تأملات الرفيق فيدل كاسترو: الحرب قاب قوسين أو أدنى.. وكم أتمنّى أن أكون مخطئاً!
ما انفك قائد الثورة الكوبية، والزعيم التاريخي للجمهورية الكوبية الرفيق فيدل كاسترو، يحذّر منذ وقت ليس بالقصير من الحرب العدوانية الوشيكة التي تهم الولايات المتحدة الأمريكية وربيبها الكيان الصهيوني بشنها في مكان ما من الشرق، وقد كان يميل بدايةً لحدوث هذه الحرب في أقصى شرق آسيا ضد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، لكنه اليوم، لديه معطيات ومؤشرات كثيرة دفعته لاستشراف اندلاعها «الحتمي» قريباً جداً في الشرق الأوسط، وتحديداً ضد إيران، والتي سرعان ما ستتوسع لتشمل رقعة جغرافية أوسع بكثير في المنطقة ذاتها، وستمتد أضرارها لتطال العالم بأسره..
وقد نشر الرفيق فيدل أكثر من مقال بهذا الخصوص، قامت قاسيون بنشر بعضها في الموقع الإلكتروني وفي الصحيفة الورقية، وها نحن اليوم نجمع مقالين من هذه المقالات على درجة عالية وخاصة من الأهمية، ونقدمهما لقرائنا، على أمل أن يتعامل الجميع مع المعلومات والتحليلات الواردة فيهما بالقدر الذي تستحقه من الأهمية..
يقول الرفيق كاسترو في المقال الأول، المعنون بـ«كم أتمنّى أن أكون مخطئاً»:
عندما تُنشر هذه السطور في صحيفة «غرانما» يوم الجمعة، سيغدو يوم السادس والعشرين من تموز/يوليو، وهو الموعد الذي نحتفل فيه بمجد بشرف مقاومتنا لاعتداءات الإمبراطورية، بعيداً، رغم أنه لا يفصلنا عنه إلا 32 يوماً.
أولئك الذين يقررون كل خطوة يقوم بها أسوأ عدو للبشرية –وهي إمبريالية الولايات المتحدة، ذلك المزيج من المصالح المادية البائسة واحتقار باقي الأشخاص الذين يقطنون الكوكب والاستخفاف بهم- حسبوا كل شيء بدقّة رياضية.
في تأمّل السادس عشر من حزيران/يونيو كتبت: «بين مباراة وأخرى من مباريات كأس العالم لكرة القدم، تنزلق الأخبار الشيطانية شيئاً فشيئاً، على نحو لا يعبأ بها أحد».
لقد دخل المحفل الرياضي الشهير في أكثر لحظاته إرهافاً وإثارة للمشاعر. على مدى 14 يوماً، تنافست الفرق المكونة من أفضل لاعبي كرة القدم من 32 بلداً في سبيل الوصول إلى مرحلة الثمانية؛ ثم ستأتي بعدها تباعاً الرباعية وشبه النهائية ثم النهائية من المحفل.
التعصّب الرياضي ينمو بشكل متواصل، ويأسر مئات وربما آلاف الملايين من الأشخاص في كل أصقاع المعمورة.
يجدر التساؤل بالمقابل كم منهم بلغه أنه اعتباراً من العشرين من حزيران/يونيو شرعت قطع بحرية عسكرية أمريكية، بما فيها حاملة الطائرات «هارّي س. ترومان»، بحراسة غواصة واحدة أو غوّاصتين نوويتين وغيرها من السفن الحربية التي تحمل صواريخ ومدافع أشدّ قوة من صواريخ ومدافع السفن القديمة التي استُخدمت في الحرب العالمية الأخيرة بين عامي 1939 و1945، بالتحرك باتجاه السواحل الإيرانية عبر قناة السويس.
إلى جانب القوات البحرية اليانكية أبحرت أيضاً سفن عسكرية إسرائيلية، وعلى متنها أسلحة حديثة أيضاً، وذلك من أجل تفتيش كل سفينة تحمل صادرات أو واردات من السلع التجارية التي يحتاجها عمل الاقتصاد الإيراني.
باقتراح من الولايات المتحدة، ودعم كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وافق مجلس الأمن التابع لمنظمّة الأمم المتحدة، على قرار بالغ القسوة لم تنقضه أي من الدول الخمس صاحبة هذا الحق.
قرار آخر أشدّ قسوة صدر عن مجلس شيوخ الولايات المتحدة.
في وقت لاحق، صدر قرار ثالث، أشد قسوة بعد من سابقيه، عن بلدان المجموعة الأوروبية. كل ذلك حدث قبل العشرين من حزيران/يونيو، مما دفع الرئيس الفرنسي، نيكولاس ساركوزي، إلى القيام بزيارة عاجلة لروسيا، حسبما أوردت التقارير الإخبارية، ليتقابل مع رئيس دولة تلك القوة العظمى، دميتري ميدفيديف، على أمل التفاوض مع إيران وتفادي ما هو أسوأ.
المسألة الآن هي مسألة تقدير الموعد الذي ستنتشر فيه القطع البحرية الأمريكية والإسرائيلية قبالة السواحل الإيرانية، واحتشاد حاملات الطائرات هناك وإلى جانبها باقي السفن الحربية الأمريكية التي تقوم بالحراسة في تلك المنطقة.
أسوأ ما في الأمر هو أنه، وعلى غرار الولايات المتحدة، تملك «إسرائيل»، ربيبتها في الشرق الأوسط، طائرات هجومية حديثة جداً وأسلحة نووية بالغة التطور زوّدتها بها الولايات المتحدة، مما حوّلها إلى سادس قوة نووية على وجه الأرض من حيث قدرتها الهجومية، بين القوى الثماني المعروفة، ومن بينها الهند وباكستان.
كان شاه إيران قد مني بالهزيمة على يد آية الله روح الله الخميني في عام 1979 من دون استخدام قطعة سلاح واحدة. بعد ذلك، فرضت الولايات المتحدة الحرب على ذلك البلد باستخدام أسلحة كيماوية، زوّدت العراق بمكوّناتها إلى جانب المعلومات التي تحتاجها وحداتها القتالية والتي استخدمتها هذه الوحدات ضد الحرس الثوري. تعرف كوبا ذلك لأنها كانت آنذاك، كما سبق وشرحنا في مناسبات سابقة، رئيسةً لحركة عدم الانحياز. نعرف تماماً الأضرار التي حلّت بمواطنيها. رئيس الدولة الإيراني الحالي، محمود أحمدي نجاد، كان قائداً للجيش السادس من جيوش الحرس الثورية وقائداً لقوات الحرس الثوري في الأقاليم الغربية من البلاد، والتي تحمّلت العبء الرئيسي لتلك الحرب.
بعد 31 سنة من ذلك الموعد، تستخف الولايات المتحدة و«إسرائيل» عل حد سواء اليوم، 2010، بالمليون رجل الذين تتكون منهم القوات المسلحة الإيرانية وبقدرتهم القتالية البرية، وبالقوات الجوية والبحرية والبرية للحرس الثوري.
يضاف إلى هؤلاء عشرون مليوناً من الرجال والنساء، بين 12 و16 سنة، ممن تم اختيارهم وتدريبهم بشكل منتظم على يد مختلف المؤسسات العسكرية من بين السبعين مليون نسّمة سكّان ذلك البلد.
لقد أعدّت حكومة الولايات المتحدة خطة للقيام بتحرك سياسي يتكفل بتقسيم الصف الإيراني والإطاحة بالنظام، استناداً إلى النزعة الاستهلاكية الرأسمالية.
هذا الأمل أصبح فارغاً من مضمونه. فمن المضحك الاعتقاد أنه بالسفن الحربية الأمريكية، وإلى جانبها الإسرائيلية، يمكن تحقيق تعاطف مواطن إيراني واحد.
من جهتي، عند تحليلي للوضع الراهن، كنت أعتقد في البداية أن من شأن الحرب أن تبدأ في شبه الجزيرة الكوريّة، وأن يكون هناك صاعق تفجير الحرب الكورية الثانية التي تؤدي من جهتها وعلى الفور إلى الحرب الثانية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.
الآن يتغير واقع الأمور باتجاه معاكس: حرب إيران هي التي من شأنها أن تفتح فوراً حرب كوريا.
قيادة كوريا الشمالية، التي تم اتهامها بإغراق البارجة «شيونان»، وتعرف تماماً بأنه قد تم إغراقها بلغم تمكّنت الخدمات التجسسية الأمريكية من وضعه في جسم تلك القطعة البحرية، لن تنتظر ثانيةً واحدة للتحرك حالما بدأ الهجوم على إيران.
إنه من العادل أن يستمتع المتعصّبون لكرة القدم كما يحلو لهم بمباريات كأس العالم. إنما فقط أقوم بواجبي دعوة شعبنا لعدم ترك الأحداث تفاجئنا على الإطلاق من دون أخذ حيطتنا، وأنا أفكّر بشكل أساسي بشبابنا المليئين بالحياة والأمل، وبشكل أخص بأطفالنا الرائعين.
يؤلمني التفكير بالكثير من الأحلام التي تراود أبناء البشر وبالإبداعات المدهشة التي تمكّنوا من تحقيقها خلال آلاف قليلة من السنوات.
وبينما تتحقق الأحلام الأكثر ثورية وينتعش الوطن بخطى ثابتة، كم أتمنى أن أكون مخطئاً».!
24 حزيران/يونيو 2010- الساعة: 9:34 مساءً...
ويضيف كاسترو في المقال الثاني:
معرفة الحقيقة في الوقت المناسب
حين كتبتُ كل واحد من تأملاتي السابقة، مع الاقتراب المتسارع لكارثة بالنسبة للبشرية، كان همّي الأكبر القيام بالواجب الأساسي المتمثل بإطلاع شعبنا.
أشعر بهدوء نفس اليوم أكثر مما كنت أشعر به قبل 26 يوماً. وبما أن هناك أموراً ما زالت تحدث في غمرة حالة الانتظار القصيرة، فإن بوسعي أن أجدد التأكيد وأن أغني المعلومات الموجهة للرأي العام المحلي والدولي.
لقد التزم أوباما بأن يحضر في الثاني من تموز/يوليو مباراة الربع النهائي حالما حققت بلاده النصر في الثمن النهائي. لا بد وأنه يعرف أكثر من أي أحد آخر أن هذه الألعاب الرباعية ربما لا تقام، إذ أن أحداثاً بالغة الخطورة ستسبقها، على الأقل من واجبه أن يعرف ذلك.
في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو، نشرت وكالة أنباء دولية معروفة بدقة ما تنقله من تفاصيل إخبارية، تصريحات «... قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، الأميرال علي فدوي» -محذراً- من أن «الرد على الولايات المتحدة وحلفائها سيكون في الخليج الفارسي ومضيق هرمز في حال الإقدام على تفتيش السفن الإيرانية في المياه الدولية».
هذا النبأ تم نقله عن وكالة الأنباء الإيرانية المحلية «مهر».
وحسبما جاء في البرقية الصحفية، فقد نقلت الوكالة المذكورة عن فدوي إضافته بأن «القوات البحرية التابعة للحرس الثوري تتمتع حالياً بمئات السفن المزودة بقاذفات الصواريخ».
هذا النبأ، الذي تمت صياغته في ذات الساعة تقريباً التي ظهر فيها ما نشرته صحيفة «غرانما» أو ربما قبل ذلك، بدا في بعض نقاطه وكأنه نسخة مطابقة تماماً لفقرات التأمل الذي نُشر يوم الخميس الموافق الرابع والعشرين من حزيران/يونيو، ونشرته الصحيفة المذكورة يوم الجمعة الموافق 25.
ما يفسّر هذا التوافق هو الاستخدام الأساسي الذي أطبقه على التفكير المنطقي. لم أكن أعرف أنا كلمة واحدة مما نشرته وكالة الأنباء المحلية الإيرانية.
لا يراودني أدنى شك بأنه حالما تشغل القطع البحرية الحربية الأمريكية والإسرائيلية مواقعها -إلى جانب باقي السفن الحربية الأمريكية المتواجدة على مقربة من السواحل الإيرانية- مواقعها وحاولت تفتيش أول سفينة تجارية إيرانية، سينهال وابل من الصواريخ باتجاه وبآخر. ستكون تلك اللحظة الدقيقة التي ستبدأ فيها الحرب المريعة. لا يمكن لأحد أن يتكهن بعدد القطع البحرية التي ستغرق ولا العلَم الذي ترفعه كل منها.
معرفة الحقيقة في أوانها هو الأمر الأهم بالنسبة لشعبنا.
لا يهم أن كان الأمل يحدو الجميع تقريباً، ويمكن القول 99.9 بالمائة أو أكثر من أبناء وطني، وبدافع الفطرة الطبيعية، بأن أكون مخطئاً. لقد تحدثت إلى أشخاص من أقرب الأوساط، وتلقيت في ذات الوقت أنباء من كثيرين جداً من مواطنين نبلاء ومتفانين ومنفذين لواجباتهم، الذين، وعند قراءاتهم لتأملاتي، لا يطعنون البتة في وجهات النظر الواردة فيها، فيؤمنون بما أعرضه من تحليل ويروّعهم، غير أنهم يمضون على الفور في القيام بواجبهم في العمل، الذي يكرّسون له كل طاقاتهم.
هذا هو بالذات ما نريده من أبناء وطننا. الأسوأ هو أن ترد بشكل مفاجئ أنباء الأحداث الخطيرة، من دون أن يسبقها سماع أي نبأ عن مثل هذه الاحتمالات، فيدبّ حينها الذعر والحيرة، وهو ما لا يستحق الوقوع فيه شعب بطل كالشعب الكوبي، الذي كان على وشك التحوّل إلى هدف لهجوم نووي واسع في شهر تشرين الأول/أكتوبر 1962، ولم يتردد لحظة في القيام بواجبه.
في أدائهم لمهمات أممية بطولية، كان هناك مقاتلون وقادة بواسل من القوات المسلحة الثورية على وشك الذهاب ضحية هجمات نووية على القوات الكوبية القريبة التي كانت تقترب من الحدود الجنوبية لأنغولا، حيث كان قد تم طرد القوات العنصرية الجنوب أفريقية على أثر معركة كويتو كوانافالي والتي أخذت تتخندق على الحدود مع ناميبيا.
بمعرفة رئيس الولايات المتحدة، زوّد البنتاغون العنصريين الجنوب أفارقة بحوالي 14 قنبلة نووية عبر إسرائيل، وهي قنابل أقوى من تلك التي تم إلقاؤها على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، كما شرحنا في تأملات سابقة.
لست نبياً ولا منجماً. لم يخبرني أحد بكلمة واحدة عمّا سيحدث، كل هذا جاء ثمرة ما أصنّفه اليوم بأنه تفكير منطقي.
لسنا بجدد على هذا الموضوع المعقد ولا دخلاء عليه.
في الفترة اللاحقة للأزمة النووية، يمكن التكهن بما سيحدث في بقية أنحاء القارة الأمريكية الناطقة بالإسبانية.
في مثل هذه الظروف، لن يكون بالإمكان الحديث عن رأسمالية أو اشتراكية. إنما ستشق طريقها مرحلة إدارة الممتلكات والخدمات المتوفرة في هذا الجزء من القارة. سيواصل الحكم في كل بلد حتماً أولئك الذين يقودون الحكم اليوم، العديد منهم قريب جداً من الاشتراكية، وآخرون مطمئنون وسعداء لفتح السوق العالمي المفتوح اليوم أمام الوقود واليورانيوم والنحاس والليثيوم والحديد وغيرها من المعادن التي يتم إرسالها اليوم إلى البلدان المتقدمة والثرية التي ستختفي من الوجود على حين غرّة.
كمّ وافر من المواد الغذائية التي يتم تصديرها اليوم إلى ذلك السوق العالمي ستندثر أيضاً بين ليلة وضحاها.
في مثل هذه الظروف، السلع الأساسية اللازمة للعيش: المواد الغذائية، الماء، الوَقود وموارد الجزء الواقع جنوب الولايات المتحدة من القارة، تكفي من أجل المحافظة على شيء من الحضارة، الذي سارت قفزاته الخارجية عن السيطرة بالعالم إلى مثل هذه الكارثة.
غير أن هناك أموراًغير مؤكدة بعد، هل يمكن للقوتين النوويتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا، الامتناع عن استخدام أسلحتهما النووية واحدة ضد الأخرى؟
ما لا يحتمل أدنى شك هو أنه انطلاقاً من أوروبا، الأسلحة النووية التي تملكها بريطانيا وفرنسا، حليفتا الولايات المتحدة وإسرائيل –التي فرضت جميعها وبحماس القرار الذي سيفجّر الحرب دون شك، وهي حرب ستتحول للأسباب التي سبق شرحها إلى حرب نووية-، تهدد الأراضي الروسية، مع أن هذا البلد سعى لتفاديها، على غرار ما فعلت الصين، وكل منهما وفق القوى والإمكانيات المتاحة لكل منهما.
اقتصاد القوة العظمى سينهار كقلعة وهمية. المجتمع الأمريكي هو المجتمع الأقل استعداداً لتحمّل كارثة كالكارثة التي خلقتها الإمبراطورية في موطن نشوئها نفسه.
نجهل ما ستكون عليه الآثار البيئية للأسلحة النووية، التي لا بد وأنها ستنفجر في أماكن مختلفة من الكوكب، وفي أقل الحالات خطورة، سيتم إنتاجها بكثرة.
الجرأة على الافتراض منِ شأنه أن يكون علم خيال محض من جانبي.
27 حزيران/يونيو 2010 - الساعة: 2:15 ظهراً