الشِّيوعيون السُّوريون يعقدون مؤتمرَهم الثاني عشر..

لم يخيّب الشيوعيون السوريون، أعضاء المؤتمر الثاني عشر، ثقة من انتخبهم في منظماتهم المنطقية، وأثبتوا طوال ساعات يوم الجمعة 2 نيسان 2010، من خلال المداولات والمداخلات المكثفة والنوعية، أنهم على قدر عال من الجدية والمسؤولية والوعي، حيث أنجزوا أعمال مؤتمرهم بأعمق وأفضل ما يكون الإنجاز..

افتُتح المؤتمر بالنشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت إحياءً لذكرى شهداء الوطن والحزب، ثم جرى انتخاب هيئة رئاسة المؤتمر، ليتم بعدها إقرار جدول الأعمال، وانتخاب اللجان: لجنة الاعتمادات ولجنة القرارات ولجنة الترشيحات.. ثم قدم الرفيق د. قدري جميل التقرير العام لهيئة الرئاسة السابقة..

التقرير العام المقدم أمام المؤتمر الثاني عشر للشيوعيين السوريين 

الرفيقات، الرفاق الأعزاء..

ينعقد مؤتمرنا بعد مرور عامين ونيّف على انعقاد الجلسة الثانية للمؤتمر الحادي عشر.. وكانت هذه الجلسة قد عقدت عشية الاجتماع الوطني السابع، وهانحن نعقد اليوم مؤتمرنا في خضم التحضيرات للاجتماع الوطني التاسع..

لقد كانت الفترة الماضية حافلة بالتطورات والأحداث التي أكدت صحة توجهاتنا السابقة، ولكن الأهم بالنسبة إلينا ليس التغني بما تحقق، وإنما وضع الأساس الصالح على أساس خبرتنا وتجربتنا للتطور اللاحق.. إن ما تحقق أصبح بحكم الماضي الذي لن ينافسنا عليه أحد، ولكن الأهم أن نستطيع القول غداً إن ما حققناه في الفترة الفاصلة نحو الغد كان ضرورياً وصحيحاً، وإلا فلن تكون هنالك قيمة عملية لما حققناه سابقاً بغض النظر عن قيمته التاريخية، ومقدار طليعيته، وحجم دوره الإيجابي في لحظتها..

تذكرون أننا قلنا في المؤتمر السابق إن مركز الثقل يجب أن ينتقل إلى الممارسة بعد أن أنجزنا من حيث المبدأ صياغة الرؤية والخطاب، آخذين بعين الاعتبار طبعاً أن هذه الصياغة تبقى مهمة مستمرة لانهائية.. بسبب التطورات التي تفرضها الحياة..

وكنا نعي تماماً في ذلك الحين أن الصعوبات الحقيقية تبدأ عندما نبدأ باتخاذ الإجراءات الضرورية لتحسين وتقوية تنظيمنا، ورفع مستوى كادراتنا كي تكون على مستوى اللحظة التي نعيشها..

وانطلقنا في ذلك من مقولة الضرورة التي تملي علينا مختلف إجراءاتنا، وليس الإمكانية التي تبقيها حبيسة لقوة العادة والتقاليد، مثلنا في ذلك مثل جميع الثوريين على مر التاريخ.. طبعاً بعد ذلك يجري الدفع المستمر للإمكانيات باتجاه ما تفرضه الضرورات..

وعلى هذا الطريق قمنا بالكثير وما زال أمامنا الأكثر، فما الذي قمنا به؟

1 - قمنا بصياغة مبدئية لرؤيتنا التنظيمية، وحددنا الإطار العام للتنظيم الشيوعي المنشود في الظروف السورية الملموسة الذي يجب أن يكون قادراً على القيام بدوره الوظيفي- التاريخي.

2 -حددنا المعوقات التي تكونت تاريخياً والتي منعت تنظيمنا من البقاء لينينياً بكل معنى الكلمة، وفهمنا طريقة انزلاقه التدريجي نحو اكتساب ملامح مارتوفية كانت تزداد مع الزمن بفعل التراجع العام للحركة أولاً، وبسبب طبيعة الأزمة التي عاشها الحزب ثانياً..

3 - وضعنا الصيغة التي ستخرجنا إلى رحاب تنظيم لينيني فاعل غير متأثر بالضغط العفوي للمزاج المارتوفي الذي ينتجه المجتمع كل لحظة، بل على العكس مستخدماً إياه ومتحكماً به في إطار معين من أجل مصلحة الحركة ككل.

4  ـ و بدأنا التنفيذ الفعلي لكل ذلك بالاتجاه نحو الاجتماع الوطني التاسع.

5 ـ أقمنا نشاطات هامة كانت نقاط علام وروافع لكل نشاطنا التنظيمي والجماهيري خلال الفترة الماضية، وأخص بالذكر احتفال التضامن مع غزة في (عرنوس)، واحتفال الذكرى الـ85 التي ستطبع نشاطنا اللاحق بطابعها خلال الفترة اللاحقة.

الرفيقات، الرفاق..

دون فهم عميق لجوهر العملية الجارية في تنظيمنا اليوم، لم يعد يمكننا السير بعيداً إلى الأمام، ولم يعد بإمكاننا تأمين وحدة الإرادة والعمل الضرورية لهذه العملية، وبالتالي سيكون من المستحيل الوصول إلى الأهداف التي وضعناها أمام أنفسنا..

إن اللحظة الحالية، هي لحظة انعطافية وبالتالي خطيرة.. خطيرة بحال فشلنا في الوصول إلى الهدف المنشود، وهذا الوصول غير ممكن دون إرادة وفعل عشرات الكوادر ومئات الشيوعيين.. إن الخيار الوحيد أمامنا هو النجاح في الوصول إلى استهدافاتنا، وهو ما يتطلب أعمق وعي حزبي وأعلى انضباط حزبي، وتكريس عالي المستوى للنفس للحزب ولقضيتنا المشتركة..

لا نبالغ إذا قلنا إن هذه اللحظة يمكن مقارنة خطورتها باللحظات الكبرى في تاريخ الحزب 1948، 1958، 1969، ولكن إذا كانت المبادرة في اللحظات السابقة بيد أعداء الحزب، فإن اللحظة الحالية تتميز بأن المبادرة في أيدينا، ونحن الذين قررناها هجوماً على ما بلي في البنية والعقلية والتنظيم، وهذا الأمر بجوهره ما هو إلا انعكاس لانفتاح الأفق التاريخي أمامنا بشكل واسع، بينما كانت اللحظات السابقة تعبيراً عن تغير مستتر لميزان القوى ضد مصلحة الحركة الثورية العالمية والمحلية.. وانسداده مؤقتاً أمامها.

السؤال الآن: أن نكون ثوريين يقتحمون الصعاب ويحلون التناقضات بجرأة أم مدعي ثورية مستكينين للواقع بحجة الإمكانيات؟.. إن التفسير الصحيح كما تعلمون يفترض التغيير، ولهذا التغيير رجاله وثوريوه، والعكس بالعكس..

تعلمون جميعاً أن مجمل حركتنا في البلاد كان يمكن توصيفها بحالة الموت السريري لولا بارقة الأمل التي خلقتها رؤيتنا ومبادراتنا ونشاطنا.. فكيف الأمر إذا كنا نريد فعلاً لا قولاً، استعادة الدور الوظيفي للشيوعيين كاملاً ناجزاً دون أي تفريط؟ إن التحدي الذي ارتضيناه لأنفسنا لعظيم، ولكننا عليه لقادرون!.

هنا يجب القول بصراحة إن للظاهرة المارتوفية جذورها العميقة في المجتمع وفي تاريخ الحزب خلال مرحلة الأزمة..

إن التنظيم اللينيني كما هو معروف، انعكاس موضوعي للعقلية البروليتارية التي تتكون موضوعياً في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي.. أما العقلية المارتوفية فهي بجوهرها إصلاحية، وبالتالي لا تريد تنظيماً أكثر من ذلك المستوى، وهي تعكس عقلية الفئات غير البروليتارية المتضررة نسبياً من الرأسمالية.

إن الخلاف بين لينين ومارتوف حول الشرط الثالث للعضوية الذي قسم الاشتراكيين الديمقراطيين إلى بلاشفة ومناشفة، قد يظهر أنه شكلي وصوري، ولكنه في الواقع أنتج حزبين: حزب صنع ثورة أكتوبر؛ وحزب وقف ضدها..

لماذا؟ لأن الأداة التي كانت قيد التصنيع والبناء، ألا وهي الحزب، كانت تضمر وتعلن هدفين مختلفين، أولهما تحطيم الرأسمالية عبر التغيير الثوري للمجتمع، وثانيهما التكيف مع الرأسمالية وتحسينها عبر الإصلاحات التدريجية..

معروف لديكم أن نشوء حزبنا الشيوعي السوري جرى في فترة قال عنها قادة حزبنا الأوائل إن الطبقة العاملة إذا كانت موجودة فهي لا تعي نفسها كطبقة كونها بالإضافة إلى وزنها الضعيف في المجتمع هي طبقة ناشئة، لذلك فإن النمط اللينيني في التنظيم كان في حينها انعكاساً بالدرجة الأولى لإشعاع ثورة أكتوبر وإنجازاتها على كل الصعد، وكذلك انعكاساً لوعي النخب التي قادت عملية بناء الحزب في مراحله الأولى.. أي إنه لم يكن انعكاساً صافياً لوزن الطبقة العاملة السورية ووعيها.. ولم تظهر سلبيات هذا الجانب في مرحلة صعود الحركة حتى أوائل الستينيات، هذا الصعود الذي كان تعبيراً في حينه عن الصعود العام للحركة الثورية العالمية.. ولكن عندما انقلبت الآية، وبدأت مرحلة التراجع العامة، لم يعد يكفي تأثير النخب القيادية للحفاظ على الطبيعة اللينينية للحزب، فبدأت العقلية المارتوفية التي تكتسب جذورها من تأثير الأوساط غير البروليتارية في المجتمع بالتقدم رويداً، وإذا أضفنا إلى ذلك تداعيات الأزمة الحزبية وما تفترضه من تجميع عشوائي للأنصار، نفهم التحول الذي جرى..

وهنا يجب عدم نسيان دور العوامل السياسية الناتجة عن التراجع العام التي أفرغت الحزب من مهامه المباشرة، ودفعته منظمات ورفاقاً، بشكل عام وفي كثير من الأحيان، للاكتفاء بالشعارات العامة..

كل هذه العوامل مجتمعة وضعتنا أمام موروث في اللحظة المستجدة يتطلب المعالجة..

فما هي اللحظة المستجدة التي تستعجلنا لإنجاز مهمتنا في استعادة الدور الوظيفي المنشود؟ 

 الأزمة الرأسمالية العالمية 

لم يكن توقع الأزمة باكراً ضرباً من العلم بالغيب والسحر، وإنما تأكيد على ما تتضمنه الماركسية كعلم من إمكانيات إذا أحسن استخدامها مع معرفة جيدة للواقع تسمح بتوقع الاتجاه العام للحركة اللاحقة وبناء سلوكنا الفاعل فيه على هذا الأساس.

والأمر كذلك، فما الجديد اليوم إذا كنا لا نريد أن نكرر اليوم ما قلناه سابقاً، والذي أصبح رصيداً هاماً بلا شك يمكن الاستناد إليه في بناء الثقة اللاحقة بخطنا وسياستنا؟ إن لينين قد أكد على هذه النقطة في مرض الطفولة اليساري حينما أشار إلى أن الثقة بالحزب من قبل جماهيره وثقة الحزب بقيادته إنما تأتي من تراكم المواقف الصحيحة، لذلك فإن ما تبين صحيحاً في رؤيتنا وسياستنا هو أمر لا يمكن أن يكون عابراً، وإنما كان له تأثير هام في إعادة بناء الثقة بحزبنا وفكرنا، وعلى هذا النهج يجب أن نستمر ما يجعلنا أمام مسؤولية أكبر من ذي قبل. إذاً المطلوب ليس الحفاظ على ما بني من ثقة فقط، وإنما مضاعفته والسير به إلى الأمام.

فما هي الدروس المستخلصة التي تسمح باستنتاجات جديدة؟

- رأسمالية دون أزمة عميقة، أمر مستحيل، السؤال دائماً: متى؟ وكيف؟

- المخرج الحالي من الأزمة لا يمكن أن يشبه سابقيه، لأن الحياة متجددة.

- المخرج الحالي أصعب من سابقيه، لأن احتياطات الرأسمالية قد استنفدت.

- لذلك هذه الأزمة مرشحة لأن تكون نهائية بالنسبة للرأسمالية لتوافر جميع العناصر الموضوعية التي تحتم هذا الأمر.

- إذا كانت العناصر الموضوعية شرطاً ضرورياً للانهيار، لكنها شرط غير كاف.

- الشرط الكافي هو الوعي البشري أي الفعل البشري، أي دور العنصر الطليعي، أي دور حزب معاداة الرأسمالية جذرياً..

- حسب لينين، الرأسمالية قادرة على تجاوز كل أزماتها إذا لم تعاجلها ضربة البروليتاريا خلال الأزمة.

- الحل النهائي لأزمة الرأسمالية اليوم، حل صعب بل يتسم بالجنون، إنها تسير حتماً نحو اعتماد التخفيض الكلي لعدد سكان الأرض المحرومين، ما يزيل مسألة اللامساواة في التوزيع من جذورها، ويحافظ على مستوى رفاه الفئات العليا من الرأسمالية دون تغيير.

ونعتقد أن كل فصائل الإمبريالية لن تختلف على هذا الحل الذي يبدو غير واضح اليوم في كل معالمه، ولكن ملامحه الأولى واضحة.

- الجديد أن الإمبريالية الأمريكية خلافاً لسابقاتها، ليس لديها وريث يحمل الراية عنها، مع كل ما سيحمله هذا الأمر من تعقيدات دولية وإقليمية.

- خط الدفاع الأخير للإمبريالية الأمريكية بعد فشل مخطط بوش (بالمفرق)، هو الدفاع عن الدولار كعملة عالمية عبر الحفاظ على تسعير النفط والمواد الخام به، وبما أن القوة العسكرية المباشرة غير قادرة وحدها على هذا الأمر، تم الانتقال إلى مخطط أوباما (بالجملة)، وعبر توتير صراعات محلية على طول خط التوتر من باكستان إلى  القفقاس، ما يؤدي إلى أمرين:

- فوضى شاملة في أهم مناطق النفط تؤجل موضوع الدولار إلى أجل غير مسمى.

- خلق الأرضية اللازمة لصراعات دموية في منطقة يعيش فيها نحو ملياري إنسان.

- هذه المخططات تواجه مقاومة شرسة، ما يدخل المخطط في أحيان كثيرة بتخبط غير متوقع، ليستعيد توازنه، وهكذا دواليك..

هذا كله يشير إلى أن الإمبريالية العالمية وخاصةً الأمريكية، تقترب من حافة الهاوية مع حلفائها وعملائها..

فماذا يمكن أن نسمي عدم استعداد الشيوعيين لملاقاة هذه اللحظة التاريخية؟ هل هو خطأ؟ عدم تقدير صحيح؟ مهما كان الأمر، فإن النتيجة بحال حدوث أمر كهذا هو بنتائجه جريمة لا تغتفر ترتكب بحق شعوبنا وكادحينا في كل المنطقة والعالم.. واسم هذه الجريمة هو تفويت اللحظة التاريخية.

من هنا يصبح مفهوماً إصرارنا على الانطلاق من الضرورات لأن الضرورة لا نحددها نحن، بل يحددها الواقع، وما علينا إلا اكتشافها فقط..

إن التعامي عن الضرورة تحت أية حجة كانت، كما التراخي في تحقيق متطلبات ملاقاتها هو خيانة مباشرة واعية أو غير واعية لمصالح الطبقة العاملة وللاشتراكية وللماركسية- اللينينية.

هذا المستوى من الرؤية والتطلب هو الخيار الوحيد أمامنا كي نعيد الاعتبار لحركتنا ودورنا.. 

المستجدات الإقليمية 

إن المهام الأصعب هي التي لم نحلها بعد، فالوضع الإقليمي قاب قوسين أو أدنى من انفجار كبير لا أحد يعلم بعواقبه، إن كل تناقضات الإمبريالية العالمية تتكثف بشكل واضح وتتجلى في منطقتنا من قزوين إلى المتوسط، منطقة شعوب الشرق العظيم.. وبغض النظر عن التفاصيل اللاحقة للأحداث فإن المقاومة كخيار شامل ووحيد قد فرضت منطقها على الأحداث وإيقاعها واتجاه تطورها.. وسيظل الباحثون لعقود يبحثون كيف استطاعت مقاومات صغيرة أن تحبط مخططات جهنمية مدعومة بآلات حربية كبيرة بل الأكبر بالتاريخ..

المهم بالنسبة لنا الأمور التالية:

- تبقى المقاومة خياراً وحيداً أمامنا وهي في طريقها لتتكون كثقافة شاملة.

- المقاومة هي وضع دفاعي، آخذين بعين الاعتبار التطور اللاحق للأحداث مع التغييرات الجارية على موازين القوى في ظل الأزمة الرأسمالية العظمى، لا يمكن إلاّ أن نستنتج أن بقاء المقاومة رهن بتحولها إلى قوى تحرير، أي إلى قوى هجوم.. أي بكلام آخر بقاء قوى المقاومة على خط الدفاع عندما تنضج ظروف الهجوم هو انتحار، لأن التاريخ لا يعطي أية قوة صاعدة فرصتين، بل يعطيها فرصة واحدة فقط، فإما أن تستفيد منها أو تزول بغض النظر عمن يرفع الراية الأولى في هذه المرحلة أو تلك.. هذه الراية التي يمكن أن تنتقل من يد إلى يد كما علمتنا الأحداث ولكنها تبقى مرفوعة ويجب أن تبقى مرفوعة..

- إذا كنا سابقاً قد أكدنا على أن النظام الرسمي العربي نتاج النظام الدولي السابق الناتج عن توازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد انتهى بشكله المعلن عنه في بادىء الأمر وانتقل لأداء دور وظيفي آخر غير معلن صراحة وما هو إلا تعبير عن النظام الدولي الحالي ومنفذ بائس لمصالحه وأهدافه.

إلا أن الأنظمة العربية الرسمية هي شيء آخر ويمكن أن تستمر ولا تنهار فوراً بانهيار النظام الرسمي العربي.. ولكن كل ظروف انهيار هذه الأنظمة الرسمية في ظل تبعيتها للإمبريالية والصهيونية قد أصبحت ناضجة لانهيارها تحت ضغط شعوبها وتحت ضغط الصراع المباشر مع الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية الذي تخوضه قوى المقاومة في كل مكان.. وحتى لا نتفاجأ فيمكن أن نشهد في لحظة توتر قادمة محددة انهياراً متسلسلاً لمجموعة من هذه الأنظمة المهترئة المعادية لشعوبها ومصالحها..

- إن المقاومات الناشطة والممانعات الموجودة في سورية وإيران يمكن أن تلعب دور الصاعق في هذه العملية، لذلك يجب حماية قوى المقاومة والممانعة ودعمها لتصليب وتطوير مواقفها بالاتجاه المطلوب..

- تثبت تطورات الأزمة العالمية بداية نشوء فراغات في المنطقة نتيجة الوهن المتزايد لقبضة الإمبريالية الأمريكية، ومن الطبيعي أن تسعى القوى الإقليمية الموجودة لتعبئة هذه الفراغات، هذا الأمر الذي يفرضه الواقع الموضوعي لذلك لا يمكن أن نفهم الدور التركي والإيراني المتزايد في المنطقة إلا من هذه الزاوية..

وهي تعبير في العمق عن أمر آخر تحدثنا عنه سابقاً ألا وهو وحدة مصير شعوب الشرق العظيم..

إن الإمبريالية الأمريكية والصهيونية تسعيان اليوم إلى تفكيك نتائج سايكس- بيكو نفسها عبر تجزئة وتقسيم الدول المقامة على أثره، ولا شك أن الدفاع عن الدول الوطنية الناشئة في القرن العشرين هو أمر هام وتقدمي في مواجهة مخططات الإمبريالية.. ولكن هذا الموقف هو دفاع.. والانتقال إلى الهجوم يتطلب تعميق رؤيتنا لمفهوم وحدة مصالح شعوب الشرق العظيم..

وبالفعل وكما يثبت التاريخ فإن المنطقة التي تعيش عليها هذه الشعوب المتآخية على مر التاريخ هي ليست فقط منطقة مترابطة جغرافياً- سياسياً.. بل هي أكثر من ذلك إنها إقليم اقتصادي واحد إذا أخذنا بعين الاعتبار الجغرافية- الاقتصادية، والدليل على ذلك هو التاريخ نفسه الذي عاشت فيه دولة كبرى بغض النظر أين كانت عاصمتها دمشق أو بغداد أم اسطنبول، وحينما نتكلم عن التاريخ نتكلم عن تاريخ لا يقل عن ألف عام.. فهذا الواقع نفسه له جذوره الموضوعية، كما أنه خلق أرضية مشتركة هامة وخاصة في ثقافته من القيم والمثل والأخلاق التي تتميز عن مناطق أخرى في العالم وهذا أمر طبيعي.. ولكن الأهم هو مفهوم الإقليم الاقتصادي القادر على التطور والاكتفاء الذاتي ضمن عملية الإنتاج والتبادل في داخله.. إن عدم وعي الإمبريالية العالمية لهذه الحقيقة بعد أكتوبر 1917 وحصار روسيا السوفييتية قد سرع تطورها لأنها ضمن الاتحاد السوفييتي كانت إقليماً اقتصادياً.. والأقاليم الاقتصادية في العالم من وجهة النظر هذه ليست عديدة..

وهكذا نرى أن وحدة شعوب الشرق العظيم لها أساسها الاقتصادي والثقافي وليس فقط السياسي الذي تفرضه اللحظة الراهنة..

إن هذا الأمر يتطلب المزيد من المعالجة والتعميق في المرحلة القادمة وصولاً إلى إيجاد الشكل الملموس لوحدة شعوب الشرق الذي يجب أن يتحول إلى شعار هجومي يعكس ميزان القوى المتجدد في العالم ويسمح بالإحباط النهائي لمخططات الإمبريالية التفتيتية والتقسيمية..

طبعاً كل فئة اجتماعية وكل طبقة تسعى إلى إقامة هذه الوحدة على شاكلتها ووفقاً لمصالحها.. إن كل مشاريع وحدة بلاد الشرق التي لا تستند إلى مصالح الجماهير الشعبية العميقة ستؤول إلى الفشل، الفئات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة  فقط قادرة على صياغة مشروع في هذا المجال قابل للانتصار والحياة...

ضمن هذه المعطيات الدولية والإقليمية جرى تطور الوضع الداخلي خلال الفترة ما بين المؤتمرين، فما هي أهم ملامحه؟ 

 مستجدات الوضع الداخلي

مازالت الاتجاهات العامة لتطور الوضع الداخلي كما هي عليه من حيث المبدأ وهو قد تميز في المرحلة السابقة..

- استمرار تدهور مستوى المعيشة للأوساط الواسعة من ذوي الدخل المحدود وازدياد تمركز الثروة بشكل لا سابق له.

-انتهاء عملية رفع الدعم عن المازوت رغم المقاومة التي واجهتها وتبين آثارها الكارثية على مستوى المعيشة والإنتاج الصناعي والزراعي.. والاتجاه نحو رفع الدعم عن الكهرباء لاحقاً..

- إقرار قانون العمل بصيغته الجديدة المناوئة لمصالح الطبقة العاملة والشاطبة على مكتسباتها.. وهو لم يمر إلا عبر مقاومة شرسة وتأخير لا بأس به..

- ومن جهة أخرى انهارت عملياً اتفاقية الشراكة الأوروبية -السورية وهو ما دعونا له و التي حذرنا منها مراراً..

- إلى جانب ذلك تعكس نتائج الخطة الخمسية العاشرة الفشل الكلي للنهج الليبرالي في الاقتصاد، فهو لم يستطع تحقيق أهدافه المعلنة من حيث النمو ومكافحة الفقر والبطالة، فهذه المؤشرات على المستوى الكلي في تراجع عام، ولكنه ينجح فيما يسمى عملية تحرير الاقتصاد، والذي يسعى إلى فتح البلاد أمام الاستثمارات الخارجية دون نتائج عملية ايجابية تذكر على الاقتصاد الوطني..

إذاً اللوحة هي التالية:

- تراجع دور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي..

- ازدياد دور ما يسمى برجال الأعمال الذين ما هم إلا الرأسماليين الجدد وازدياد تمركز الرساميل إلى درجة غير مسبوقة..

- تراجع جميع المؤشرات الاجتماعية وازدياد الفقر المطلق والنسبي بين الجماهير الشعبية..

- تراجع النمو فعلياً في قطاعات الاقتصاد الحقيقي وازدياد دور القطاعات الريعية في التهام حصة أكبر فأكبر من الدخل الوطني..

- ازدياد تشوه البنية الهيكلية للاقتصاد السوري..

والأمر هكذا فإن الصراع الطبقي في البلاد يأخذ في الاشتداد على كل المستويات

ويزداد ويتعمق الفرز الاجتماعي رغم محاولات تشويهه وحرفه باتجاه مسارات تخدم بنهاية المطاف المخططات الأميركية ـ الصهيونية البعيدة المدى ولعل من أهم القضايا التي لعبت سياستنا دوراً هاماً في توضيحها، ووضعت الصراع على سكته الحقيقية هي عملية فضح وهم ثنائية معارضة / نظام في الظروف السورية التي لو استمرت في الحياة، لما رأينا اللوحة اليوم  كما هي عليه الآن من وضوح يتسع في رؤية الصراع الاجتماعي كما هو عليه على أرض الواقع.

وهنا لابد من التذكير بأهمية الموقف اللينيني من الديمقراطية فليس هناك ديموقراطية صافية فوق الطبقات، وهي في نهاية المطاف انعكاس للتوازن الطبقي الملموس في اللحظة الملموسة، أن الترابط بين الجبهات الثلاث الوطنية والاقتصادية ـ الاجتماعية والديموقراطية، أنما يعني فقط لا غير أننا نريد توسيع الحريات السياسية ورفع مستوى ممارسة الديموقراطية بشكل أن يخدم بشكل حقيقي المهام الوطنية العامة والمهام الاقتصادية ـ الاجتماعية التي تخدم مصالح الأغلبية الساحقة في المجتمع.

أن تخلف مستوى الديموقراطية عن متطلبات الواقع يخلق الأرضية ليس لنمو التيارات الظلامية ـ التكفيرية فقط، وإنما يوسع أيضاً أرضية حاملي الأفكار الليبرالية المختلفة المستوردة من الخارج، والذين يتلاعبون بمصطلحات عديدة في هذا السياق مثل العلمانية وتمكين المرأة و الحوكمة... إلخ..

ويجب الإشارة هنا إلى أن كل الإجراءات الليبرالية في البلاد تمر بصعوبة وبمقاومات مختلفة وليس أقلها أهمية التي يتم التعبير عنها من داخل النظام نفسه، وقد حذرنا أن النظام السياسي في البلاد ليس مصمماً من حيث الأساس للتأقلم مع إجراءات اقتصادية كالتي يجري اتباعها.. والسؤال الأهم هو إلى متى سيتسامح وسيتحمل الرأسماليون الجدد هذه البنية، ومتى هي اللحظة التي سيشتد ساعدهم فيها ليطالبوا بكامل حصتهم من السلطة السياسية؟!

وإذا أضفنا إلى ذلك تعقيدات الوضع العالمي بأزمته الاقتصادية وتداعياته على الوضع الإقليمي، وإذا تذكرنا مقولة لينين حول أن الشعوب بنضالها ضد الاستعمار تندار ضد الرأسمالية.. لفهمنا أن حظوظ استمرار سياسات اقتصادية كالتي تتبع في البلاد هي حظوظ ضئيلة إذا ما أحسنت القوة المتضررة تنظيم صوتها وحركتها.. وهنا تتضاعف مسؤوليتنا، وتلمسون جميعا ًالدور المتصاعد الذي تلعبه قاسيون في هذه المعركة الوطنية الكبرى..

إن الظروف الملموسة تستدعي منا إعمال التفكير جدياً في النموذج الاقتصادي السوري المطلوب لتجاوز السياسات الحالية، فالنموذج الحالي فقد مصداقيته، والنموذج السابق فات أوانه، وعلينا التصدي لصياغة نموذج جديد بكل تفاصيله الكبرى الذي يؤمن أكبر نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية مطلوبة، مستنداً إلى الميزات المطلقة التي توفرها الموادر السورية وهي مهمة ليست سهلة، وهي بجوهرها دليل أن الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين تطرق أبواب بلادنا بقوة..كما تدق ابواب كل العالم. 

مرة أخرى حول التنظيم 

هكذا إذاً، فإن المستجدات على كل المستويات تضع أمامنا مهمة أساسية ألا وهي بناء ذلك التنظيم القوي، الذكي، المرن، الصلب، الفعال للتصدي لجميع هذه المهام.. والقول هكذا فإن الآجال الزمنية ليست مفتوحة إلى مالا نهاية لإنجاز هذه المهمة..

إن التناقض الأساسي الذي يعيشه الشيوعيون السوريون هو التناقض بين الضرورات التي تفرضها المهام الملحة على كل المستويات وبين بنية تنظيمهم وآليات عملهم التي تنتمي إلى عهد آخر، ودون حل هذا التناقض لا يمكن التقدم إلى الأمام ولا خطوة.. إلى جانب أن هذه البنية قد شابها الكثير من الملامح المارتوفية التي يجب الاعتراف بها صراحة من أجل التخلص منها وتجاوزها.. والانطلاق نحو تحقيق الدور الوظيفي- التاريخي للشيوعيين السوريين..

لابد من بعض الكلمات حول الحوار وحول وضع الفصائل الشيوعية، تعلمون أهمية المبادرة التي أطلقت في الاجتماع الوطني السابع فهي قد فتحت الباب للحوار مع الرفاق في فصيل النور الذي لم ينته حتى الآن، رغم ذلك نعتقد أن إنهاء الحوار حول الأوراق ليس المعضلة فهو يمكن أن ينجز بين لحظة وأخرى، ولكن المعضلة هي فيما بعد الحوار، إلى أين؟ عودة إلى التنسيق والعمل المشترك، أي عودة إلى المربع الأول، أو الانطلاق نحو التوحيد على أساس مبدأ سيادة المؤتمرات وهو ما أكدنا عليه في الاجتماع الوطني الثامن..

سنترك للأيام الإجابة عن هذا السؤال، وهنا لابد من التوضيح وإعادة التأكيد أن وجود عدة تنظيمات شيوعية يعيق الشيوعيين في استعادة دورهم الوظيفي لأنه لا يبلبل فقط الشيوعيين وإنما أيضاً جماهيرهم اللصيقة، فكيف هي الحال بالجماهير الواسعة؟

أن التجربة العملية قد أثبتت أن وجود أكثر من فصيل على الساحة، يعني في نهاية المطاف عدم القيام أي منهم بدوره الوظيفي... إن اكتساب الدور الوظيفي لا يأتي في نهاية المطاف إلا باعتراف الجماهير نفسها به.

ولكن الأكيد أن هنالك صعوبات معينة يعاني منها الرفاق في الفصائل، وهم أمام استحقاق مؤتمراتهم ونحن نتمنى توطيد وحدتهم، ونأسف لكل حالات الصراع العلني والمستتر لديهم، ونرى أن المخرج الحقيقي منها هو الانطلاق الفعلي نحو وحدة الشيوعيين السوريين على أساس مبدئي.. وها هي الحياة تثبت مرة أخرى أن الابتعاد عن الدور الوظيفي يزيد حدة الصراعات في الداخل، بينما الاتجاه نحوه يوطد وحدة الصفوف ويفتح الطريق لانتصارات جديدة..

أخيراً.. في نهاية أعمال مؤتمرنا سننتخب هيئة رئاسة جديدة ونعتقد أنه يجب تكليفها بإنجاز عملية تماهي تنظيمنا مع اللجنة الوطنية حتى الاجتماع الوطني التاسع على كل المستويات، فرقة- هيئة قاعدية, فرعية- لجنة دائرة, منطقية- لجنة محافظة.

ونرى أن تكلف الرئاسة القادمة بحال إنجاز هذه المهمة بنجاح، أن تعلن في الوقت المناسب انتقال المركز الذي تمثله نهائياً إلى هيئات اللجنة الوطنية المنتخبة في الاجتماع الوطني التاسع وخلال التحضير له..

أمامنا مهام كبرى وشاقة، ولكن الشيوعيين الحقيقيين صُنعوا من معدن خاص يؤهلهم لمجابهة وحل هذه المهام.. 

الشعار والتحيات 

تم عقد المؤتمر تحت شعار «نمشي ونكفي الطريق..».. بكل ما لهذا الشعار من رمزية عالية وإصرار على متابعة طريق النضال حتى إنجاز المهام الوطنية والطبقية المنوطة بالشيوعيين..

ووجه المؤتمر تحياته الكفاحية إلى المقاومات الصامدة في الجولان وفلسطين ولبنان والعراق، ضد الاحتلالين الصهيوني والأمريكي، مؤكداً أنه لا بديل عن خيار المقاومة الشاملة، وضرورة الانتقال من الممانعة والمقاومة إلى التحرير، أي من الدفاع إلى الهجوم. 

لقطات من المؤتمر 

• تميز المؤتمر بحضور لافت للشباب، من الجنسين، وقد كان هذا الحضور فاعلاً ومؤثراً، حيث قدم العديد من الأعضاء الشباب مداخلات ساخنة، اتسمت بعمقها وجرأتها وطرحها لأسئلة جديدة بكل المقاييس..

• التزم معظم المداخلين بالوقت المخصص للمداخلات الفردية، مع استثناءات بسيطة، وجاءت معظم المداخلات مكثّفة ومقتضبة وتتضمن ملاحظات لم تتطرق إليها مداخلات أخرى.

• تلقّت صحيفة قاسيون سيلاً من الإشادات بأدائها المرتفع باطراد بما يرتقي لمستوى التحديات العالية في هذه المرحلة، ورأى كثير من المداخلين أنها باتت تشكل النموذج المقتدى به في الجرأة والموضوعية والمهنية العالية..

• عقد المؤتمر في طقس ربيعي نموذجي، مما جنّب المؤتمرين البرد والحر، ولعل ذلك قد انعكس على مستوى المشاركة المرتفع والجدي في النقاشات..

• أنشد الرفاق النشيد الوطني في افتتاح المؤتمر بحماس شديد، كما أنشدوا النشيد الأممي في ختام أعماله بالحماس نفسه.