ماذا يجري في روسيا وحولها؟

خلال فترة وجيزة توالت الأنباء حول تردي الوضع الأمني سواء من داخل الحدود الجيوسياسية الروسية أو على تخومها وربما لن يكون آخر هذه السلسلة توجه رئيس قيرغيزستان إلى جهة مجهولة بعد إعلانه عن حالة الطوارئ في البلاد ومقتل وزير داخليتها في اشتباكات مع أنصار المعارضة الذين استولوا على البرلمان والنيابة العامة ومبنى التلفزيون الحكومي في العاصمة بشكك بعد أسابيع من الاضطرابات، وما سبق ذلك الإعلان من تفجيرات وهجمات دامية في داغستان وموسكو، استهدفت العمق الأمني الروسي الداخلي والقوقازي.

وبغض النظر عن تفاصيل كل حالة ولاسيما في صراع السلطة والمعارضة في قرغيزستان، وسواء كانت موسكو ذاتها- رغم تصريحات بوتين النافية- تحاول إعادة ترتيب الأوضاع هناك أم لا، فإن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه مرة أخرى هو حول القاسم المشترك في هذه الأحداث والعمليات وتحديداً لجهة التوقيت والأسباب، الآنية والإستراتيجية. 

اللافت أنها تزامنت مع توقيع موسكو لاتفاقيات اقتصادية ونفطية وعسكرية جديدة بمليارات الدولارات مع كاراكاس، ولكن الأهم أنها جاءت عشية توقيع الرئيسين الروسي ديمتري ميدفيديف والأمريكي باراك أوباما في براغ على الاتفاقية الجديدة لخفض الأسلحة النووية، بالتزامن مع إعلان الأخير عما يسمى بإستراتيجيته النووية الجديدة. وفي هذين الحدثين يبرز موقفان متناقضان من الطرفين: أولهما إعلان موسكو الاحتفاظ بحق الانسحاب من جانب واحد من الاتفاقية النووية الجديدة إذا كان موقفها ضعيفاً أو برز التفوق الأمريكي، ولاسيما فيما يتعلق بتوسيع الدرع الصاروخي الأمريكي كمياً ونوعياً في أوربا، وثانيهما إعلان واشنطن استثناء طهران وبيونغ يانغ من «إستراتيجيتها النووية الجديدة» مع ما يحمله ذلك من تبعات على العمق الاقتصادي والاستراتيجي الروسي بمعنى المصالح والامتدادات، وإبقاء التوترات والتصعيد الأمريكي في محيطها، بهدف إضعاف روسيا بوصفها التهديد الاستراتيجي الأكبر للهيمنة الأمريكية.

وليس مرد هذا التهديد سياسات النخب الحاكمة في الكرملين حالياً وإنما بحكم المميزات المطلقة التي يمتلكها الاتحاد الروسي بوصفه إقليماً اقتصادياً متكاملاً ومجمعاً صناعياً عسكرياً ومساحة قارية كبيرة وتعداداً سكانياً هائلاً يسمح بإمداد هذا المجمع الصناعي وتفوقه، وهو ما يعني أن الطور الحالي من عودة الاضطراب الأمني إلى روسيا تحت ذرائع ومسببات مختلفة قد لا ينتهي قريباً، ولن يكون الأخير في كل الأحوال.. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.