أوباما؟.. لا تتفاءلوا كثيراً !
انتهت الانتخابات الأمريكية.. وانتخب أوباما. ومن المفيد التذكير أنه لم يسبق لرئيس أمريكي منتخب إلاّ وخيّب آمال ناخبيه في الداخل، والمراهنين عليه في الخارج، وذلك خلال ولايته، وخاصةً في نهايتها..
فهل سيكون أوباما سابقةً مختلفةً؟
قطعاً لا.. لماذا؟ لأن الرئيس الأمريكي هو مجرد موظف درجة أولى لدى ملاّك الولايات المتحدة الأمريكية الذين لا يتجاوز عددهم بضع عشرات من العائلات الثرية تاريخياً، والأخويات السرّية.. فهو يأتي بإرادتهم ويخرج بإرادتهم حين يلزم، ولا يغير في الأمر شيئاً قدرة الإعلام الممول جيداً من هؤلاء الحكام الحقيقيين على الترويج لصورة المرشح المختار (كأية بضاعة أخرى) خلال الحملة الانتخابية في أوساط الشارع الأمريكي، والذي يقدم الأمر لنا وكأن الشارع قد اختاره فعلاً.. بينما المقرر الفعلي هو قوى المال والاحتكار..
ولكن يبقى السؤال الأهم؛ لماذا وقع الاختيار عليه؟ والحال كهذه، فذلك يعني أن مواصفاته يجب أن تلبي أداء دور وظيفي محدد يتحتم على الرئيس الأمريكي أداؤه خلال الفترة القادمة. فما هو هذا الدور؟
1 ـ الأزمة المالية ـ الاقتصادية ما زالت في بداياتها، وهي حسب كل التقديرات ستزداد عمقاً وصعوبةً، مع ما يمكن أن يحدثه ذلك من خلل جدي في الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الناس الأكثر تضرراً من الأزمة التي تزداد عصفاً، سيكونون من الأوساط الأكثر فقراً من ملونين ولاتينيين، والذين يزدادون ليصبحوا الأكثر عدداً بين سكان الولايات المتحدة بعد ربع قرن، لفهمنا أن المجيء برئيس كأوباما هدفه كبح تطور الوعي الاجتماعي ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، خاصةً في هذه الأوساط التي تنذر الأوضاع بانفجارات كبيرة بينهم.. والواضح منذ الآن أن برنامج أوباما لم يختلف مع برنامج ماكين الاقتصادي، إلاّ في بعض التفاصيل غير الجوهرية التي لا يمكن أن تعالج هذه الأزمة إلاّ من زاوية مصالح ملاك أمريكا الأثرياء..
2 ـ أفصح أوباما علناً عن سياساته الخارجية، فهو قد تنافس مع ماكين في إعلان التأييد لإسرائيل، وفيما عدا ذلك، فلنرَ ماذا يريد:
• أعلن نائبه جوزيف بيدن أن رئيسه سيقوم بعد ستة أشهر من انتخابه ـ ردّاً على أية أزمة في السياسة الخارجية ـ باتخاذ إجراءات قاسية بشكل لا يوصف، وغير شعبية!
• وذكر هو نفسه أن المراكز الخمسة المحتملة للنزاع هي: الشرق الأوسط، أفغانستان، باكستان، كوريا الديمقراطية، وروسيا..
• أما بالنسبة لإيران، فقد أكد أوباما: «أنه لن يستبعد الخيار العسكري»، بينما أكد مساعدوه أن البيت الأبيض لن يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم على أراضيها، وأنه لن يعطي الأمم المتحدة حق الفيتو على مهاجمة إيران، بينما كان ماكين أقل تشدداً حين قال: «إنه يمكن أن يقبل اتفاقاً يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم على أراضيها».
• أما بصدد باكستان فقد أبدى أوباما استعداداً أكثر من ماكين للتهديد بإرسال قوات أمريكية إليها.
• بخصوص أفغانستان أظهر حماساً كبيراً لزيادة رقعة التدخل العسكري فيها بإرسال المزيد من الجنود إليها..
• ولذلك، إذا كان أوباما حسب تصريحاته بصدد انسحاب ما من العراق، فإن اللوحة السابقة تؤكد أن الأمر لا يعدو كونه إعادة توزيع للقوات الأمريكية على بقعة جغرافية تمتد من باكستان إلى القفقاس.
على هذا الأساس، يصبح واضحاً أن أوباما يتحدث عن مصالح طبقة أمريكية حاكمة، تدفعها أزمتها التي تسير نحو أفول دورها الاقتصادي العالمي إلى اتجاهات أكثر عدوانية: اتساعاً وعمقاً.
إن ما يجري اليوم هو إعادة ترتيب الاستراتيجية الأمريكية التي تعثرت نسختها الأولى، وستحاول النسخة الجديدة المعدلة والمنقحة إيجاد أشكال مستجدة للفوضى الخلاقة، تسمح للإمبريالية الأمريكية بمحاصرة منافسيها الكبار، وتضمن عدم البحث إلى حين في هيمنتها المالية العالمية.. إن بناء الأوهام حول نوايا أوباما سيضعف الإمكانيات لمقاومتها لاحقاً.. وإذا تمكن الإعلام الأمريكي من خداع الشعب الأمريكي وجزء من الرأي العالمي، فإن هذا الأمر محكوم بالانكشاف السريع، لأن الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية ستسمي الأمور بمسمياتها.. وتبقى زيادة الحذر واليقظة تجاه المخططات الإمبريالية ـ الأمريكية، هي الضمان للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن..