الموضوعات.. والتشريعات التي تهدد وحدة المجتمع السوري
في المجتمع السوري شرائح واسعة من المثقفين وحملة الشهادات العلمية العليا، ومعظم الملتزمين في الأحزاب الوطنية اللاطائفية أو اللادينية والأحزاب القومية والشيوعية والعلمانيين اللادينيين، تنتظر صدور قانون يحتضن الحالات الأسرية ومشاريع الأسر العابرة لواقع الاختلاف الطائفي والمذهبي والديني المؤطر في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الجمهورية العربية السورية، وقد كان لتسريب نسخ من مشروعي القانون المطروح في مجلس الوزراء القانون الأول والقانون المعدل أثر الصدمة على هؤلاء جميعاً، فبدلاً من الخطوة إلى الأمام للمطالبة بتطوير القانون الحالي، انصب الجهد لإلغاء المسودة، والبعض قبل بالقانون المعمول به أو بالمسودة المعدلة على قاعدة (الله يرحم النباش الأول) لما فاجأهم به مشروع القانون من مفردات وتسميات وتوصيفات وتصنيفات وتخلف في تنظيم أهم العلاقات الإنسانية والاجتماعية وتأثيراتها السلبية على الوحدة الاجتماعية.
إن الخلايا الأسرية والاجتماعية الناشئة من تجارب الطموحات والعواطف النبيلة الكبرى لبناء فرد تكون المواطنة فيه هي الأساس في علاقته بمجتمعه ووطنه وقوميته.. إن هذه الخلايا تشكل نسبة لابأس بها، ويمكن الاعتماد عليها في تشكيل نسيج جديد لا يخرج عن دائرة الأحزاب، بل يمكن أن ينمو ويترعرع في حضنها، وهو بالحقيقة متمم لعملها، لا بل مبلور على أرض الواقع لمفاهيمها النظرية، خاصة وإن الوحدة الوطنية والاجتماعية هي أهم أهداف أحزابنا الوطنية سواء في الجبهة أم خارجها.
رفاقنا الشيوعيون السوريون يركزون انطلاقاً من نظريتهم، على رؤية المجتمع طبقتين، تمثل الأولى قوة رأس المال، فيما تمثل الثانية قوة العمل، والحقيقة كلما انفلت رأس المال من عقاله ومارس سرطانيته المتورمة، اشتد الصراع. وبنظرة تفصيلية أكثر، نلمح طبقة ثالثة مسحوقة نفسياً هي الطبقة الوسطى والتي تتشبث بموقعها دون جدوى بفعل بعض الإجراءات الحكومية وفريقها الاقتصادي الذي يطبق نظرية اقتصاد السوق الليبرالية المقنعة بعنوان «اقتصاد السوق الاجتماعي»، هذه الإجراءات ضغطت الطبقة الوسطى باتجاه الطبقة الثالثة المسحوقة مادياً والتي يتنطح رفاقنا في الحزب الشيوعي للدفاع عنها، لا بل وقيادتها - إذا تسنى لهم ذلك– معتمدين على وعيها الطبقي وولائها للطبقة المصنفين بها..
إن المشهد الطبقي لا يبدو واضحاَ على أرض الواقع كما في النظرية – سواء أكان صراعاً أو نضالاً مطلبياً- وذلك لاختراق الرابطة الاقتصادية الطبقية بفيروس الولاءات الطائفية والعشائرية والإثنية الممتدة على طول حقبة الضياع القومي والوطني في الفترة الاستعمارية الطويلة، وتبدو اللوحة واضحة أكثر في الحرب اللبنانية الأخيرة (1975-1992) حيث كانت الظروف الدولية قبل الحرب أكثر ملاءمة لفرز طبقي، إلا أن الذي حدث هو بروز اصطفاف طائفي أدى من حيث النتيجة لخروج الإقطاع المالي من تلك الحرب منتصراً، وكان الوقود الحقيقي من الفقراء والمعدمين الموزعين في كل الخنادق المتقاتلة، ما يشير إلى أن ولاء الأفراد لغير طبقتهم كان أقوى بكثير، كما وتبدو جلية في العراق الشقيق واصطفافاته السياسية إثر الاحتلال الأمريكي.
إن العمل من أجل تعزيز وحدة اجتماعية تواكب النضال المطلبي في المجتمع وفي أروقة النظام السياسي القائم، والذي يتنكبه الشيوعيون السوريون والقوميون الاجتماعيون وغيرهم داخل الجبهة الوطنية التقدمية وخارجها، يحتاج إلى غطاء قانوني ودستوري لا يكرس الوحدة الوطنية والاجتماعية فحسب، بل يحمي أيضاً وحدة الطبقة العاملة، بعد أن تكون قد تخلصت من فيروس الولاءات المتوارثة، وانتقلت إلى ولاء مبني على المعرفة والمصالح. وفي هذا السياق نفضل أن نقول وحدة الطبقة المنتجة كونها الأدق بعد تعميم الإنتاج المعرفي ودوره الهام في كافة مرافق العمل.
إن الوصول إلى مجتمع ذي نسيج متماسك يتوحد أبناؤه في الحقوق والواجبات، ويتساوون أمام القانون، يتطلب قانوناً واحداً للجميع في كل ما يتعلق بمناحي الحياة وخاصة الأحوال الشخصية، ومنها الزواج والطلاق والإرث، وهو ما نطلق عليه القانون المدني، فوجود هكذا قانون يشرعن لتجارب أولئك الذين عايشوا المواطنة دون أي التباس، ولم يميزوا بين أبناء الطوائف والإثنيات، وتجاوزوها باتجاه الاندماج والتفاعل الذي سيرسخ في بلادنا وحدة وطنية عبر تأسيس نسيج سوري موحد.
إن الكثير ممن انضووا تحت لواء الأحزاب اللادينية والعلمانية، وخاصة القوميين الاجتماعيين والشيوعيين، وتمثلوا ممارسة المواطنة في موضوع بناء الأسرة، كان لجميعهم معاناة صعبة لقصور قانون الأحوال الشخصية المعمول عن استيعاب حالتهم وتغطيتها دون الاصطدام بالحواجز المعروفة لدى الجميع، ومن الأهمية بمكان الانتباه إلى تلك العلاقات الإنسانية التي لا تستطيع إكمال مسارها الطبيعي وتتحطم ملقية بطرفيها (الشاب والفتاة) إلى دوائر ما دون الوطنية محبطة ليس حلمهما الخاص، بل وتشككهم بأهم ما تعلموه في العقيدة والإيديولوجيا.
في مشروع الموضوعات البرنامجية المعد للاجتماع التاسع لوحدة الشيوعيين السوريين لم نلمح أية مقاربة لهذا الموضوع الهام، واقتصر الاهتمام والتركيز والمعالجة على الشأن الاقتصادي.. وفي الفقرة الفرعية الثالثة من البند /22/ (إن عدم الأخذ بعين الاعتبار الضرورات الوطنية والاجتماعية سيهدد الاستقرار الاجتماعي، ما سيضعف الوحدة الوطنية، وبالتالي يضعف سورية في لعب دورها المطلوب في المنطقة..)، وباعتبار أن هذه الفقرة معطوفة أو متممة لما جاء قبلها، فهي لا تخرج عن المعنى المقصود والواضح في البند الأساسي /22/ وهو: النموذج الكارثي على الاقتصاد السوري والمناقض لمفهوم الأمن الوطني. وكنا نتمنى لو طرحت المشكلة التي استعرضناها آنفاً في فقرة مستقلة يمكن أن تشكل مع اقتراحنا – قانون مدني اختياري في الأحوال الشخصية إلى جانب القانون المعمول به – حالة انتقال للقوى العلمانية من الدفاع عن النفس إلى مرحلة الهجوم المضاد على هجوم القوى الرجعية والظلامية المبيت ليس عليها فقط، بل على ما تبقى من وحدة وطنية أنجزت في حقبة التحرر من الاستعمار.
هذا عرض سريع وموجز لاقتراح، وهو مطروح ليس على الاجتماع الوطني التاسع، بل على كل القوى الوطنية، ويمكن أن يكون فقرة أخرى على جدول أعمال كل هذه القوى إن أرادت التنسيق فيما بينها أو العمل منفردة.
■ ملاحظة: النص كاملاً منشور على موقع قاسيون الإلكتروني