كيف أصبحت شيوعياً؟
سيطرت خلال عهود الظلم والظلام أعراف وتقاليد متخلفة، في صلبها نظرة سيئة للمرأة كرست اضطهادها، وأدت إلى مضاعفة ما تعانيه من تجن وظلم فادح. وتصدياً لهذا القهر والاضطهاد، اندفعت النساء اللاتي تسلحن بالوعي الوطني والطبقي للنضال في سبيل الحرية والعدالة والتقدم الاجتماعي، وتعرضن للملاحقة والاعتقال، ومن حقهن علينا أن نسلط الضوء على ما تحملنه من مشقات وآلام، وما اتخذنه من مواقف مشرفة.
ضيفة زاويتنا لهذا العدد الرفيقة عدلة محمد أحمد.
الرفيقة المحترمة أم كاسترو مرحبا بك.. نود أن تحدثينا كيف أصبحت شيوعية؟
أشكركم على اهتمامكم ,وأقول:«أنا من مواليد قرية خالد كلّو التابعة للقامشلي عام 1943 ضمن أسرة كادحة كثيرة الأبناء والدي كان يعمل عتّالاً، ثم صار مشرفاً على وزن القبّان في «الميرة». تعلمت القراءة بتعلم قراءة القرآن عند «الخوجة»، وتعلمت حياكة الصوف واشتغلت بها، كما عملت في تعليم الأطفال في مرحلة الصف الأول، وأبي شجعني لأكون واعية محبة للناس وخاصة الفقراء منهم، وأخي محمد صالح كان عضواً في الحزب الشيوعي ومنه بدأت أتعرف على الأفكار الشيوعية، وشيئا فشيئا وجدت نفسي في صفوف الحزب وأنا مازلت صغيرة وفي وقت كان فيها الحزب يتعرض لاضطهاد وضغوط شديدة.وأتذكر أقاويل الرجعيين عن بيتنا بأنه «البيت الأحمر» لكنني لم أكن أهتم بأقوالهم ، كنت حينها في عز الفتوة، لا يشغلني إلا النشاط الحزبي السياسي فقد أحببت الحزب لأن كل ما كان يدعو إليه لاقى صدى طيبا في قلبي وبشكل أساسي نضاله من أجل الكادحين ونصرته للوطن ودفاعه عن المستضعفين وكفاحه من أجل تأمين حقوق المرأة وفي سبيل التحرر والتقدم الاجتماعي ومن ذكريات تلك الفترة الاجتماع الذي كلفت من خلاله بمهمة مسؤولة مالية الرفاق لثقتهم أنني شابة صغيرة أمينة لا تعرف الخداع ، وقد شاركت بالحملة الانتخابية في سبعينات القرن الماضي وساعدت النساء بإخراج قيود السجل المدني والهويات ومن ثم البطاقات الانتخابية، لذلك لم أفكر أيامها بالزواج وبتأسيس عائلة واستمر وضعي على هذه الحال (نشاطات حزبية وجماهيرية في الأعياد والمناسبات الوطنية والطبقية وجمع تواقيع وتبرعات، وكما يقال أكل السير على دروب القرى من أقدامنا) إلى أن بلغت السابعة والعشرين من عمري وعندها قبلت بالزواج من رجل بعيد عن العمل السياسي، لكنه لم يمنعني من متابعة نشاطي، فهو يحب عمل الخير ومساعدة الناس بكل طيبة نفس، وكنت أشجعه للوقوف إلى جانب الفقراء بتوعيته سياسياً وجعله يحس طبقياً بظلم الاستغلال وتحكم الإقطاعيين والرأسماليين بلقمة ودم العمال والفلاحين، وانعكس ذلك تشجيعاً لي على عملي السياسي برضائه، فكان يتضامن معي، ومرة في ستينات القرن الماضي وخلال حملة اعتقالات للشيوعيين مزق كتبي السياسية وحرقها خوفاً عليّ من أن تقع بأيدي عناصر الأمن، وحينما أنجبت ولدي الأول اتفقنا على تسميته باسم الزعيم الكوبي «كاسترو» كما سمينا البنت الأولى فالنتينا، ثم جيفارا، ثم «هيترا» وهو اسم قرأته في قصة روسية..
في عام 1986 انتقلنا إلى دمشق، وسكنا قرب مشروع دمر (وادي المشاريع) وصدقاً لم أحس بالغربة، وسارع الرفاق القدامى للترحيب بنا ومساعدتنا، وتابعت نشاطي بالعمل بين العائلات الفقيرة حيث كنت أشرح لهم عن العدالة وكيف يمكن تحقيقها، وأحدثهم عن دولة العمال والفلاحين دون أن أسميها، وأخذوا يتعرفون على أم كاسترو التي انخرطت مع الرفاق في الدفاع عنهم، وكنت أرافق النساء والأطفال المرضى إلى عيادات الأطباء من الرفاق الشيوعيين أمثال الدكتور نبيه رشيدات وعبدو وتوفيق البطل ورياض وعمار وغيرهم ممن اتصفوا بشهامتهم وحرصهم على تخفيف آلام الفقراء بعيداً عن الجشع الذي أصاب الكثيرين ممن يمارسون هذه المهنة الإنسانية، ولم أهمل المطالعة يوماً، قرأت كل ما صدر عن الحزب، وأقمت عدة دورات لمحو الأمية لعدد من النساء، وأعتبر أن نجاحي في العمل يعود بالدرجة الأولى لما غرسه الحزب والفكر الشيوعي في وجداني، فأصبحت جريئة لا أخاف، وقد تعرضت للتهديد بالقتل فلم أجبن من التحدي، ويشرفني حب الناس واحترامهم كوني شيوعية، والعائلات التي أنشط بين أفرادها أشعر ويشعرون أننا أسرة واحدة، وقمنا معا بجمع التواقيع على العرائض المطلبية لتحقيق الخدمات للحي الذي نسكن فيه وفي مقدمتها مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي وتعبيد الطرقات وإنشاء مستوصف وغيرها. أما فيما يتعلق بوضعي الحزبي فقد كنت عضوا في تنظيم صوت الشعب، وأنا الآن خارج التنظيم، وأشعر بمرارة الوضع الذي نعاني منه بسبب الانقسامات والتمزق والذي ينعكس على الجماهير، وأعتقد أن العمل من أجل وحدة الشيوعيين السوريين هو أهم وأشرف عمل يجب أن نقوم به، ولن يتحقق ذلك إلا بتقوية أساسات الحزب بعيداً عن التعصب والتمترس في الخنادق، وأن نسمع للأفكار الأخرى، وهنا يحضرني قول الشاعر الكبير جكر خوين: «إن لم يكن بيننا علاقات متينة، فليكن بيننا توافق سيؤدي إلى اتفاق»، وهذه مهمة جميع الشيوعيين أولا وأخيراً. أحيي كل الرفاق خارج وداخل التنظيمات الحزبية، وأناشدهم وأنا معهم للعمل المخلص ليعود حزبنا الشيوعي السوري إلى الساحة بكل جدارة، وأحيي جهود صحيفة قاسيون.