سورية ليست على المريخ!
يرى الإنسان السوري نفسه، وأمام القصف الإعلامي اليومي الذي يتعرض له من جهات مختلفة، مرغماً على مراجعة أبسط الحقائق، بل والتوقف عندها والتمعن بها مطولاً بغية فرز القذائف الإعلامية بين حقيقي وخلّبي..
من الحقائق البسيطة تلك، القول بأن سورية بلد يقع في قارة آسيا، وضمن كوكب الأرض وليس على المريخ ولا عطارد! رغم بساطة هذه الحقيقة إلا أنّ تحليلات «محللين» كثر، «موالين» و«معارضين»، تتجاوز هذه الحقيقة.. فلا يزال التقدم الذي يحرزه فصيل مسلح ما، في قرية سورية ما، تحولاً استراتيجياً من شأنه فتح الباب على مصراعيه أمام سلسلة «فتوحات» قادمة وصولاً إلى إسقاط النظام. ولا يزال كل تقدم للجيش السوري، في هذه البقعة أو تلك من الأراضي السورية، ووفقاً لرأي المحللين، خطوة باتجاه الحسم العسكري، والمقصود بالحسم العسكري هنا، لا الحسم ضد الإرهاب، بل ضد الإرهاب والمعارضة جملة وتفصيلاً بوصفها إرهاباً، أي أنّ الحسم هو حسم سياسي لمصلحة بقاء النظام كما هو، ودون أي تغيير، ولكن تحت اسم «الحسم العسكري»..
فوق ذلك، لا يزال التحرك الميداني، كراً وفراً، على الأرض السورية الممتدة على ما يقرب من 185 ألف كم مربع، محدداً لمختلف أنواع التحركات في الإقليم كلّه، بل وفي العالم أجمع!
التوازنات الدولية تنبع من سورية وإليها تعود. الاقتصاد الدولي يتمركز حول مشروعات خطوط الغاز الافتراضية المارة من سورية، وكذلك الأمر مع مخزون الغاز على شواطئ المتوسط، فالميل العام نحو انحدار أسعار الوقود الأحفوري أشكاله بكلها لن يؤثر على غاز سورية، بل على غازات الآخرين! كل ما يستطيع فعله هذا الميل هو رفع وزن الشمس في سورية التي ستكون واحة الطاقات المتجددة، ومنتجاً هاماً لها.. سورية عمود السماء وإن اختل هذا العمود سقطت السماء منطبقة على الأرض وفنيت البشرية جمعاء.. وإلخ
ليس المقصود بالمرور على مساخر محللي التشدد، «المؤيد» منه و«المعارض»، تصغير شأن سورية، بل التذكير بأنّ أهمية سورية تكمن أساساً في موقعها الجيوسياسي، وفي قدرتها الفريدة على تمثل انعكاسات العصر، فهي أول دولة تمت فيها ترجمة التوازن الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، فكانت أول المستقلين عن نظام الاستعمار القديم، يضاف إلى ذلك عناصر أهمية عديدة تبرز بوصفها ميزات مطلقة كامنة على مستوى الاقتصاد وغيره من القطاعات.. ليس هنا مربط الفرس.
المسألة هي أنّ المحللين إياهم، ولأنهم يرون أن الظرف الدولي والإقليمي يسير في طريق لا يتلاقى به مع رغباتهم ومصالحهم الضيقة، فإنهم يتعامون عن رؤية ذلك الظرف، بل ويحاولون إلقاء ضباب إعلامي كثيف فوقه بتحويله وتأويله وتفسيره بما يخدم رؤاهم، ولذلك تراهم عالقين في تحليلات هي أقرب إلى قصائد وغنائيات شعرية رديئة منها إلى العلم السياسي.. أهم ما في الأمر أن غنائياتهم هذه، وعلى غرار غالبية أغانيهم المنتجة حديثاً، «الوطنية» و«الثورية»، لا تطرب أحداً..