الافتتاحية المقاومة هي القمة أما القمم الرسمية فشرحها عمر أبو ريشة...
ما إن يعلن عن عقد اجتماع عربي ـ رسمي، وعلى أي مستوى، حتى تسارع الإدارة الأمريكية إلى إرسال أحد أركانها إلى المنطقة وبيده مذكرة جلب لمن سيحضر، ومن يقاطع، وعلى أي مستوى سيكون التمثيل، بما في ذلك جدول الأعمال، وسقف القرارات، وحجم التنازلات المفروضة من قمة لأخرى!
فمنذ لحظة وصوله إلى الكيان الصهيوني عشية عقد القمة في دمشق، سارع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني إلى تأكيد التزام واشنطن بأمن الكيان الصهيوني، وبالطلب إلى النظام الرسمي العربي تنفيذ مقررات «اجتماع أنابوليس ومتابعة الحرب على الإرهاب»، أي ضرب المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ومتابعة العمل ـ عبر التحالف السياسي ـ العسكري المنبثق من أنابوليس ـ ضد سورية وإيران.
من هنا تأتي مقاطعة ملك السعودية والرئيس المصري وفريقهما للقمة، ترجمة عملية للسيطرة السياسية الأمريكية ـ الإسرائيلية على القرار في المؤسسة الأهم في النظام الرسمي العربي، ألا وهي الجامعة العربية. كما أن المقاطعة تعني تكريس حرب باردة عربية ـ عربية بين حلف الرياض ومحور دمشق. وكي ننتصر على القائد الفعلي «لمحور الرياض»، مطلوب من سورية ليس فقط الاستمرار في بذل الجهود الدبلوماسية للتقليل من مخاطر الدور الوظيفي لدول «الاعتلال العربي»، ولكن الأهم أن يتوازى السير نحو القمة مع اتخاذ الخطط اللازمة لملاقاة وتفعيل الشارع العربي، والانتقال الموضوعي من وضعية الممانعة، إلى الالتزام العلني والصريح بخيار المقاومة الشاملة، لأن الشارع العربي قد عبّر عن نفسه وإمكاناته في أكثر من موقف، وخصوصاً في المراحل الانعطافية، وكان هذا الشارع يحمّل قادة النظام الرسمي العربي مسؤولية الهزائم منذ نكبة 1948 وحتى الآن. وهنا نذكّر ببعض ما قاله الشاعر عمر أبو ريشة:
ودعي القادة في أهوائها
تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه البنات اليتّم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
وبالوقت ذاته، تجاوب الشارع العربي مع خيار المواجهة ضد المحتل في كل مكان من الوطن العربي، من ميسلون إلى حرب السويس، إلى حرب تشرين، إلى كل معارك المقاومة الحقيقية في العراق وفلسطين وجنوب لبنان، وهذا الاتجاه المقاوم في الوعي الشعبي كان الرد الأبلغ على عقلية المهزومين داخل الأنظمة وخارجها، وعلى جميع من وقع في حبائل الحرب النفسية التي سبقت ورافقت دخول المشروع الأمريكي إلى المنطقة بالحديد والنار، مع كل ما رافقه من ثنائيات وهمية ومفاهيم تفتيتية لبلدان ومجتمعات المنطقة.
بكلام آخر الشارع العربي يستجيب أكثر لخيار المقاومة الشاملة وفق معايير وطنية واجتماعية ـ اقتصادية وديمقراطية جديدة، ترفض سموم المذهبية والطائفية والعرقية، وترفض كذلك مفاهيم الليبرالية الجديدة في الحقل الاقتصادي ـ الاجتماعي، تلك المفاهيم التي تلعب دور حصان طروادة في اختراق الأمن الوطني عبر تحطيم كرامة المواطن في «لقمته وكلمته».
ليست مصادفة أن كبار الفاسدين في مصر وكل البلدان العربية هم أول من دعا، وركب قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني منذ كامب ديفيد، وبعد جميع التنازلات التي أقرتها القمم العربية. ففي قمة «فاس» عام 1982 اعترف «عرب الاعتدال» بالكيان الصهيوني، وتجاهلوا اجتياح لبنان واحتلال بيروت... وعلى الطرف الآخر من المتراس كانت المقاومة، وعلى أيديها كان التحرير المتدرج، وكانت أخيراً وليس آخراً معارك تموز 2006، ومعارك غزة 2008، اللتان خلقتا معادلات جديدة في الحروب اللامتكافئة، بحيث يكون النصر الأكيد للمقاومة عند امتلاكها الإرادة السياسية للمواجهة..
دعونا نعتبر أن القمة أصبحت خلفنا، ودعونا نحضر للمواجهة المرتقبة سواء من أجل تحرير الجولان بالقوة، أو لردع العدوان الامبريالي ـ الصهيوني المدعوم من الرجعية العربية بقيادة آل سعود، وإلحاق الهزيمة بكل هؤلاء مضافاً إليهم أعداء الداخل ناهبي قوت العباد وثروة البلاد.