع الرفض السوري لنشر تلك القوات)، ما يستدعي «معاقبتها أكثر بوسائل عسكرية تحت غطاء دولي».
إن هذه الخطوة من جانب الأمم المتحدة المقودة أمريكياً وإسرائيلياً، مع كل ما سبقها، تذهب في اتجاه هذا السيناريو أو أشباهه..
والملفت للنظر مؤخراً، وما يبعث على القلق، أن التحضيرات على الجبهة الاقتصادية في الداخل لا تسير على قدم وساق مع ضرورات التحضير للمواجهة الوطنية الكبرى، فتجدد الحديث عن رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الضرورية، وخاصةً المحروقات، وكذلك المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، هذا الحديث الذي بقي حديثاً حتى هذه اللحظة (والحمد لله)، لا نعلم إذا كان المتحدثون به يعون ما يفعلون، وإن لم يعوا، فالكارثة أعظم!!.
إلى جانب أزمة الكهرباء والمياه، التي اشتدت وانتظمت انقطاعاتها، والتي يطمئننا بعض المسؤولين أنها مؤقتة وعابرة، مع أن كلّ المؤشرات تفيد أنها ستكون طويلةً نسبياً، وبالإضافة إلى عدم تداركهم للموضوع في الوقت المناسب، كي لا تستفحل هذه الأزمة إلى المستوى الذي وصلت إليه، يتم إخفاء الحقيقة والالتفاف عليها، وبالتالي تأخير المعالجات الحقيقية الجدّية، وصولاً إلى استمرار موجات الغلاء الزاحف، وضربه بشكل قاس للمستوى المعاشي للأكثرية الساحقة من الشعب دون اتخاذ أية إجراءات معقولة للحد من الانخفاض الفعلي للأجر.
وإذا أضفنا إلى ذلك إمكانية استخدام الأسلحة الاقتصادية من الخارج، ابتداءُ من الحصار إلى محاولات هزّ الليرة السورية عبر الأسواق المجاورة، لأصبحنا أمام سيناريو مركب ومتعدد الإحداثيات للنيل من سورية والقضاء على استقلالها الوطني، وصولاً إلى محاولة تفكيكها على إيقاع مخطط الشرق الأوسط الكبير.
إن مجمل هذا الوضع لا يترك أمام سورية إلا خيار المقاومة الشاملة، الذي نؤكّد عليه دائماً، في مواجهة مفروضة على البلاد، مما يتطلب التأمين الفوري لكلّ المستلزمات السياسية والاقتصادية - الاجتماعية والديمقراطية، الأمر الذي سيعني حتماً في هذه الحال، انتزاع زمام المبادرة الاستراتيجية من يد العدو، والتي قبض عليها منذ غزو أفغانستان، ونقلها إلى أيدي قوى المواجهة والممانعة في المنطقة على كل الجبهات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن...