مرحلة جديدة في الأزمة

مرحلة جديدة في الأزمة

تتضح يوماً بعد يوم الخلافات بين المراكز الرأسمالية الغربية حول العديد من الملفات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والتي تعكس في العمق تضارب المصالح، بين البورجوازيات الغربية، المهيمنة على الاقتصاد والقرار السياسي، والعسكري...

ليس عبثاً، أن التناقضات برزت في القضايا الاقتصادية أولاً، وانعكست في المواقف السياسية حول العديد من الملفات الدولية، لتصل مؤخراً إلى حد السؤال عن ماهية حلف الأطلسي، ودوره، كأحد البنى الرئيسية للمنظومة الرأسمالية الغربية، وبغض النظر عن أن أغلب النخب البرجوازية الأوربية، وتحديداً الحاكمة منها، محكومة بأوامر ريمونت الكونترول الأمريكي، إلا أن الواقع الموضوعي، فرض نفسه، ودفع ويدفع التناقضات إلى الأمام، وفي قراءة أولى، يمكن القول:

- إن تفاقم التناقضات يعتبر إحدى خاصيات مرحلة التراجع، فالمركز الرأسمالي الغربي، بات عاجزاً عن الاستفراد بالقرار العالمي بحكم أزمته، وكل بنية مأزومة من الطبيعي أن تتآكل من الداخل.

- إن هذه التناقضات مرشحة للتفاقم، بحكم عجز النظام الرأسمالي عن حل هذه التناقضات على حساب الغير كما كان يفعل دائماً، مما يؤدي إلى تعميق التناقض مع شعوب الدول الرأسمالية. 

- تقول التجربة التاريخية، أن مثل هذه التناقضات، أدت إلى إشعال حربين عالميتين، خلال القرن الماضي وبغض النظر، إذا ما كان التاريخ سيعيد نفسه أم لا، والمسار الذي ستدفع إليه هذه التناقضات، في هذه المرحلة من تطور المجتمع البشري، فإنه بات مؤكداً، أن هذه التناقضات، هي بداية لتغيرات نوعية كبرى، على النطاق العالمي.

- إن تراجع النموذج الرأسمالي الغربي، يفتح المجال موضوعياً، أمام نماذج أخرى، تتناقض معها، وإن كانت تشبهها كبنية اقتصادية اجتماعية، «روسيا-الصين» مضطرة في سياق الصراع، وبحكم الدفاع عن مصالحها الوطنية إلى مواجهة النموذج الرأسمالي الميركنتيلي الغربي، مما يفتح الطريق أمام قوى التقدم الاجتماعي لتجذير المعركة باتجاه نسف علاقات الإنتاج الرأسمالية المهيمنة. 

- العالم يضيق بهذا النموذج المهيمن، في أزمته الراهنة، التي لم ينفع فيها، لا ضخ الأموال، ولا إشعال الحروب، ولا محاولة مصادرة وعي البشرية عبر الحرب البسيكترونية.. إنها القوانين الموضوعية التي تفعل فعلها، رغم تمرس، وحرفية، وتفوق أدوات «صاحب الجلالة».

- إن ما يحدث في أوربا، وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وما سوف يتبع ذلك، وتباين المواقف، بين العديد من دول الاتحاد الأوربي، والمركز الامبريالي الأمريكي، هو انعكاس لأحد أشكال التناقضات في عالمنا المعاصر، في ظروف الأزمة البنيوية التي تزلزل النظام الرأسمالي العالمي، بمؤسساته، وبناه، وقيمه، وتحديداً التناقض بين المراكز الرأسمالية، الذي يعمق بدوره الصراع الطبقي داخل البلدان الرأسمالية، مما يعني أن الرأسمالية دخلت طوراً جديد في الأزمة، وأن استقطابات جديدة تتشكل، لتستقر عند حدود التناقض الأساسي في عالمنا المعاصر، «أمبريالية – شعوب»، وليميل ميزان القوى أكثر فأكثر لصالح شعوب العالم، وتعزيزاً لخياراتها في البحث عن نظام بديل.