الوطن هو الشعب، والشعب هو الوطن
مخطئ كل من يحاول أن يفرق أو يميز بين الشعب والوطن، فالوطن دون شعب سعيد، لا معنى له، والشعب دون وطن حر ذي سيادة كاملة لا يمكن أن يكون حراً سعيداً، فالعلاقة بين الوطن والشعب، كالعلاقة بين الوطنية والديمقراطية وبين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية وبين الوطنية والأممية، العلاقة جدلية لا يمكن الفصل بينهما، وقد أدرك الشيوعيون السوريون هذه العلاقة الجدلية وأهميتها، فكانوا أول من رفع شعار «كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار».
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع وتيرة بعض الأصوات التي تنادي وتدّعي بأن مصلحة الوطن تقتضي رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبعض المواد الغذائية لأنه كما يدّعون تكلف الدولة مبالغ طائلة، وبات الجميع يعلم الآن مدى مبالغتهم في هذه الأرقام بدافع إيجاد المبرر والحجة لرفع الدعم عن المواد الأساسية وخاصة المازوت وما ارتفاع سعر البنزين مؤخراً إلا هجوم نفسي وتحضيري لغارات اقتصادية أخرى ربما يعقبها رفع لأسعار المواد التي تحظى بدعم من الدولة وخاصة ـ المازوت ـ وفي حال إذا تم ذلك فهذا معناه رفع أسعار جميع المواد الأساسية بالإضافة إلى الأسعار الخيالية الموجودة حالياً، وهذا سيؤدي إلى ازدياد الفقر والفساد والبطالة والرشوة، وعندئذ يزداد التناقض بين الوطن والمواطن وتضعف الجبهة الداخلية، مما يسهل على المتآمرين تنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم ضد سورية الصامدة.
إن بعض المسؤولين في الحكومة، وخاصة الفريق الاقتصادي منهم يدعون بأن هناك معدلات نمو مرتفعة في الاقتصاد ـ وهذا ما تتمناه جماهير شعبنا، ولكن الحقيقة والواقع يؤكدان عكس ذلك، فالفقر في ازدياد وكذلك الغلاء والبطالة والفساد، والوضع المعاشي في تردي، فأين نحن من معدلات النمو المرتفعة هذه، إلا إذا كان المقصود من ذلك النمو زيادة أرباح المهربين والمتلاعبين بقوت الشعوب.
كل من يراقب التطورات السياسية الأخيرة يلاحظ تصاعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية ضد سورية، والعدوان الإسرائيلي الأخير تأكيد على ذلك، وكذلك ازدياد وتيرة اجتماعات القوى المعادية المرتبطة بأمريكا ـ جبهة الخلاص ـ والتصريحات المتكررة لبوش بتقديم كل أنواع الدعم لهؤلاء الخونة المتآمرين على بلدنا، إضافة إلى الكثير من النشاطات المشبوهة الأخرى.
في ظل هذه الأوضاع السياسية الخطيرة تظهر مثل هذه القرارات والتصريحات التي ستؤدي حتماً في حال تنفيذها إلى زعزعة الجبهة الداخلية وخلق الاستياء الشعبي، وهذا ما تعمل من أجله القوى المعادية، علماً بأن هذه المرحلة تقتضي أكثر من أي وقت مضى تمتين الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية وزيادة التلاحم بين الشعب والوطن، فمثل هذه التوجهات الاقتصادية، تتناقص كلياً مع تصريحات وتوجهات القيادة السياسية التي تؤكد دوماً على ضرورة أن يخدم كل قرار الأوضاع الاقتصادية والمعاشية لجماهير شعبنا.
إن الأزمات والاختناقات التي تتالت في هذه الفترة كأزمة الكهرباء والغاز والعقارات، ومحاولات بيع القطاع العام وخصخصته والتعديل على قانون العلاقات الزراعية لصالح الملاكين الكبار، وعدم حل مشكلة الإحصاء ومشكلة تمليك الأرض والعقارات بمحافظة الجزيرة، أسوة بالمحافظات الأخرى، وكذلك محاولات تعديل قانون العاملين بما لا يخدم العمال إضافة إلى تداول معلومات بإلغاء مؤسسة فامبكس ـ للأدوية والسماح للتجار باستيراد الأدوية من الأسواق الخارجية وبأسعار خيالية، كل هذه الإجراءات تتناقض مع توجيهات القيادة السياسية ولا تخدم الوحدة الوطنية ولا تراعي الظروف السياسية للبلاد، فالمطلوب وقف هذه الغارات الاقتصادية التي تمس معيشة الغالبية الساحقة من أبناء هذا الوطن والتي لا تقل خطورة عن الغارات الخارجية العسكرية على سيادة واستقلال البلاد.