الافتتاحية: ملامح العدوان قائمة.. ولابد من مواجهته
يبدو أن جنرالات الكيان الصهيوني، وكذلك قيادات البنتاغون والكونغرس والبيت الأبيض، غير راضين عن أداء النظام الرسمي العربي فيما يتعلق بإنجاز «التسوية» في المنطقة وفق المخطط الأمريكي- الصهيوني، والذي كانت بداياته في كامب ديفد ونهايته المتوقعة في «أنابوليس»!
وإذا كان المحافظون الجدد في ولاية بوش الابن قد تعهدوا بخلق «شرق أوسط جديد» عبر الحرب وغزو أفغانستان، ثم العراق، تفادياً لانفجار الأزمة الاقتصادية في الداخل الأمريكي، وفي الوقت ذاته، حلاً لأزمة الكيان الصهيوني وحمايةً لأمنه الاستراتيجي عبر ضرب المقاومات في المنطقة، فإن الوقائع منذ غزو أفغانستان أثبتت عكس ذلك، ودليلنا على هذا يكمن في المؤشرات التالية:
• في خطابه عن حالة الاتحاد منذ أيام، توقف الرئيس أوباما طويلاً أمام التحديات الداخلية والأزمة الاقتصادية، ولم يأتِ على ذكر السياسة الخارجية وتعثر المشروع الأمريكي في أفغانستان والعراق إِلاّ من زاوية تأثير كل ذلك على الأمن الداخلي، وفي الحياة اليومية للمواطن الأمريكي. ولم يستطع أوباما إخفاء قلقه العميق حول تهديد مكانة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، خصوصاً عندما تحدث عن تفوق الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على الطاقة النظيفة وعن الدول التي بقدرتها قيادة النظام الاقتصادي العالمي في المستقبل.
كما تجاهل أوباما كلياً الصراع العربي- الصهيوني، ولم يأت على ذكر التسوية التي سبق أن روّج لها في تركيا والقاهرة، ولا شك أن في ذلك إشارةً واضحةً وصريحةً لعدم وجود أي مكان للسلام في استراتيجية واشنطن إزاء المنطقة، مع كل ما يحمله ذلك من تحفيز وإطلاق يد العسكرتارية الصهيونية باتجاه حرب عدوانية جديدة في المنطقة، وباتجاه الشمال تحديداً، أو الاستعداد للمشاركة في ضرب إيران!.
• بعد أقل من أسبوع على خطاب أوباما «عن حال الاتحاد»، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية ما أسمته «المراجعة الدفاعية لعام 2010»، والتي وصفها وزير الدفاع روبرت غيتس بأنها «تحول تدريجي في العقيدة العسكرية الأمريكية ونظرة جديدة للأمن القومي بعد حربي أفغانستان والعراق والركود الاقتصادي؛ من التركيز على حروب تقليدية كبيرة مستبعد حصولها إلى التعامل مع نزاعات أصغر والرد على الخلايا الإرهابية وحماية المدن من الأسلحة النووية»!.
إن كل هذا يشير إلى توقف الخطاب الأمريكي حول السلام، وانتقال زمام المبادرة إلى أيدي الجنرالات، أي نحو استخدام «القوة الغبية» مجدداً وعلى مستويات مختلفة، وهنا يتبين أن تصريحات بترايوس حول سيناريوهات ضربة إيران قد ألغت كل ما قاله أوباما حول الحوار مع إيران، حيث تعمل أجهزة الدعاية الأمريكية- الصهيونية ومن والاها الآن، على الترويج إلى أن إيران هي من ستبادر إلى شن الحرب على القوات الأمريكية في المنطقة.
ويبدو واضحاً أن واشنطن التي اخترعت مقولة «الخطر الإيراني» تتجه الآن نحو حسم الملف الإيراني المعلق منذ احتلال أفغانستان والعراق، وهذا ما يؤكده الحشد العسكري الأمريكي غير المسبوق في الخليج، ونشر منظومات الدرع الصاروخي في أربع دول عربية هي البحرين وقطر والكويت والإمارات.
• بالتزامن مع الحشد العسكري الأمريكي في الخليج والحديث عن سيناريوهات ضرب إيران، كان لافتاً جداً خطاب وزير الحرب الإسرائيلي أيهود باراك أمام كبار ضباط جيش الاحتلال، والذي تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل موسع وغير مألوف، فقد جاء فيه: «إن خيار التسوية يجب أن يكون اضطرارياً، وإذا اندلعت المواجهة على الحدود الشمالية، فإن إسرائيل لن تحصر نفسها فقط في ضرب أهداف لحزب الله.. وفي ظل غياب التسوية مع سورية قد نصل معها إلى مواجهة عنيفة يمكن أن تتدهور إلى حرب شاملة..»!.
ولم يقتصر خطاب باراك على التهديد بالعدوان ضد سورية ولبنان، بل اعتبر أن «كل الخيارات مفتوحة في المواجهة مع إيران، وكل الخيارات موضوعة على الطاولة، ونحن نقصد ذلك»!.
يتضح مما تقدم أن كل خيارات التهدئة وسياسة الترغيب قد طويت، ليس فقط لأن خيار «التسوية» قد وصل إلى طريق مسدود، بل لأن التحالف الأمريكي- الصهيوني قد فشل في ضرب خيار المقاومة رغم كل ما قدمه النظام الرسمي العربي من تسهيلات علنية ومخفية للمشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة.
وكان لافتاً تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن أي حرب قادمة ستكون شاملة، وعندها لن تبصر أجيالنا بعدها أي محادثات سلام في المنطقة.
ومع اكتمال ملامح العدوان القادم على قوى المعارضة والممانعة في هذا الشرق العظيم، لابد من المواجهة، وامتلاك الإرادة السياسية والتزام خيار المقاومة الشاملة لإلحاق الهزيمة التاريخية بالتحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي على امتداد قوس التوتر من باكستان وأفغانستان والعراق والخليج، انتهاءً بالقرن الأفريقي جنوباً والمتوسط والقفقاس شمالاً.. وكما فشلت جولات الإمبريالية الأمريكية السابقة، فهذه الجولة محكومة بالفشل الأكيد أيضاً، مع ما يحمله ذلك من آفاق جديدة لقوى الشعوب، خصوصاً وأن الوقائع تثبت يومياً أن أفق الإمبريالية العالمية قد انسد بالمعنى التاريخي، وأن أفق الشعوب قد انفتح نحو صعود سيغير ميزان القوى العالمي بشكل كلي..