الافتتاحية: المواجهة جارية..

منذ صدور الافتتاحيتين السابقتين (المواجهة على جبهتين) و(المواجهة الشاملة) وحتى اليوم.. تأكدت من خلال الوقائع والأرقام والاتجاهات المحتملة لتطور الأزمة الرأسمالية العالمية التي تسير اقتصادياً ومالياً نحو طريق مسدود بشكل متسارع..

فالأرقام تقول إن التجارة العالمية قد هبطت 12% خلال عام 2009 عما كانت عليه سابقاً.. وآخر المعطيات تشير إلى أن 200 بنك أمريكي على حافة الإفلاس، بعد أن وصل رقم البنوك المفلسة خلال 2009 إلى أكثر من 100 بنك، كما أن الأوضاع الاقتصادية المعقدة في اليونان وإيرلندا  والبرتغال وإسبانيا واحتمال تحولها إلى دول مفلسة... يؤكد اتجاهات تعمق الأزمة..

وعلى أساس هذه المعطيات وغيرها التي تسير في الاتجاه نفسه، تؤكد جهات اختصاصية موثوقة أن الاقتصاد العالمي والأمريكي بصورة خاصة بانتظار هزة قوية جديدة تتجاوز هزة أيلول 2008 خلال الأشهر القادمة. وللقياس، وإذا اعتبرنا أن الهزة الماضية كانت من خمس درجات، فالقادمة ستكون أعظم ويمكن أن تتجاوز الست درجات لتصل إلى أعلى منها..

وهنا الأمر ليس سراً، وأول من يعرفه ويعمل على التعاطي معه هو تلك الأوساط الإمبريالية التي تعيش في قلب الزلزال، والتي لديها ما يكفي من أجهزة استشعار مبكرة وأدوات قياس للوضع القائم.. والقادم.

وإذا أخذنا من جهة أخرى حجم وتوزع القوة العسكرية الأمريكية في العالم، ومقدار ما يجري من إنفاق عليها، لتبين لنا حجم التناقض بين القوة الاقتصادية الآخذة بالأفول، والقوة العسكرية التي تحافظ على نفسها حتى الآن بفعل قوة عطالة القوة الاقتصادية السابقة...

فلدى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 300000 جندي موزعين في العالم، من كوريا إلى ألمانيا مروراً بالعراق وأفغانستان، ولديها 716 قاعدة في 38 بلداً، إلى جانب 1000 منشأة عسكرية سرية أو شديدة الحساسية خارج أراضيها، وحسب البنتاغون فإن القوات الأمريكية متمركزة في 148 بلداً و11 منطقة.. وإجمالي موازنة قوى الحرب الأمريكية في العالم تتجاوز تريليون دولار (ألف مليار) في العام، وبناء على كل، ذلك يتبين لنا عمق التناقض الذي تعيشه الإمبريالية الأمريكية بين قوتها الاقتصادية المتداعية وقوتها العسكرية القائمة، والمرشحة بدورها للتداعي إذا لم تجد المخرج الضروري لإيقاف الانهيار الاقتصادي.

وصدق من قال في حينه، إن فرق الكمون بين القوة الاقتصادية والقوة العسكرية يؤدي حتماً إلى الحرب... وقد كانت الحرب تاريخياً، كما أشار أنجلس، الرئة العسكرية التي تتنفس منها الرأسمالية...

إن هذا الوضع يستدعي حذر ويقظة القوى التي استهدفتها المخططات الأمريكية ـ الصهيونية في المنطقة، هذا الاستهداف الذي لم يستطع الوصول إلى نهاياته بسبب تنامي قوة الممانعة والمقاومة لدى الشعوب من جهة، وبسبب الإنهاك الذي أصاب الإمبريالية الأمريكية التي تخوض حروبها الأخيرة...

إن الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية تدركان تماماً أن معركتهما الحالية في المنطقة هي معركة مصيرية بالنسبة لهما، وإذا كانتا مضطرتين لخوضها بسبب الظروف الناشئة موضوعياً، فإن تقدير المكان والزمان لحسمها، يبقى مرتبطاً بالتطورات على الأرض ميدانياً في اللحظة الأخيرة...

لذلك، إذا حاولنا توصيف المواجهة القائمة اليوم فهي تتسم بمايلي:

ـ أنها شاملة، وتغطي إقليما جغرافياً واسعاً يقطنه أكثر من مليار شخص.

ـ أنها حاسمة بالنسبة للإمبريالية الأميركية والصهيونية، فعدم تحقيق الأهداف المطلوبة على غرار ما حدث في لبنان ـ تموز 2006، وفي حرب غزة.. لن يؤدي إلى نتائج إقليمية سلبية عليهما فقط، وإنما إلى نتائج سلبية عالمية ستؤثر مباشرة على تسارع أزمة النظام الرأسمالي العالمي...

ـ أنها قاسية، إذ أن استحالة تحقيق الأهداف الموضوعة، سيضطر قوى العدوان إلى استخدام كل ترسانتها وقواها لتحقيق أهدافها.

- أنها متشابكة، فالعدو الخارجي في كل المنطقة، يعتمد على قوى محلية داخلية يأمل بتفعيل قواها ورفع وزنها النوعي خلال المواجهة المباشرة، ولا يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلية حول سورية إلا من هذا المنظور، ولا يمكن فهم ما يجري داخل إيران إلا من هذا المنظور أيضاً.

- أنها مركبة، ستستخدم فيها كل أشكال الصراع من أدناها إلى أعلاها، السياسية والاقتصادية والإعلامية والنفسية، وأخيراً العسكرية.

والأمر هكذا، فإن المهمة التاريخية العظيمة الملقاة على عاتق قوى المقاومة والممانعة في منطقتنا هي مهمة خطيرة، والخيار الوحيد المطروح أمامها هو النصر.

وهذا النصر لا يمكن الوصول إليه إلا بمزيد من التصميم والجرأة، وصولاً إلى أخذ زمام المبادرة حينما يتطلب الأمر ذلك.. وهذا النصر لا يمكن الوصول إليه إلا برفع روح التضحية إلى أعلى درجاتها.. وهذا النصر لا يمكن الوصول إليه إلا بتوطيد الوحدة الوطنية الداخلية مما يتطلب المعالجة المسؤولة والشجاعة للمشكلات الاقتصادية ـ الاجتماعية، أو على الأقل، وضمن الوقت المتبقي المتناقص إعطاء إشارات واضحة في هذا الاتجاه، وهذا النصر سيتم حتماً عبر التضامن الكفاحي العملي على الأرض بين شعوب الشرق العظيم، التي تتعرض لأخطر وأكبر عدوان همجيّ في كل التاريخ وعلى مر كل العصور..