الافتتاحية اغتيال المناضل عماد مغنية حلقة عدوانية تصعيدية جديدة

جاء اغتيال القائد في المقاومة الوطنية اللبنانية عماد مغنية من ناحية التوقيت ليشكل حداً مفصلياً تمهيدياً لعملية استهداف قد تكون أكبر وأكثر مفصلية تبدأ من استهداف حزب الله بوصفه رافعة للمقاومة المباشرة الناجعة مع الكيان الإسرائيلي، الذراع العدواني التاريخي للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، دون أن تنتهي مع إيران، بما يتجاوز بكثير مسالة الاختراق الأمني في اغتيال شخصية على هذه الدرجة من الأهمية والمكانة والتي تقتضي تحركات سرية ومحسوبة في كل الأحوال.

أما على السطح فقد جاء هذا الاغتيال متزامناً مع تطورات عديدة أعقبت صدور تقرير «فينوغراد» من جهة وتشكل مع غيرها مفاعيل جديدة لما بات يعرف بتجربة الشعوب العربية وقواها المقاومة باستمرار «خط أنابوليس» وترجمته على الأرض من إعادة فرض الحصار على غزة إلى تعقيد الحل في لبنان ون تسهيله مطلقاً، ومن ذلك أن هذا الاغتيال: 

• جاء بعد ساعات من زيارة الموفد الأمريكي لرئيس حكومة 14 شباط في لبنان، فؤاد السنيورة، ونقله دعم وتضامن بوش مع الفريق الحاكم و«الديمقراطية اللبنانية».

• جاء غداة التهديدات الإسرائيلية السافرة باستئناف سياسة اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية فكانت المفاجأة متعددة الاتجاهات اغتيال قائد مقاومة لبنانية خلال وجوده في دمشق!

• جاء عشية إحياء ما يسمى بقوى السلطة في لبنان لذكرى اغتيال الحريري الأب في 14 شباط 2005، وبعد وصول شحنات سلاح جديدة لمليشيات قوى السلطة بجسر جوي سعودي سبقها قيام الرياض بدفع أموال جديدة لتمويل تلك الميليشيات إلى جانب نفخ الروح بتنظيمات «فتح الإسلام» و«جند الشام» الإرهابية، وهو ما يسلط الضوء مجدداً على الدور المشبوه الذي باتت تلعبه السعودية كقائدة لمحور دول «الاعتدال العربي» الموالي على نحو سافر منذ ما قبل أنابوليس وبعده لواشنطن وتل أبيب.

• جاء استمراراً، ولكن تصعيدياً، لسلسلة الاستفزازات منذ ما بعد «فينوغراد» من جانب تل أبيب وقوى 14 شباط للمعارضة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله باتجاه استدراجهم نحو مواجهة عسكرية، ويندرج هنا اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلية وإصابتها وخطفها لمزارعين ورعاة لبنانيين في الوزاني، تصعيد الخروقات الجوية الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، زيادة مستوى البذاءة الاستفزازية في خطاب الحريري الابن في توصيفه تحالف نصر الله –عون، وما تبعه من تهديدات «الأخضر واليايس» الجنبلاطية.

• جاء ضمن سلسلة محاولات تفجير الوضع في المنطقة قبل انعقاد ما يسمى بـ«القمة العربية» في دمشق بهدف نسفها ودائماً ضمن منطق اشتراط دول «الاعتلال» العربي حل الوضع في لبنان من أجل المضي في عقد القمة، وينسحب ذلك على تصريحات سعود الفيصل في جولته الأوربية، وما أشيع عن زيارة سرية أجراها لدمشق، وتصريحات مبارك والتي أعقبتها تصريحات وزير خارجيته في الإمارات، وتلميحات عمرو موسى ذاته. 

ويبدو أن اتجاهات الحرب والتفجير باتت أكثر وضوحاً ضمن توزيع جديد للأدوار مرة أخرى حيث جاء اغتيال مغنية ترجمة مباشرة للتسريبات من تل أبيب وواشنطن من أن «إسرائيل» التي قال رئيس وزراء حكومتها إنه سيستفيد خلال الفترة القريبة من خلاصات فينوغراد «لن تبدأ بالتحرك العسكري ضد حزب الله ما لم تضمن مصداقية حلفائها في داخل لبنان هذه المرة بالتحرك» من أجل تمهيد أرضية التدخل الإسرائيلي، وهو ما يفسر هذا التصعيد اللولبي خلال الأسبوع الماضي وصولاً إلى هذه الذروة المرحلية المتمثلة باغتيال مغنية، وهو ما يفسر استقواء تل أبيب الجديد، المضاف لاستقوائها التاريخي بواشنطن، بحلفائها من العملاء العرب في أنظمة «الاعتدال» وقوى 14 شباط التي أعلن أحد قادتها وليد جنبلاط أنه «يريد الهدنة مع إسرائيل ولا يريد الحرب معها في حال كان يريدها حزب الله»، في حين أعلن مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن دول الخليج مستعدة للاستعانة بالمظلة النووية الإسرائيلية في حال تمكنت إيران من امتلاك السلاح النووي، وهو تصريح يبتغي ضمناً تعزيز الفوالق الطائفية والمذهبية التي ترعى واشنطن قيامها في المنطقة بموازاة رفض دول الاعتدال العربي أي تقليص لعلاقاتها المعلنة أو السرية مع الكيان الصهيوني على الرغم من كل جرائمه وممارساته في كل الأراضي العربية المحتلة من غزة والقطاع إلى مزارع شبعا اللبنانية مروراً بالجولان السوري.

أما تغييب المواطن العربي، واللبناني ضمناً، تحت وطأة سياسات الصراع السياسي والإفقار المعيشي والفساد الكبير والتلويح بالصراعات الأهلية في الداخل، والعدوان الإسرائيلي الأمريكي من الخارج، فيبقى السمة السائدة والمشتركة الوحيدة فيما بين الدول العربية ما يعني مرة أخرى أن لا بديل عن ثنائية التمسك بخيار المقاومة ومكافحة الفساد في كل جبهات الصراع الداخلي والخارجي، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.