كيف أصبحت شيوعياً

قراءنا الأعزاء.. كثيرة هي الرسائل والاتصالات التي تردنا من الرفاق وفي طليعتهم القدامى - الذين لم يبخلوا في يوم من الأيام بأي جهد أو تضحية من أجل مستقبل أجمل وأفضل لشعبنا ووطننا، والشواهد متوفرة وموثقة -تدعونا لمتابعة العمل الصادق والجاد في سبيل وحدة جميع الشيوعيين السوريين، وكلها تعرب عن استعدادهم للمشاركة في أي نشاط ميداني يعيد الحزب إلى جماهيره ويعيد الجماهير إليه، ونحن بدورنا نعرب عن اعتزازنا بمساندتهم وبمشاعرهم الرفاقية الحارة، ولاشك أن ما تحمله الرسائل من آراء وملاحظات واقتراحات واستفسارات يستحق كل الاهتمام والدراسة. والذي يلفت النظر ويحظى بالتقدير هو ذلك الإدراك الواثق لمجريات الأحداث على أرض الواقع وبخاصة قضية وحدة الشيوعيين وسبل تحقيقها، ولعل في العبارات التالية التي جاءت في إحدى الرسائل خير شاهد على تبلور الاتجاه السليم ليحتشد الرفاق في صف واحد:

(ليس يكفي أن أقول: أشد على أيديكم، بل يجدر أن أقول: ليشد الرفاق في مختلف تنظيماتهم، وخارج التنظيمات على أيدي بعضهم بعضاً.. لنشد  أيدينا على أيدينا جميعا). 

ضيفنا اليوم الرفيق القديم مخول غازي حنون..

الرفيق المحترم أبو ناجي.. أهلاً وسهلاً بك.. يسعدنا أن تحدث قراءنا الأعزاء كيف أصبحت شيوعياً؟.

 أنا من مواليد بلدة «صدد» التابعة لمحافظة حمص عام 1937 في أسرة كادحة فقيرة. أنهيت تعليمي الابتدائي في مدرسة البلدة، ثم تابعت الدراسة الإعدادية والثانوية «دراسة حرة» وأنا أعمل بين صدد والجزيرة لتأمين تكاليف العيش.

تعود بداية تعرفي على الشيوعية إلى فترة أواخر أربعينات القرن الماضي، وأذكر أنني اشتريت حينها كتاباً يحمل عنواناً أعجبني «وعلى الأرض السلام» للكاتب جورج حنا، وبعد قراءته شعرت بأنه أيقظ في ذهني مسألة العدالة الاجتماعية، وجعلني أفكر في المظالم التي يعاني منها الفقراء. وفي تلك المرحلة كانت التيارات السياسية تحرك الناس في بلدتي، وأتيح لي أن ألتقي الرفيق المخضرم الأستاذ مطانس طراد «أبو مروان» الذي كان له الفضل في تفتح وعيي السياسي، فقد نورني بأفكاره أنا والكثيرين من أبناء البلدة، وجذبنا نحو الشيوعية والحزب، فبدأنا بدورنا في تعريف الناس في بلدتنا والقرى المجاورة بالحزب الشيوعي كحزب وطني يناضل من أجل الكادحين من عمال وفلاحين. ومن ذكريات تلك الأيام ذكرى انتخابات البرلمان حين جاءنا مرشحو الحزب الرفاق: نصوح الغفري وظهير عبد الصمد ووصفي البني حيث استقبلناهم في ساحة البلدة بالأهازيج والهتافات، وكان معنا الشاعر الشعبي المعروف عيسى النور، وإلى اليوم أذكر هتافه الذي كنا نردده معه: (عاش وصفي البني عاش، وليحيا خالد بكداش).. وعندما وصلنا إلى بيت الرفيق عبد الله بركات، صاح الشاعر (يا عبد الله افتاح الباب- جينا نحنا والنواب).

في أوائل الخمسينات تعرفت على صحيفة الحزب «صوت الشعب» وصرت من قرائها، وفي عهد الديكتاتور أديب الشيشكلي تعرضت مع الرفاق للملاحقة والاضطهاد، لكن كل ذلك لم يزدنا إلا إصراراً على متابعة نضالنا وتمسكنا أكثر بالحزب وفكره. وبين أعوام 54 و58 قرأت الكثير من المطبوعات التي كانت تصدر عن الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية، واقتنيت وقتها كثيراً من كتب لينين ومن كتب الاقتصاد، ومنها كتاب الاقتصاد السياسي ترجمة بدر الدين السباعي، وكنت مشتركاً بثلاث صحف هي: النور، وأنباء موسكو، والصرخة، وكان الرفيق الأديب عبد المعين الملوحي مسؤولاً عنها في حمص. ومن الذكريات أيضا ذكريات التقائي بالعديد من الرفاق في قيادة الحزب، وكان لي علاقة خاصة مع الرفيق ناصر حدة، وأتذكر حين كلفني الحزب مرة مع رفيق آخر بمهمة عام 1955 و (بأسماء مستعارة) للعمل على تأمين أصوات لانتخاب نائب بديل عن عدنان الأتاسي الذي كان مشتركاً بمؤامرة لحزب «الشعب»، وعشية الانتخابات تم التعارف بين الرفاق بأسمائهم الحقيقية، ففوجئت بأن الاسم الحقيقي للرفيق محمد طاهر الذي شاركني بتنفيذ المهمة هو الرفيق الفضل الأتاسي حفيد الرئيس هاشم الأتاسي. واستمر العمل والنضال بشكل جيد إلى أن حدثت الانقسامات التي هشمت الحزب وهمشته، وأبعدته عن جماهيره الواسعة، وحين حدث انقسام الرفيق أبو سامي تم إبعادي مع كثير من الرفاق لأننا لم نوافق على قرار الانقسام، ومنذ ذلك الوقت بقيت خارج التنظيم، لكنني بقيت أتابع الاطلاع على مطبوعات كل الفصائل، ومنذ خمس سنوات اطلعت على صحيفة قاسيون التي أعجبني بها صدق الطرح والجرأة فيما يخص الوطن والمواطن، ودعوتها الصحيحة والجريئة المتكررة لوحدة جميع الشيوعيين السوريين، وأضم صوتي معها وبالدعوة نفسها، وأناشد كل الشيوعيين أينما كانت مواقعهم داخل أو خارج التنظيمات بلا استثناء للعمل المخلص والجاد والنشيط بما تتطلبه كرامة الشيوعي.. كرامة المواطن.. ولكي يستعيد الحزب الشيوعي السوري دوره التاريخي كحزب للشعب والوطن. 

■ إعداد محمد علي طه

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 17:10