الجولة القادمة هي الأخيرة..!
أعلن المبعوث الدولي إلى سورية، ستافان دي مستورا، يوم أمس أن الجولة القادمة من جنيف3 ستعقد في غضون الشهر القادم، وأعاد التأكيد على أن المنظمة الدولية متمسكة بشهر آب موعداً لإطلاق التسوية السياسية في سورية.
إنّ من المرجح أن الجولة التي يتكلم عنها دي مستورا ستكون آخر جولات جنيف3، ليس فقط لأنّها الجولة الثالثة ضمنه، وفقاً لترقيم دي مستورا نفسه الذي كان قد صرح في 14 آذار الماضي أن عدد جولات جنيف3 هو ثلاث جولات، وليس فقط لأن الآجال الزمنية المحددة في 2254 تنسجم مع آب موعداً لانطلاق التسوية، وليس أيضاً لأنّ هذا الموعد قد تم التأكيد عليه مراراً من جانب الروس والأمريكيين.. ليس للأسباب السابقة وحدها من المرجح أن تكون الجولة القادمة هي الجولة الأخيرة، بل وأيضاً لأن جملة المعيقات الأساسية للحل السياسي في سورية قد تم تذليلها إلى حد بعيد خلال هذا العام.. يتضح ذلك في النقاط التالية:
أولاً: أحد أكبر المعيقات كان السجال حول الأولويات (عملية سياسية أم محاربة إرهاب). هذه المسألة تم حلها بشكل عملي ابتداء من 30/9/2015 بدخول الروس بشكل مباشر على خط محاربة الإرهاب، وبتحقيقهم نتائج سريعة وكبيرة أدت إلى سحب هذه الورقة عن الطاولة، وتحويلها إلا مسؤولية مشتركة للأطراف الداخلية السورية جميعها وللمجتمع الدولي بأسره. بل وغدت مسؤولية الأطراف الداخلية المباشرة هي المسارعة إلى حل مشاكلها البينية عبر العملية السياسية لتوحيد البنادق المختلفة في وجه الإرهاب.
ثانياً: تم استكمال حل هذه المسألة بتعزيز الفرز بين المسلحين، بين مؤيد للحل السياسي ومعاد له، بين نصير لداعش والنصرة وبين عدو ومحارب لهما، وكانت الأداة العملية لهذا الفرز هي اتفاق وقف الأعمال العدائية 27/2/2016، والذي تمكن من الصمود رغم هشاشته ورغم اشتغال قوى التعطيل كلها ضده.
ثالثاً: إحدى القضايا الكبرى الإشكالية التي كانت توضع كشرط مسبق لتعطيل الحل، والتي كان رافضو الحل من الجهتين يستفيدون منها هي «إجراءات الثقة» أو المسألة الإنسانية، (الحصار والمساعدات وقصف المدنيين بشكل أساسي، والمعتقلين والمخطوفين بتركيز أقل). أما الحصار وايصال المساعدات فقد تم إخراجها من يد الأطراف المتشددة الداخلية بوصفها ورقة ضغط وتفاوض عبر القرار 2254 وعبر السير العملي نحو حلّها بغض النظر عن طاولة المفاوضات بوصفها قضايا إنسانية عامة من حيث الأساس ولا يحق لأي طرف استغلالها سياسياً، ومسألة قصف المدنيين لم تعد ورقة بيد من يقصف، بل شاهداً عليه منذ سريان وقف الأعمال العدائية، وخرجت بالتالي من إطار التفاوض.. ما تزال مسألة المعتقلين والمخطوفين عالقة دون أي تقدم يذكر، ولكن مصيرها سيكون كمصير المساعدات والحصار، أي أن من يحملها ورقة بيده من أجل التفاوض سيكون قريباً في وضع تكون هذه الورقة عليه وليست له.
رابعاً: بعد حسم «مسألة الأولويات» عبر العمل بشكل متواز على محاربة الإرهاب وعلى الحل السياسي، انتقل السجال إلى مضمون الحل السياسي وشكله، وهذه أيضاً ظهرت إمكانية حلّها في الجولة الماضية على أساس صيغة وسط بين الحدين الأقصويين، صيغة
تضمن عدم حدوث فراغ دستوري وتضمن تطبيق القرار 2254 في الوقت نفسه.
خامساً: مشكلة أخرى كانت إحدى نقاط التعطيل الأساسية منذ جنيف2 وهي مشكلة تمثيل المعارضة، ومحاولات احتكار التمثيل من قبل جهة بعينها، هذه أيضاً تم تذليلها بشكل تدريجي عبر لقاءات موسكو1 وموسكو2 والقاهرة وغيرها، والتي تم تثبيتها في 2254 كمنصات متعددة معترف بها للمعارضة السورية، وتجلى ذلك عملياً بطريقة الحضور في الجولتين الأولى والثانية من جنيف3، وبقيت الخطوة الأخيرة التي ينبغي ضمنها الوصول إلى وفد واحد للمعارضة مرة أخرى، ولكن ليس وفداً احتكارياً كما في جنيف2، بل وفد يضم المنصات المذكورة في 2254 بشكل عادل ومتساو، ولما أظهرت منصة الرياض عدم جديتها في الذهاب بهذا الاتجاه، فإنّ المجتمع الدولي والسيد دي مستورا بشكل خاص، ووفقاً للصلاحيات التي يمنحها إياه القرار الدولي، غدا معنياً مباشرة بحل هذه المسألة التي بات حلّها واضحاً وبسيطاً.
إنّ ما جرى فعلياً من حلحلة مختلف النقاط العالقة، بالتتابع وبالتوازي، يعكس مسألتين أساسيتين، الأولى: هي التوازن الدولي الجديد الذي يميل بشكل واضح وثابت بغير مصلحة واشنطن، والثانية: هي انعكاسات هذا التوازن نفسه إقليمياً والمتمثلة بمزيد من تساوق مختلف القوى الإقليمية معه، وهو ما يضمن تأريض محاولات التعطيل القادمة.
طالت الأزمة كثيراً، وهنالك من يتمنى، من أطراف شتى، أن تطول أكثر حرصاً على أرباحه وخوفاً على مستقبله، لكن قدرة هؤلاء على الإعاقة تسير في خطها البياني المتناقص سريعاً نحو صفر قريب..