هل الولايات المتحدة هي (الولايات المتحدة) فقط؟!
ينظر البعض إلى اللوحة الاقتصادية والسياسية العالمية اليوم ليحاولوا متابعة الأحداث خلال عام مضى، ويخلصون إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة تنجح بافتعال الأزمات وتصديرها وإبقاء نفسها بعيداً عن الاضطراب العالمي الجاري..
وبالفعل إذا ما نظر المرء بشكل مباشر، فإنه يستطيع أن يرى الولايات المتحدة تسجل معدلات نمو اقتصادي أعلى من المتوسط العالمي المنخفض ضمن ظروف التراجع الاقتصادي العالمي، ويرى أنها نجحت في افتعال حرب النفط لتسبب خسائر لأعدائها، واضطرابات عميقة لدى حلفائها في منطقتنا، ونجحت أيضاً في إبقاء دولارها مرتفعاً وسط حرب العملات، التي طالت الروبل واليوان وغيرها من عملات الدول الصاعدة، وساهمت في دفع اليابانيين للعودة إلى ساحة الحرب والعسكرة الدولية التي تريد الولايات المتحدة أن تقرع طبولها في الشرق الآسيوي، وأخيراً ساهمت في إخراج حليفها البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ليصبح المشروع الأوروبي محكوماً بالغرق في أزمته الاقتصادية العميقة المتمثلة بالتباطؤ الاقتصادي وعبء الديون الكبير، مع احتمالات الفوضى كلها المترتبة على هذا الأمر، والتي قد تمنع القوى الاقتصادية الأوروبية الفاعلة من التوجه نحو الشرق، حيث ينشط ويقوى أعداء الولايات المتحدة الألداء، وتحديداً في روسيا المتصلة بأوروبا وفي آسيا عموماً..
إن النظر إلى اللوحة بهذا الشكل، يمكن أن يستنتج منه وبشكل سطحي أن الولايات المتحدة تنجح في درء الخطر والتدهور المباشر الذي يلم بمنظومة الرأسمال الإمبريالية اليوم.. إلا أن نظرة أعمق للأمور توضح جوانب أخرى..
فالولايات المتحدة ليست مجرد دولة، بل هي المركز الإمبريالي العالمي منذ أن تحول السلاح والدولار إلى أداة الهيمنة العالمية، وهذه الأدوات لا تنفع إلا إن جالت على المسرح العالمي، وحققت الغنائم، وهذه الأدوات تحديداً تتلقى هجوماً بإصرار من القوى العالمية الصاعدة، التي تستهدفها الإمبريالية بسلاح العنف والفوضى. لتسعى هذه القوى إلى تشكيل الردع العسكري الذي يرسم حدوداً لتوسيع الحرب، وتعمل على سحب البساط من تحت الدولار بتشكيل منظوماتها النقدية والمالية الجديدة، وبفرض عملاتها في التداول الدولي، كما تفعل الصين.
الولايات المتحدة تدير أزمة التراجع الإمبريالي اليوم، وهي تفقد قدرتها على حماية حلفائها، فتضطر إلى مد ساحة الحرائق إلى عتبات أبوابها كما في أزمة الاتحاد الأوروبي..
أما إذا أخذنا مؤشرات التوتر الاجتماعي وارتفاع مستوى العنف المقصود ضد (الأمريكيين الأفارقة) في الولايات المتحدة ذاتها، وآخرها ظهور القناصة واغتيال عناصر الشرطة، يمكن أن نقول، بأن المركز الإمبريالي، بدأ محاولة إدارة الصراع الاجتماعي في داخله، بعد أن أصبح أمراً واقعاً لا مهرب منه..