منبج: معركة تحرير أم معركة تحريك؟
أعلن عن بدء معركة تحرير منبج من قبضة داعش، على يد «قوات سورية الديمقراطية»، وبإسناد جوي أمريكي. ورغم مرور ثلاثة وعشرين يوماً على انطلاق المعركة ما زالت الأعمال القتالية تجري على أطراف المدينة، ولأن مفاتيح العملية بيد واشنطن دون غيرها، فإن الشك سيبقى سيد الموقف، مع التأكيد على أهمية طرد داعش، وطنياً وإنسانياً، من أية بقعة من الأرض السورية، لاسيما وأن القوى السورية المقاتلة على الأرض لها مواقف مشهودة في الحرب الجدية على داعش، منذ بسالة وحدات الحماية في عين العرب«كوباني».
كان وما زال واضحاً من التغطية الإعلامية المواكبة للمعركة، حجم التعقيدات التي تكتنف العملية، سواء كان من ناحية الموقف التركي، والتهويل بخطر وصول قوات الحماية التي تشكل العمود الفقري لقوات سورية الديمقراطية إلى الحدود، إلى هذه المنطقة، بالتزامن مع الإشارات المتكررة من قوات الحماية، بالسعي إلى توحيد الكانتونات الثلاثة بعد التحرير، وردود الأفعال على ذلك، أو التهويل بقوة داعش في المدينة، من حيث حجم ونوع وجودها العسكري هناك، بالإضافة إلى التقارير التي كانت وما زالت تتحدث عن «تطهيرعرقي» لبعض القرى في المنطقة من قبل قوات الحماية الكردية، وذلك بالتوازي مع قصف حي الشيخ مقصود بحلب ذي الأغلبية الكردية، من قوى تعتبر معتدلة وفق مقاييس واشنطن في تحديد الجماعات الإرهابية، ووسط إشارة إلى توافد قوات إنكليزية وفرنسية إلى الأرض السورية عشية البدء بالمعركة. كل ذلك ضمن معطى رئيسي عام في الأزمة السورية، وهو عدم وجود توافق روسي أمريكي كامل على خارطة التنظيمات الإرهابية، والموقف من بعض المجموعات منها، وتماطل واشنطن في فتح جبهة مشتركة مع موسكو ضد الجماعات الإرهابية.
وفي سياق المفارقات والتساؤلات التي تحيط بمعركة تحرير منبج، ينبغي التذكير أيضاً بأن الأنظار بالأصل كانت تتجه نحو الرقة من قبل القوى العسكرية المحلية والدولية نفسها، والتغير المفاجئ وغير المفسر حتى الآن، في الأولوية وتغيير الوجهة من الرقة نحو منبج؟!
ما يراد قوله هنا هو أن تعقيدات الأزمة السورية كلها، تتكرر وتتكثف في معركة منبج، وخصوصاً ما يتعلق بالهدف والدور الأمريكيين كطرف أساسي في المعركة يجري تلميعه، وتجميله أكثر من القوى التي تقاتل على الأرض، وتقدم التضحيات.
أولاً: عدم إعلان صريح وواضح أمريكياً عن ضرورة إغلاق الحدود التركية السورية، كمهمة أولى لمعركة منبج، باعتبارها طريق الإمداد الأساسي لداعش وغيرها من القوى المسلحة من جهة تركيا.
ثانياً: سكوت واشنطن عن قصف حي الشيخ مقصود من قبل جماعات مدعومة أمريكياً وتركياً، ودور ذلك في توسيع الفالق القومي.
ثالثاً: تشير التجربة مع الولايات المتحدة، في ساحات الحروب البينية كلها «افغانستان – العراق – ليبيا...» بأن انخراطها في العمل العسكري، كان دائماً، ضمن منطق إدارة الأزمات وليس حلها، الأمر الذي نتج عنه على الدوام المزيد من خلط الأوراق، وخلق تناقضات جديدة، أو تحريك تناقضات مزمنة، ومحاولة الإمساك بخيوط الصراع كلها، وإنهاك الكل، وترويض الخيول كلها على الحلبة الأمريكية حصراً دون غيرها، وتوزيع الأدوار بما يخدم استراتيجية الاحتواء المركب للقوى كلها، ترهيباً أو ترغيباً. بمعنى آخر، إن واشنطن تريد من هذه المعركة، معركة تحريك، وليست معركة تحرير.
رابعاً: إن واشنطن التي دخلت مكرهة في الحرب الجدية ضد داعش، بعد الدخول الروسي المباشر في الحرب على الإرهاب، وتحرير مدينة تدمر السورية، تحاول تحويل هذا الدخول الاضطراري، إلى أداة جديدة ضمن الاستراتيجية العامة بإثارة الفوضى، بما يخدم عملية التقسيم التي ما زال لها حضور، في أذهان القوى الفاشية في الإدارة الامريكية كما يبدو، بدلالة الحديث مجدداً عن تقسيم سورية، وتضخيم دور العامل الكردي في الأزمة السورية من جهة، وإبقائه تحت ضغط الابتزاز التركي دائماً.
خامساً: إن أية حرب جدية على الإرهاب، لا تكون متكاملة مع عملية الحل السياسي بين السوريين لن يكتب لها النجاح، ولن تحقق الأهداف الحقيقية المطلوب منها سورياً، والمعلوم أن العملية ترافقت مع تصعيد في المواقف تجاه استئناف جنيف، من قبل جماعة واشنطن، في المعارضة و الدول الإقليمية.