يوسف العظمة العظيم.. في ميسلون العظيمة..
هناك مقدمات كثيرة سبقت يوم ميسلون في 24 تموز 1920 واستشهاد البطل يوسف العظمة، من اتفاقيتي سايكس ـ بيكو وسان ريمو، إلى لجنة «كينغ كراين» ومؤتمر الصلح، وصولاً إلى مقررات المؤتمر السوري في 7 حزيران 1919، وقد طالب هذا المؤتمر بالاستقلال التام للبلاد السورية دون حماية أو وصاية..
وقد كشف إنذار غورو الذي سبق معركة ميسلون النوايا الاستعمارية الحقيقية لدى فرنسا، وبيّن في الآن ذاته تخاذل الملك فيصل، وبعض عناصر حكومته في دمشق، أمام الخطر الماثل في الإنذار والنية المبيتة في احتلال دمشق واستكمال احتلال سورية. ومن هنا كانت أهمية موقف وزير الدفاع يوسف العظمة الذي قرر مواجهة الجيش الفرنسي الخارج منتصراً من الحرب العالمية الأولى. كانت المواجهة البطولية هذه عظيمة رغم قلة العتاد الحربي ورداءته، وقلة عدد القوات السورية ـ بعد تسريح الجيش السوري ـ مع المتطوعين الذين خرجوا مع العظمة إلى ميسلون.
يقول الدكتور أحمد قدري في شهادته عن ميسلون: «لم يعد للسوريين نجاة إلا بالتراجع، لكن العظمة أبى إلا أن يثبت للمقاومة، واقفاً بشرف على العمليات العسكرية، وبيده منظاره، إلى أن استشهد، وتراجعت عندئذ القوات السورية، بعد أن صمدت نحو ثلاث ساعات». وقد ألقى الكثيرون باللائمة على الحكومة السورية لإسراعها بتسريح الجيش، تنفيذاً لمطالب الجنرال غورو!
والحق أن بطولة يوسف العظمة تحمل معنى آخر سوى الاستشهاد المدروس، ذلك أن الرجل استطاع بما قدر أن يجمعه من فلول الجيش المسرح ومن جماهير المتطوعين، بتلك الذخيرة اليسيرة وتلك الأسلحة المتواضعة أن ينظم دفاعاً استطاع أن يصمد ثلاث ساعات، في وجه واحد من الجيوش الأوروبية القوية. وكانوا قد قالوا إنه لن يصمد أكثر من خمس دقائق.
هذا الجيش الفرنسي، وهو في أكمل عدته وعتاده ورجاله، غداة الحرب العالمية الثانية، هل استطاع أن يصمد في وجه الجيش الألماني ـ بما في ذلك خط «ماجينو» الحصين ـ أكثر من ساعات؟!
فسقياً لتراب ذلك الرجل الذي قال: «إن فيكم ـ ويقصد العرب ـ قوة لو فُعّلت، لغيرت وجه التاريخ».